بدأت تركيا، بالتزامن مع تشغيلها رادارًا للإنذار المبكر يتبع منظومة الدرع الصاروخية، التي يسعى حلف شمال الأطلنطي «ناتو» لإقامتها في أوروبا، بهدف التصدي لأي هجمات صاروخية محتملة، التعامل مع مخاوف «روسية-إيرانية» حول هذه المنظومة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية التركية: «إن موقع الرادار يوجد في مدينة ملاتيا، التي تبعد حوالي 700 كيلومتر عن الحدود مع إيران»، مشيراً إلى أنه يُدار بواسطة عسكريين من الجيشين التركي والأمريكي.
ولكن هذه الخطوة، التي أثارت حفيظة إيران وروسيا، يراها المراقبون محاولة من أنقرة لإعادة التوازن في علاقتها مع حلف «واشنطن- تل أبيب». حيث جاء إعلان القبول بإنشاء الرادار في 3 سبتمبر 2010، أي في اليوم نفسه الذي اتخذت فيه أنقرة قرارها بتخفيض التمثيل الدبلوماسي وتجميد التعاون العسكري مع تل أبيب.
وبهذه الخطوة تكون أنقرة قد أحدثت توازنًا مع محور «واشنطن-تل أبيب»، بحيث إذا خفت كفة العلاقات مع جهة وازنتها بالجهة الأخرى، وهي واشنطن التي طلبت من أنقرة استضافة رادار الدرع الصاروخية المعروفة بأن إسرائيل على رأس الأهداف المطلوب تأمينها ضد أي هجوم صاروخي.
وأكدت أنقرة لطهران، التي تعتبر أن منظومة الدرع الصاروخية هذه تستهدفها، أن الرادار مجرد آلية دفاعية تستهدف جمع معلومات وتوجيه إنذارات، وليس موجها ضد أي دولة.
ويرى محللون أن تردد أنقرة في قبول إنشاء هذا الرادار، الذي تؤكد أنه غير موجه ضد إيران، مردّه قوة العلاقات العسكرية بين أنقرة وتل أبيب، قبل تخفيضها، حيث كان بإمكان إسرائيل الاطلاع على المعلومات التي يجمعها الرادار عن إيران، وبذلك يكون من الوارد نشوب حرب إقليمية، تكون تركيا السبب فيها، وهذا السيناريو هو الذي أشارت إليه صراحة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
ولكن مع تجميد التعاون العسكري بين أنقرة وتل أبيب ستحرم الأخيرة نفسها من المعلومات المهمة التي يرصدها الرادار.
وبشأن التحذير الشديد اللهجة، الذي وجهه أحد كبار العسكريين الإيرانيين لتركيا بعد إعلان قبولها إنشاء الرادار في سبتمبر الماضي، في خطوة لافتة بين الدولتين المرتبطين بعلاقات شراكة استراتيجية.
وأكد المحللون أن المسؤولين الأتراك اعتادوا على لغة التهديد الدائمة في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، مشيرين إلى أنه في يوم إعلان قبول أنقرة إنشاء الدرع وقعت تركيا مع إيران اتفاقات للتعاون الاقتصادي وتوسيع الشراكة بين الجانبين بـ20 مليار دولار فضلا عن إعلان أنقرة لقيادة جهود التوسط بين إيران والغرب بشأن الملف النووي.
وكل هذا أكد لإيران أن الهدف من قبول تركيا لوضع الرادار على أراضيها هو تدعيم القدرات الدفاعية للناتو، وكذلك النظام الدفاع الوطني في تركيا وهو ليس موجها لأي دولة، كما أن الرادار ليس هجوميا بأي حال من الأحوال ولكنه آلية مساعدة في منظومة دفاعية، حسب ما أكده مسؤولون أتراك لصحيفة «حريت» التركية.
كما أكدت أنقرة لموسكو أن الرادار لا يستهدفها، خاصة أن روسيا ترى أن المنظمة الدفاعية تستهدف صواريخها، وتوعدت باتخاذ جملة إجراءات عسكرية لمواجهة هذا المشروع، إذا لم تقدم الولايات المتحدة وحلف الناتو ضمانات خطية تؤكد أنه لا يستهدف القوات الصاروخية الروسية.
ويرى المحللون أن تركيا، التي طمأنت جيرانها سعت لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وتوطيد علاقاتها مع واشنطن، بعد الأزمة مع إسرائيل ولتأكيد على مبادئ سياستها الخارجية التركية في عهد حزب حكومة حزب العدالة والتنمية، التي اشتهرت إعلاميا باسم سياسة «العثمانيون الجدد»، والتي تقوم على 4 محاور، أهمها «الاتجاه شرقا» و«حسن الجوار» و«تصفير المشكلات» ومبدأ الوسط النزيه غير المتحيز.