حمى جديدة اجتاحت المنطقة اسمها الجدران الحدودية. هذه الحمى لم تتوقف عند مصر، بل امتدت لتشمل إسرائيل، والتي دخلت حملة التصعيد الحدودي بهدف التصدي لموجة المهاجرين وطالبي اللجوء القادمين عبر بوابة سيناء، فبدأت خططا لإنشاء جدار إلكتروني عازل بطول حدودها مع مصر التي تمتد لـ266 كيلومترا.
وترى الحكومة الإسرائيلية أن اللاجئين القادمين من السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، يمثلون خطرا خارجيا على دولتهم. فبالرغم من أن التبرير الذي يسوقه رئيس الوزراء بنيامين ناتانياهو لبناء الجدار هو منع العناصر الإرهابية من التسلل، إلا أنه لا يخفي سرا أن هدفه الأساسي هو وقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء من الأفارقة. وهو يزعم أن عدم اتخاذ القرار الاستراتيجي ببناء الجدار سوف يعطي الفرصة لتلك الموجة من المهاجرين أن تُغرق إسرائيل، مما سيثير التساؤلات حول مستقبل أغلبيتها اليهودية.
هناك 20.000 سوداني وإريتري من بين اللاجئين الذين أخذوا في التدفق على إسرائيل عبر سيناء منذ عام 2005، إلا أن العدد من الجنسيات الأخرى، مثل الغانيين والكينيين والإثيوبيين، بدأ في الازدياد.
الحكومة الإسرائيلية رفضت توضيح الكيفية التي سيقام بها الجدار، إلا أن التقارير الواردة من هناك توضح أنها سوف تبنيه بشكل مزدوج، حيث يمتد الجزء الأول من رفح بطول 60 كيلو مترا جنوبا، بينما يمتد الجزء الثاني من إيلات شمالا. بالنسبة للمنطقة المحصورة بين الجزئين فسوف يكون من الصعب اختراقها؛ حيث تتميز بوعورتها. ومن المخطط أن تعتمد العملية الأمنية هناك على أجهزة الاستشعار الإلكتروني.
كان الجيش الإسرائيلي قد بدأ التخطيط لبناء الجدار الحدودي في عام 2005، حين ازدادت المخاوف من استغلال العناصر المسلحة للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بأن تستخدم مصر كنقطة انطلاق لها، ولكن الدعم الذي يبديه رئيس الوزراء للفكرة في الوقت الحالي هو جزء من إستراتيجية أكبر تهدف لكبح تدفق المهاجرين، وهو المخطط الذي يري نشطاء حماية اللاجئين أن خطواته قد تباطئت في الآونة الاخيرة نظرا لسياسة إسرائيل الحالية بإعادة المهاجرين إلى مصر بشكل سريع، وقيام قوات الأمن المصرية بإطلاق النار على المتسللين عبر الحدود.
السياسة الإسرائيلية الحالية ضد المتسللين ستشهد جهودا لتمرير قانون جديد وصارم ضد من يعين اللاجئين على عبور الحدود، بالإضافة إلى مزيد من التعاون مع الأمن المصري عن طريق إطلاق الشعلات المضيئة لمساعدتها على تحديد أماكن المتسللين.
وفقا لمكتب نيتانياهو، فمن المنتظر أن يستمر بناء الجدار لمدة عامين، بتكلفة تصل إلى أربعمائة مليون دولار.
ورغم وعود نيتانياهو بأن تستمر بلاده في استقبال اللاجئين ضحايا الحرب بعد استكمال المشروع، إلا أن جماعات حقوق الإنسان يتملكها الشك إزاء ذلك.
يقول «شلومو بروم» مدير التخطيط الإستراتيجي سابقا بهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إن الجدار، جنبا إلى جنب مع معدات الاستشعار، والدعم الذي ستقدمه قوات الجيش، سوف يضمنون نجاح مهمة وقف المتسللين. ويضيف أن الجدار سوف يساهم بزيادة المدة التي تستغرقها عملية التسلل، مما يعطي المزيد من الوقت للقوات كي تقوم بالتصرف المناسب.
ولكن دعاة حماية اللاجئين يعتبرون أن المخطط لا يضمن الحماية اللازمة للمهاجرين؛ حيث يري "سيجال روزن"، الناطق الرسمي باسم إدارة الخط الساخن للعمال المهاجرين بتل ابيب، أن الجدار يجعلهم عرضة لاطلاق النار من جانب الشرطة المصرية إذا ما منعتهم إسرائيل من المرور، وإنهم لن يكون لديهم خيار اخر سوى متابعة محاولة التسلل.
يذكر أن منظمة العفو الدولية أشارت إلي مقتل 39 متسللا خلال عام 2008 ومعظم 2009 بنيران الأمن المصري.
ويشير "بروم" إلى أن نجاح الجدار قد يلعب دورا غير مباشر في تقليل الاحتكاك بين مصر وإسرائيل بسبب مشكلة المتسللين، مما يساهم في تحسين العلاقات الثنائية.
وفيما تزعم الحكومة في إسرائيل بأن اللاجئين يأتون إلى أراضيها لأسباب اقتصادية في المقام الأول، يؤكد المهاجرون أنهم يلجأون إلى إسرائيل هربا من الاضطهاد في بلادهم وسوء المعاملة في مصر. وهناك من اللاجئين من يسرد الروايات عن أقاربه ومعارفه الذين قتلوا مع 29 سودانيا آخرين بعد تظاهرهم أمام مكاتب الأمم المتحدة للاجئين في منطقة المهندسين بالقاهرة في 2005، وفي نفس الوقت بدأ هؤلاء في تغيير وجهتهم إلى إسرائيل.
وتتماشى فكرة مواجهة إسرائيل للمد المرتفع من المهاجرين مع مظهر الدولة المهددة الذي دائما ما تحاول تل أبيب أن تروج له، وهو ما ظهر خلال تصريح لناتانياهو، حين وصف بلاده بانها "الأكثر عرضة للتهديد في العالم".
في حديث لراديو إسرائيل يوم الأثنين الماضي، قال «تساحي هانجبي»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكنيست الاسرائيلي، إن الحكومة دائما ما تحاول اللعب على وتر المخاوف الشعبية. وأضاف أنه لا بديل عن بناء الجدار، نظرا للتهديد الذي تمثله موجات المهاجرين ضد هوية إسرائيل ووجودها.
المعروف أن إسرائيل تصف نفسها بأنها دولة يهودية ديمقراطية، ويعتقد قادتها أن ذلك لن يستمر سوى بالحفاظ على أغلبيتها اليهودية.
«هانجبي» أشار إلى عدم وجود حاجة إلى التنسيق مع مصر أو استئذانها طالما أن الجدار سيبنى على أرض إسرائيل، وهو ما أيدته تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط، حيث اقتبست الاسوشيتد برس قوله إن ذلك المشروع هو شأن إسرائيلي.
يرى معارضو الحكومة أنها هي التي ابتدعت فكرة التهديد، فهي نفسها التي تقوم بمنح تأشيرات الدخول لـ120.000 مهاجر من غير اليهود سنويا، والذين يصلون إلى حدود البلاد بشكل شرعي، كما يشيرون إلى أن مئات الآلاف من المهاجرين الذين توافدوا على إسرائيل خلال التسعينات قادمين من الاتحاد السوفيتي ليسوا يهودا.
يقول "دوف خينين"، عضو الكنيست، إن حجة تهديد طبيعة الدولة اليهودية هي حجة فارغة، مؤكدا أن ذلك المنطق العنصري الوطني بعيد كل البعد عن الواقع، ولا يهدف سوى إلى تخويف الإسرائيليين من الهجوم الإفريقي.
أما "زاهافا جالون" مشًّرع سابق وعضو بحزب "ميريتس"، فيرى أن الحكومة لا ترغب في وجود المهاجرين. "تصوير الناس وكأنهم يمثلون تهديدا هو بمثابة إشكالية. وبدلا من أن نتحدث عن بناء الجدران، ينبغي علينا أن نتحدث عن إلتزاماتنا الدولية بصفتنا أمة طرقت الأبواب من قبل طلبا للجوء".
كانت إسرائيل قد منحت حق اللجوء لستمائة من المهاجرين القادمين من دارفور، إلا أنها رفضت أن تفعل المثل مع عدد آخر منهم، وهؤلاء يواجهون معضلة حقيقة، حيث لا يستطيعون العمل بشكل قانوني، ولا يجدون أمامهم سوى العمل في الفنادق والنظافة.
ويأتي قرار بناء الجدار مع استعدادات الحكومة لتمرير تشريع في الكنيست يسرع من عملية إعادة اللاجئين المتسللين من مصر إلى بلادهم دون تفحص طلبات لجوئهم، والتي تدافع عنها جماعات حقوق الإنسان أمام القضاء. قامت تل أبيب بترحيل المئات من هؤلاء ضمن عمليات "الإعادة المنسقة"، بينما أعادت توطين عدد أخر منهم في السودان قسرا. ومن المنتظر أن يتضمن التشريع الجديد عقوبة بالسجن لسبع سنوات لمن يحاول التسلل إلى إسرائيل قدوما من "دول معادية" كالسودان، وخمس سنوات لمن ياتي من دول غير معادية كإريتريا. فيما سيعاقب الإسرائيلون الذين يسهلون عملية التسلل بنفس الفترة من السجن في ظل التشريع المنتظر.
كما يإتي مشروع الجدار في أعقاب الإعلان عن تعزيز التعاون بين الجانبين المصري والإسرائيلي فيما يتعلق بمشاكل الحدود. ووفقا للرد الذي قدمته الحكومة مؤخرا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، تقوم القوات الإسرائيلية بإطلاق الطلقات المضيئة فوق جزء معين من الحدود، حيث يعبر المتسللون، حتى يتسنى للأمن المصري رؤيتهم. كما تستخدم نفس الطريقة لإعلام الجانب المصري ببدء إعادة اللاجئين.
التقرير مترجم من الطبعة الانجليزية للمصري اليوم.
www.almasryalyoum.com/english.