x

«صفقة القرن».. ضوضاء مفيدة لترامب ونتنياهو وليس للسلام (تحليل إخباري)

السبت 25-01-2020 20:48 | كتب: محمد البحيري |
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الأسرائيلى بنيامين نتنياهو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الأسرائيلى بنيامين نتنياهو تصوير : آخرون

ما أن تم الإعلان عن أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيكشف، بعد غد، عن محتوى خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمعروفة إعلاميا باسم «صفقة القرن»، حتى ثار الجميع فى الشرق والغرب، ما بين رفض مسبق للخطة وتحذير من محتواها المنحاز لإسرائيل، وفقًا لما اعتاد عليه ترامب.

وبعيدا عن تفاصيل الخطة، تظل فى جوهرها مجرد «مقترح أمريكى»، لا يمكن لأحد أن يجبر الأطراف المعنية بها على قبولها، خاصة إذا كان الأمر لا يقتصر على الفلسطينيين والإسرائيليين، فى ظل حديث عن أدوار لعدة دول عربية بها، لن يكون بوسعها قبوله، حتى لو ارتأت الحكومات ذلك، فإن غضب الشعوب العربية سيكون كفيلًا بكبحها فى التو واللحظة.

ولذا، ينبغى التعامل مع الأمر بهدوء، فى ظل ظروف أخرى محيطة بهذا الإعلان، لعل أهمها التوقيت، الذى عبر عنه رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان، حين انتقده غاضبًا فقال: «لن تنهار السماء ولن يحدث شىء لو تأجل إعلان خطة ترامب إلى 3 مارس».

والحقيقة أن هذا السؤال يوفر الإجابة على السؤال المهم: لماذا الآن؟.

يأتى طرح ترامب لما يسمى «صفقة القرن» الآن لتحقيق أكثر من هدف، لعل من بينها توفير الدعم لصديقه المقرب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يمر بأصعب فترات حياته، فى ظل تهديد متعاظم بأن ينتهى به الأمر إلى السجن بسبب تورطه فى عدة قضايا فساد، يواجه خلالها اتهامات بالتربح والرشوة والاحتيال والكسب غير المشروع والكذب والسطو على أموال عامة. كما يواجه وضعا صعبًا على الصعيد السياسى، حيث فشل 3 مرات فى تشكيل حكومة يكن تمريرها فى البرلمان الإسرائيلى (الكنيست)، ويخوض نتنياهو حاملا كل ذلك على كتفيه جولة جديدة من الانتخابات الإسرائيلية فى 2 مارس المقبل، وسط تكهنات بأن يكون أفضل سيناريوهاتها هو بقاء الوضع على ما هو عليه، أى استمرار حالة الشلل السياسى فى إسرائيل، والفشل فى تشكيل حكومة تتولى تسيير الأمور فى ظل ظروف داخلية وخارجية صعبة ومتلاطمة.

لذا تبدو صفقة القرن المنتظرة كطوق نجاة أخير لنتنياهو، على أمل أن يتمكن «بيبي» من التباهى بعلاقته غير المسبوقة مع ترامب، وحصوله على وعود وأرباح سياسية تاريخية لصالح إسرائيل، كان منها حتى الآن الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف الأمريكى بشرعية ضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية، فضلا عن شرعية المستوطنات المقامة على الأراضى الفلسطينية المغتصبة والمحتلة.

لكن ترامب لم يختر التوقيت لمصلحة صديقه الإسرائيلى فقط، وإنما لمصلحته هو أيضا، فقد جاء الإعلان عن صفقة القرن وكل الضوضاء المصاحبة لها كوسيلة فعالة للغاية للتشويش على مجريات محاكمة الرئيس الأمريكى فى مجلس الشيوخ الأمريكى، من جانب الديمقراطيين، الذين يعلمون جيدا أنه لن يتم عزل ترامب بهذه الاتهامات البالية، وقصارى طموحهم هو مساهمة المحاكمة فى إجهاد سمعة ترامب قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المنتظرة فى نوفمبر المقبل. ولا شك أن «صفقة القرن» ستقدم خدمة جليلة لترامب فى توقيت حساس، لأنها ستكون بمثابة رد على ممارسات الديمقراطيين، حيث إن كل الغضب العربى وكل الانتقادات التى ستوجه للرئيس الأمريكى بسبب هذه الخطة المزعومة، سوف تصب فى خانة واحدة، مفادها أن ترامب هو «الصديق الأوحد والأفضل تاريخيا لإسرائيل»، ما يعنى حشد كل الدعم لصالحه فى الانتخابات المقبلة من جانب اليهود أو الناخبين المسيحيين الإنجيليين المتأثرين بكل ما له علاقة بإسرائيل، سواء فى صورة أصوات انتخابية أو فى صورة تبرعات سخية من رجال المال، فضلا عن دعم وسائل الإعلام التى يمسكون بتلابيب الكثير منها فى الولايات المتحدة.

كما أن ضوضاء «صفقة القرن» تسحب الأضواء من التوتر المتزايد بين إيران والولايات المتحدة فى ضوء التصعيد الأخير الذى تمثل فى اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى بضربة أمريكية، والرد الإيرانى على ذلك بقصف صاروخى أصاب عشرات الأمريكيين فى قاعدة بالعراق. كما أن هذه الضوضاء ترفع الحرج عن طهران، التى كانت الأضواء مسلطة عليها انتظارا لتنفيذ أى من تهديداتها للرد على اغتيال سليمانى، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

أما تفاصيل الخطة الأمريكية نفسها، فلا يبدو أنها بنفس الأهمية التى يظنها الكثيرون، وهو ما يؤكده أمريكيون مثل دينيس روس، المفاوض الأمريكى السابق للشرق الأوسط، الذى قال إن صفقة القرن «لا تمت للسلام بأية صلة».

ويقول آرون ديفيد ميلر، الذى اضطلع بدور مماثل «إنها أول مبادرة سلام هدفها لا علاقة له بالإسرائيليين والفلسطينيين ولا بعملية السلام ولا ببدء مفاوضات».

وبالتالى فلا ينبغى التوقف كثيرا عند تسريبات من نوعية أن الخطة الأمريكية تشترط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية عاصمتها القدس ونزع السلاح من قطاع غزة وعدم سيطرة الفلسطينيين على حدود دولتهم.

إنها مجرد ضوضاء أمريكية، لا ينافسها على شاشات الأخبار سوى فيروس كورونا الصين الجديد، الذى يثير الذعر فى مختلف أنحاء المعمورة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية