على بُعد مئات الكيلومترات من القاهرة، بالتحديد في نويبع سيناء، تقع مزرعة حبيبة العضوية، لصاحبها ومؤسسها ماجد السعيد، رجُل ستينى، يؤمن بقوة العلم أكثر مما يؤمن بأى شيء في حياته. من مبدأ «حب ماتعمل»، جاء اسم «مزرعة حبيبة» أو «نُزُل حبيبة»، كما تُريد، فالنتيجة واحدة، أننا نُشير إلى جنة ماجد السعيد في قلب صحراء سيناء، التي يود عن طريقها أن يقدم نموذجًا لمجتمع مثالى صالح للتكرار في أي مُحافظة من مُحافظات مصر، يأكل زواره مما يزرعون، ويحقق مبدأ الاستدامة.
بدأت الحكاية عام 2007، كان نٌزل حبيبة في نويبع وقتها نزلاً سياحيًا فحسب، يتأثر بالصعود والهبوط في بورصة السياحة تحت تأثير الظروف السياسية. يذكر ماجد ظروفا متتالية ألقت بظلال قاتمة على السياحة في نويبع، من بينها الانتفاضة الأولى والثانية وتفجيرات طابا وشرم الشيخ وغيرها، وقتها، أراد ماجد أن يُضيف بُعدًا جديدًا لواحته السياحية، فتُصبح مُنتجة لمحاصيل عضوية، فتكتسب ميزة سياحية جديدة، ويؤهلها لأن تكون مقصدا لهواة سياحة التطوع، أو السياحة الزراعية، والتى يقول عنها «السياحة التطوعية إن ناس تيجى نويبع تتفسح عادى، ويقضى ساعتين شغل في المزرعة مقابل الأكل والإقامة، أما السياحة الزراعية، فالضيف بييجى ينزل في غرفة فندقية، يتعلم الزراعة، وياكل من المحاصيل العضوية اللى بيزرعها، ويأكل غيره».
على مدار 12 عامًا هي عُمر مزرعة حبيبة، أخذت ملامحها في التشكل يومًا بعد يوم، بالتوازى مع اتضاح دورها في المُجتمع وظهور بصمتها على البيئة المُحيطة. يحكى ماجد هذا التطور قائلاً «حصلنا على شهادة الاعتماد بإننا مزرعة عضوية، وبدأنا نستقبل متطوعين، وانتبهنا لأبناء البدو اللى حوالين الكامب واحتياجهم للتوعية، فعملنا فصل في غرفة في المزرعة نعلّمهم فيه أكتر عن البيئة المحيطة، إزاى مثلا الكيس البلاستيك ممكن يخنق السلحفاة، بالتعاون مع دكاترة وأساتذة جامعة»، بمرور الوقت أصبح الفصل فصلين، ليس هذا فحسب، فنموذج حبيبة أثبت قابليته للتكرار كما تمنى ماجد «فى 2015، المزارع بدأت تزيد بشكل واضح، بقى عندنا 75 مزرعة عضوية من البدو، و12 كامب بنفس نظام حبيبة».
من الأحداث المُهمة في مسيرة حبيبة التي يفخر بها مؤسسها ذو الاثنين وستين عامًا، إبرام المزرعة بروتوكول تعاون مع مركز بحوث الصحراء، لتُصبح حبيبة نقطة يستطيع الفريق البحثى للمركز إجراء البحوث على تربتها ومناخها ومياهها الجوفية، الأمر الذي أتاح فائدة كُبرى للمزرعة، فبحسب ماجد، أفادت حبيبة جيدًا من عمل باحثى «بحوث الصحراء»، الذين قدموا علمًا في خدمة المجتمع على حد تعبيره، بفضل هذه الوحدة البحثية، تنتج مزرعة حبيبة عددا من المحاصيل النادرة التي يفضلها رواد المزرعة من الأجانب «بنزرع الكينوا والمورينجا والكرابى وغيرها، محاصيل بيحبها الأجانب ومش بيلاقوها في الفنادق، عندنا من الأرض للترابيزة، مش غالية ونضيفة».
لا تتطلب مُكافحة الآفات في حبيبة غمس المحاصيل بالمبيدات كالمعتاد، فإلى جانب المبيدات المُجازة من وزارة الزراعة، يُفيد ماجد من البقايا المنزلية في وصفات مُكافِحة للآفات والأعشاب الضارة «بدل رش الكيماوى، شوية قشر برتقان مع قشر بصل من المطبخ في جركن مياه، يتخمروا ويغنوا عن الدوا».