فى مسكن متواضع، جلست سيدة بسيطة تفكر مع ابنها، كيف يجهزان أخته للزواج، بعد قتل رب الأسرة على يد «صيادين»، لرفض المجنى عليه استيلاءهما على مواد بناء، يحرسها بمكان عمله بقرية طناش فى الوراق بالجيزة: «قتلوا زوجى وضربوه فوق راسه بماسورة.. وتركوا أولادى أيتام».. قالت الزوجة، فى حزن، فيما طالب ابنه بالقصاص: «روح بنى آدم تروح علشان شوية رمل وزلط».
وكان خلف الله الصعيدى، 58 عامًا، توجه، مساء الثلاثاء الماضى، إلى مكان عمله، كحارس لعقار تحت الإنشاء، بعد اتصال مع نجلته «أم آدم»: «يا بابا نفسى أشوفك، هاجى أزوركم النهارده».
وجد المجنى عليه، «شريف.ع»، أحد المتهمين، يستولى على «زلط» من أمام العقار، فطالبه بالتوقف عن ذلك لأنها «أموال ناس»، حسبما يروى شهود العيان.
شريف، رجل أربعينى، لم يعجبه حديث «الخفير»: «إزاى تتكلم معايا كده!»، ثم صفع الخفير على وجهه، ويتساءل حسين، نجل الأخير، بحزن: «ينفع حد يضرب رجل كبير زى أبويا هكذا على وجهه»، فيما غلت الدماء فى عروق الخفير، بتعبير نجله: «إحنا ناس صعايدة برضه».
المجنى عليه، استل «كوريك»، محاولاً رد كرامته، أمام الناس: «ضرب شريف على راسه، وشوية دم نزلوا»، كان ذلك لحظة مجىء المتهم الثانى «ياسر.ع»، ليحمل «رمال» من أمام العقار، ليمسك الأخير بـ«ماسورة حديدية»، ويهوى بها على رأس الخفير، مرددًا: «بتضرب ابن عمى.. والله لموتك».
ابن الخفير، سائق ميكروباص، 24 عامًا، يدارى الدموع فى عينيه، ويتذكر تفاصيل يوم الجريمة: «فى طريق ذهابى للعمل.. أمى وشقيقاتى قالوا لى: «تعال أبوك سايح فى دمه)»، اندهش الابن، فقبل دقائق: «كنت مع أبويا وحاله طيب»، وانهار بوصوله لمكان عمل والده: «لقيته فاقد النطق.. والناس كلها حواليه».
الابن الذى تعتبره الأسرة الآن «راجل البيت»، حمل جثمان أبيه لمستشفى إمبابة المركزى، وهناك أخبروه: «المستشفى غير جاهز لاستقبال الحالة»، ليتوجه لمستشفى آخر، وهناك طلب أمناء الشرطة تحرير محضر، فقال الابن لهم: «أبويا وقع من تالت دور!».
حسين، يبرر أقواله الأولية: «لم أكن أعرف الحقيقة.. والناس كانوا بيقولوا لىّ: «أبوك كان بيسلك خناقة واتعور»، بمجرد معرفته بتفاصيل الحادث، عدل أقواله، وحرر محضرًا، وقال: «اتهم شريف وياسر، وهما يعملان صيادين، بضرب أبويا»، وعقب ساعات من مكوث الخفير بالمستشفى، لفظ أنفاسه.
بقسم شرطة الوراق، أدلى الابن بأقواله عن الواقعة، لكنه فوجئ بتحرير والده محضرًا للمتهمين قبل يومين من قتله: «اتهمهما بسرقة رمال وزلط من مكان حراسته»، تدمع عين الابن، وهو يؤكد أن «أبويا لم يخبرنى ببلاغه السابق عن المتهمين».
الابن يذكر أن المتهمين كانا يسرقان مواد البناء لتشييد مرسى لـ«يخوت ومراكب»، تابع لرجال أعمال: «المتهمين أخدوا أموال من صاحب المراكب.. ولم يشتروا مستلزمات البناء.. وفكروا يسرقوا الرمل والزلط، حراسة أبويا».
أم آدم، ابنة المجنى عليه، حضرت لشقة أسرتها، تسأل عن أبيها: «فين بابا واحشنى»، جاءتها الإجابة، فى عيون السيدات اللاتى ملأن الشقة، وملابسهن السوداء، صرخت الابنة: «يعنى لما آجى أشوفك تموت»، عرفت تفاصيل الواقعة: «قتلوك علشان شوية رمل وزلط، علشان إنت أمين».
زوجة المجنى عليه، عاملة، بكلمات سبقتها الدموع، قالت: «بشتغل فى البيوت، باغسل مواعين، كان كتفى بكتف زوجى، لتجهيز ابنتى الصغرى للزواج»، تصمت الزوجة المكلومة: «لحد دلوقتى بنسدّد فى ديون زواج ابنتى الكبرى.. قتلوا راجل البيت ويتموا أولادى».
الزوجة تشير إلى أن المجنى عليه لم يكن ينام الليل: «كان بيقول لىّ: شكائر الأسمنت والرمل على طول بتتسرق.. وصاحب الشغل هيدفعنى تمنهم».
ابنة الخفير الصغرى، تحطمت أحلامها أن تكون «عروسة وتفرح زى البنات»، فكانت شبكتها بعد أسبوعين، وتقول: «الفرح اتقلب لحزن، ولا نفس لىّ للفرح.. أبويا راح شهيد لقمة عيشه.. وكان معروفًا بأمانته وإخلاصه».
جيران عم خلف، كما يُطلق عليه، يقولون إنه حضر للقاهرة وهو طفل دون الـ11 عامًا مع شقيقه، لكن الأخير عاد لمسقط رأسهما فى قنا، ومكث خلف ليواصل رحلة الكفاح: «طول عمره بيشتغل أى حاجة.. شيال، حارس.. صنايعى. ومعروف بأمانته ونزاهته». المتهمان أقرّا بتحقيقات نيابة شمال الجيزة بجريمتهما، وقالا:«كنّا بناخد الرمل والزلط لاستكمال بناء مرسى نيلى.. ولم نتحمل كلام الخفير».