أصبح اسم الدكتور سلام فياض يشكل حساسية كبيرة، لدى كل من حركتى فتح وحماس اللتين لا تخفيان رغبتهما فى استعادة السلطة من فياض، خاصة أن تجربة إدارته الحكومة فى السنوات الأربع الماضية، أظهرت أن لديه مشروعا مختلفا عن كلا الحركتين.
مشروع فياض يقوم على استبعاد العنف من النضال الفلسطينى، واستبعاد المفاوضات أيضا واعتماد نهج بديل، يقوم على خلق الحقائق على الأرض، فياض أعطى اهتماماً خاصاً بتعزيز مقومات الوجود الفلسطينى فى المناطق المهددة بالمصادرة والاستيطان.
ومن هنا فإن فياض يفتخر بأن نجاح حكومته فى توفير الأمن الداخلى وبيئة مناسبة للاستثمار، أدى إلى توقف نزيف الهجرة الخارجية، وبدء حركة عودة من الخارج إلى الداخل لهذا الغرض، ولو كان هذا النجاح الوحيد لحكومته فهو كافٍ بالنسبة له.
اللافت أن إجراءات فياض فى الحكم، لاقت قبولا جماهيريا واسعا عبرت عنه استطلاعات الرأى، التى أظهرت أن غالبية الشعب تفضل أن يظل رئيساً لحكومة الوفاق الوطنى، إلا أن الفصائل كانت لها وجهة نظر أخرى، فحركة فتح ترى فى شعبية فياض المتنامية، تهديدا لمكانتها، كما ترى فى سيطرته على إدارة المال العام استبعادا لأجندتها. أما حركة حماس فترى فى بقائه على رأس الحكومة تهديدا لشرعية روايتها عن الانقسام، إذ إن إبعاد إسماعيل هنية عن رئاسة الحكومة، وإبقاء فياض يشكل اعترافا بشرعية الرواية البديلة، فضلا عن الموقف المعادى الذى تكنه حماس لشخص فياض، الذى تعتبره مسؤولا مسؤولية مباشرة عن اعتقال العشرات من قيادة حماس فى الضفة الغربية.
إن مصلحة حماس تلتقى مع مصلحة فتح فى استبعاد فياض أو على أقل تقدير، تقليص صلاحياته فى حال ظل رئيساً للحكومة، خصوصا فى إدارة المال العام.
لكن الرئيس محمود عباس من ناحيته يرى فى فياض وجها دولياً مقبولاً، ويثق به المجتمع الدولى ثقة كبيرة، ومن هنا فهو يريد رئيس حكومة مقبولاً دوليا لتشكيل حكومة تجد الدعم والمساندة الدولية، لا حكومة تجابه بالحصار مثل سابقتها، ويأتى فياض كخيار أوحد للرئيس عباس، خاصة أنه مقبل على مرحلة استحقاق سبتمبرلانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل، وهو الأمر الذى لا يحتاج إلى المزيد من التعقيدات الداخلية والحسابات الفصائلية، فأى حكومة فلسطينية مقبلة لا يكون فياض رئيسها، حتى لو كان البديل شخصية بروتوكولية فى هذا الموقع، لن يتم تمريرها دوليا، لأنها ستكون حكومة بلا تحالفات دولية تمكنها من الصمود، وهنا سيكون الثمن باهظاً.
فياض الذى أصبح محور الجدل الدائر بين الحركتين والرئيس عباس،ـ وبسبب ذلك لم يتم التوافق على تشكيل الحكومة ـ ينأى بنفسه عن هذه الصراعات، كما يقول، وهو بصدد الإعلان عن الانسحاب من سباق رئاسة الحكومة، لأنه لا يقبل أن يكون عقبة فى تشكيل حكومة توافق وطنى -على حد قوله - خاصة أن فياض يعتبر نفسه مساهماً رئيسياً فى المصالحة، وفى مشروع إقامة حقائق الدولة الفلسطينية على الأرض، ويعتبر تأجيل الاتفاق بسبب الخلاف عليه، أمرا غير مقبول، ويتنافى مع مبادرته للمصالحة التى مثلت أساساً للاتفاق اللاحق بين الجانبين.