عنوان هذا المقال ليس من عندى، ولكنه عنوان لكتاب كتبه الشاعر المتميز الأستاذ أحمد الشهاوى منذ حوالى ثلاثة أعوام، وهو صادر عن الدار المصرية اللبنانية، يتناول الكاتب تحليل أفكار «داعش والإخوان والسلفيين»، ويعد الكتاب دفاعا حارا عن الخيال والحرية والمنطق الإنسانى والروح الصافية، والكاتب برحابة عقله هو ضد الانغلاق والجمود والحبس فى كتب التراث الصفراء، والكتاب يكشف الستار عن تجار الدين والدعاة، الذين جعلوا من أنفسهم (نوابًا لله) يؤممونه لخدمة مصالحهم، ويحتكرونه دفاعًا عن كراسيهم وطموحاتهم فى السلطة والحكم.
وفى حقيقة الأمر، إنه يوجد فى جميع الأديان من يتوهمون ويزعمون أنهم نواب الله على الأرض وحراس المعبد، وهؤلاء الأشخاص هم فى الأغلب الأعم يتميزون بضيق الأفق لا برحابة الصدر، ويؤمنون بأحادية الرأى لا بتعدده، يتوهمون أنهم اقتنصوا كل الحقيقة المطلقة، ومن ثم فهم يوصمون مخالفيهم بالتكفير والهرطقة، ولا يعترفون بما قاله فولتير لجان جاك روسو: «إنى أختلف معك فى كل كلمة تقولها، ولكننى على أتم استعداد لأن أضحى بحياتى كلها حتى تقول ما تريد».
ونظرًا لكثرة من يتوهمون أنهم نواب الله على الأرض، ونظرًا لما أشاعوه من اتهامات للمغايرين تارة بالتكفير والهرطقة، وتارة أخرى بالتخوين والعمالة، اضطر الكاتب الكبير الأستاذ يوسف إدريس أن يقول «إن الحرية المتاحة فى العالم العربى لا تكفى كاتبًا واحدًا لممارسة إبداعه بشكل كامل بعيدًا عن القيود المتعددة التى يفرضها على الكتابة الاستبداد السياسى والتصلب الفكرى والجمود الاجتماعى والتعصب الدينى».
وإننا اليوم عندما نتأمل ما يحدث اليوم على الساحة السياسية والفكرية والثقافية والدينية، نلاحظ قدرًا لا بأس به من التعصب والانغلاق والإرهاب الفكرى والاغتيال المعنوى والنفسى لكل من يخرج عن الأغلبية ويقول رأيًا مخالفًا، والإرهاب الفكرى من شأنه أن يؤثر تأثيرًا سلبيًا على حرية الفكر والإبداع وعلى حرية إبداء الرأى المخالف وطرحه بشجاعة.
وفى يقينى أنه ليس من حق أحد أن يعتبر نفسه وصيًّا على فكر أو أخلاق أى أحد، كما أنه ليس من حق أى جماعة أن تتوهم أنها حارسة المعبد أو حامية الإيمان، ومن ثم تعطى لنفسها الحق فى أن تكفر الآخرين أو تتهمهم بالهرطقة، إن المعتقدات الشامخة هى أقوى من أن تزعزعها تدوينة أو مقطع فيديو، وأثبت من أن يهزها رأى كاتب، وأرسخ من أن يحركها فيلم، هذا فضلًا عن أن الله لم يطلب من أحد أن يدافع عنه أو عن المذاهب بالتفويض أوبالوكالة، فالمعتقدات لن تهتز من إنكار منكر، ولا من قصيدة شاعر، ولا من مقال كاتب، ولا من مقولة قائل، ولا من تدوينة مدون، ولا من بوست نشره أحدهم على الفيسبوك هنا أو هناك، فليت من يظنون أو يتوهمون أنهم نُواب الله على الأرض أو حُراس المعبد أو حُماة الإيمان أن يكفوا عن لعب هذا الدور الذى لن يصنع سوى بطولات كرتونية زائفة. إن الرأى لا يُواجه إلا بالرأى، والحُجة لا تُقارع إلا بالحُجة، والفكر لا يُرد عليه إلا بالفكر، أما أن يُواجه الفكر والرأى بوصم المخالفين بالتكفير أو بالتخوين أو بالهرطقة، فهذا ما لا يمكن قبوله بأى حال من الأحوال، لأن مصطلحات «التكفير» و«الهرطقة» من مخلفات العصور الوسطى البائدة، وقد عفا عليها الزمن منذ زمن.