«لكتاباته الواقعية والخيالية، التي تجمع بين العاطفة والفكاهة، والإدراك الاجتماعى القوى».. هكذا أعلنت جائزة نوبل منح المؤلف الأمريكى جون شتاينبك الجائزة في الآداب لعام 1962، الذي حققت روايته الأشهر «عناقيد الغضب» ثورة اجتماعية لتصويره الثرى الطبقة العاملة في ثلاثينيات القرن العشرين وصراعاتها وضحايا الكساد العظيم في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ جاءت روايته تسجيلا لما فعله المسؤولين عن هذا الكساد العظيم وتأثيراتها على العمال المهاجرين، كما عكست الرواية إدراكه ووعيه الاجتماعى للأحداث، إذ استلهمها من الواقع الاقتصادى الأمريكى حينذاك، وحققت الرواية نجاحًا هائلا جعلها تفوز بجائزة بوليتزر في 1940.
بمدينة ساليناس، كاليفورنيا، ولد الكاتب الأمريكى جون إرنست شتاينبك في عام 1902، وكان ابنًا وحيدًا، لأب يعمل محاسبًا، وأمه كانت سيدة تهتم بالفنون، وقد أخذ عنها حب الأدب، إذ قرر أثناء دراسته في المرحلة الثانوية، أن يصبح كاتبًا، وكان كتاب «لو مورت دى آرثر» هو كتابه المفضل، وكان له تأثير رئيسى على كتاباته. عمل شتاينبك كمساعد مختبر وعامل مزرعة لدعم نفسه خلال سنوات دراسته في جامعة ستانفورد، ودرس فقط الدورات التي تهمه دون الحصول على شهادة، ثم سافر عام 1925 إلى نيويورك على متن سفينة شحن، وعمل هناك مراسل وعامل بناء، وخلال هذا الوقت جمع انطباعات لروايته الأولى «كأس الذهب» لكنها لم تنجح، فعاد إلى كاليفورنيا، ليبدأ العمل ككاتب خيال، وكتب مجموعة قصصية «مراعى السماء» عام 1932، وقدم فيها أوصافًا حية للحياة الريفية في كاليفورنيا، ثم توالت أعماله التي حازت على نجاح شعبى ونقدى. كتب شتاينبك سلسلة مقالات لصحيفة سان فرانسيسكو كرونيل حول مشاكل العمال الزراعيين المهاجرين، وكانت مادة لروايته «عناقيد الغضب» عام 1939، التي تناولت كفاح عائلة من المزارعين المستأجرين في أوكلاهوما حيث الجفاف والكساد الذين أجبروا على تسليم أراضيهم للبنوك، ثم تقوم العائلة بعد ذلك برحلات عبر السهول الشاسعة إلى أرض كاليفورنيا الموعودة لتلتقى مع الازدراء عند وصولهم.
في روايته، وصف شتاينبك حال أسرتين من ولاية أوكلاهوما وقعا تحت إغراءات الكتيبات اليدوية التي تعلن عن وظائف العمل في المزارع بكاليفورنيا، حيث الهجرة الجماعية للمزارعين المستأجرين الفقراء المتجهين غربًا، متجاهلين التحذيرات من أن الوظائف التي يتوقعونها في كاليفورنيا وهمية، فعند وصولهم يبلَّغون أن الوظائف شحيحة، والأجور رديئة، والأسر تموت جوعًا في مخيمات المهاجرين المؤقتة صوّر شتاينبك ببراعة الكفاح من أجل الحفاظ على الكرامة وعلى الأسرة في مواجهة الكارثة وتأثيراتها، واستند على زياراته لمخيمات المهاجرين ومدن الخيام من العمال، ورؤية مباشرة الظروف المعيشية الرهيبة للأسر المهاجرة، وقد وظَّف ذلك في وصفه بالرواية حال العمال في المخيمات في ظل تدنى الأجور وتضرر المحاصيل من الأمطار والسيول. وتلقت روايته ترحيبًا على نطاق واسع من قِبل الطبقة العاملة، كما أنها انتشرت على نطاق واسع من قبل رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين الذين أبدوا غضبهم تجاه النغمات الاشتراكية ونددوا بها باعتبارها «دعاية شيوعية»، وقد حرق نسخًا من الرواية وحُظرت من المكتبات والمدارس، ومع ذلك كانت الرواية الأكثر مبيعًا لعام 1939، وفازت بجائزة بوليتزر في 1940، كما تسببت في حصول شتاينبك على جائزة نوبل للآداب في 1962.
استمر جون شتاينبك في الكتابة ونشر عدة روايات، منها «فى مغيب القمر» عام 1942، و«اللؤلؤة» عام 1947، و«شرق عدن» عام 1952، و«شتاء الأحزان» عام 1961، وتوفى في مدينة نيويورك عام 1968.