أكد الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن الوجود الإسلامى فى أوروبا أمر مفيد للمسلمين وللمجتمعات والدول الغربية على حدٍ سواء، ويمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضارى والتواصل الثقافى، وأشاد، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، بجهود دار الإفتاء فى مجالات مكافحة التطرّف والإرهاب، وقال إن مرصد الفتاوى التكفيرية، يعمل 24 ساعة بهدف دعم المؤسسات الدينية والاجتماعية، فى مواجهة ظاهرة التكفير وآثارها. وإلى نص الحوار..
■ تجديد الخطاب الدينى.. قضية يجب أن توجه للخارج.. ما هى أهم الفئات المستهدفة.. وما هى الإشكاليات؟
تجديد الخطاب الدينى للخارج لا يقل أهمية عن الداخل المصرى، لهذا فلدينا مجموعة من الأسس تحدد طبيعة الفئة المستهدفة وأنماطها، حتى يكون التجديد على علم وبينة ويؤتى ثماره، أولها لا بد من تأكيد أن الوجود الإسلامى اليوم فى الغرب ليس وجودًا طارئًا أو استثنائيًّا، ولم يعد مجرد جماعات مهاجرة للعمل لا تلبث أن تعود إلى بلدانها، بل أصبح جزءًا من النسيج الاجتماعى لسكان تلك البلاد، خاصة أن أغلبية المسلمين هناك من جيل الشباب الذى يقع على عاتقه مستقبلا مهمات ومسؤوليات كثيرة داخل هذا المجتمع.
وثانيها أنه من الأهمية بمكان تأكيد أن الوجود الإسلامى فى أوروبا هو أمر مفيد للمسلمين، وللمجتمعات والدول الغربية على حدٍ سواء، ويمكن أن يمثل المسلمون هناك حلقة وصل للحوار الحضارى والتواصل الثقافى والفهم والاستيعاب المشترك، دون ذوبان، أو فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد من الجانبين.
وعلى صعيد الإشكاليات فمنها ما يتعلق بالمؤسسات والشخصيات الداعية إليه، ومنها إشكاليات تتعلق بالسياق الذى ترتبط به الدعوات، ومنها إشكاليات تتعلق بالمفاهيم المستخدمة فى ذلك الخطاب ومدى ملاءمتها للمجتمع الغربى، ومن المشكلات الكبرى التى تواجه تجديد الخطاب الدينى، تصدر غير المتخصصين وغير المؤهلين للتحدث باسم الإسلام والمسلمين، فأصبحنا نواجه خطرين محدقين بالخطاب الدينى، خطر يتعلق بالتفريط فى ثوابت الأمة وتراثها، ويدفع نحو إهمال وترك التراث كلية، وخطر يشوه الدين ويلوى عنق النصوص ليبرر جرائم العنف والقتل والذبح التى يرتكبها بعض الغلاة والمتطرفين.
■ إلى أين وصلت جهود دار الإفتاء فى مجال مكافحة التطرف فى الداخل والخارج؟
- دار الإفتاء لديها تجربة مشرفة فى مجالات مكافحة التطرّف والتواصل وبناء الجسور بين الحضارات والثقافات، وتتبع الدار استراتيجة شاملة لتفكيك الفكر المتطرف، لكل الفئات والأعمار فى الداخل والخارج.
وقد اعتمدنا مراكز الدار البحثية، ووحدة الدراسات الاستراتيجية، بالإضافة إلى مجموعة مشروعات تصب جميعها فى صالح تفكيك الفكر المتطرف ورصد الجماعات المتطرفة ومعاقلها وأفكارها، وأطلقت الدار، نهاية 2018، «المؤشر العالمى للفتوى»، والمنصة الإلكترونية التابعة للأمانة، والتى تضم 2000 ساعة صوتية ومرئية، بهدف المشاركة الفاعلة فى تجديد الخطاب الدينى، ودشنت الدار وحدة «الرسوم المتحركة»، لعرض الأفكار المغلوطة التى ترددها جماعات الظلام والرد عليها ودحضها بطريقة ميسرة عبر تقنيات الرسوم المتحركة، للمساهمة فى إيجاد حل علمى واجتماعى ودينى، لظواهر التشدد والتكفير فى المجتمع المصرى والإسلامى.
■ وما هى جهود الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم وخدماتها المقدمة للأمة الإسلامية؟
- احتفلنا مؤخرا بتخريج الدفعة الأولى من البرنامج التدريبى لأئمة دول قارة إفريقيا، وعددهم 17 إماما، من أجل تأهيلهم ليعودوا إلى بلادهم حاملين شعلة العلم وناشرين صحيح الدين، حيث تمت مراعاة تمثيلهم لجميع بلدان القارة السمراء، مثل: أوغندا وتنزانيا، وغانا، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، وتوجو، والنيجر، وكوت ديفوار، وغينيا، وبوركينا فاسو، والسنغال، وجنوب إفريقيا، وكينيا، والكاميرون، وبنين، وإثيوبيا، ولم يكن التدريب الأول ولن يكون الأخير، وذلك إيمانًا من دار الإفتاء والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بدورها القومى والإقليمى، حيث عملت على تقديم كافة أشكال الدعم العلمى والشرعى لدول القارة الإفريقية.
■ وماذا عن دور مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء؟
- لدينا ما يناهز الـ30 باحثا من خلفيات متنوعة يشاركون فى عملية رصد وتحليل ودراسة الفتاوى والآراء والتكفيرية والشاذة، من خلال هذا المرصد، ويعملون جميعهم على تقديم الدعم العملى والفنى والشرعى اللازم، لتمكين المؤسسة الإفتائية من تحديد ظاهرة التكفير، وبيان أسبابها وسياقاتها المختلفة، والأطراف الفعالة فيها، وصولا إلى تقديم أطر وأسباب علاج تلك الظاهرة، ومرصد التكفير يعمل 24 ساعة بهدف دعم المؤسسات الدينية والاجتماعية، فى مواجهة الظاهرة وآثارها، وعرض أنماط التشدد والمتشددين ووسائل التعامل مع الفكر والفرد المنتمى والمتبنى لهذا الفكر، وتقديم برامج وخطوات لمواجهة الظاهرة، عبر استخدام عدد من الأدوات والآليات لتحقيق الرسالة على المستوى الإعلامى، ونشرها على المستوى المجتمعى.
■ كل عام، يتم إيفادكم للولايات المتحدة الأمريكية، لإحياء شهر رمضان بالمراكز الإسلامية، حدثنا عن أهداف هذه الزيارة السنوية؟
- أتشرف بهذا التكليف السنوى من فضيلة المفتى، وتشمل زياراتى ولايتى نيويورك وواشنطن، وأحرص خلالها على تقديم الدعم العلمى والشرعى للمسلمين المقيمين فى بلاد المهجر، والتأكيد على الصورة الحقيقية السمحة والمعتدلة للإسلام، وتأتى الزيارة تلبية لدعوة المراكز الإسلامية بالولايتين اللتين تمثلان أعلى نسبة تمركز وتواجد للمسلمين فى أمريكا، كما تهدف لعقد ندوات ومحاضرات دينية والإجابة عن الاستفسارات الدينية للجاليات الإسلامية هناك، وعقد عدة لقاءات إعلامية لتوضيح الموقف من كافة الأمور والمستحدثات الفقهية والدينية الخاصة والعامة، إضافة إلى التطورات الجارية فى مصر.
■ نرى جولات كثيرة لكم خارج البلاد للتعريف بالإسلام فى ديار غير المسلمين.. هل تحقق هذه الزيارات أهدافها؟
- إقامة حوار مع العالم فى هذا التوقيت الملتهب، بات ضرورة للتأكيد على رسالة الإسلام النبيلة التى تتمثَّل فى الرحمة والسلام والتمييز بينها وبين المغالطات والممارسات التى ظهرت من المتطرفين والإرهابيين الذين يشوهون تعاليم الإسلام السمحة أمام العالمين.
ونجحت تلك الزيارات فى نشر الوسطية والدفاع عن الإسلام ومحاربة الفوضى فى الخطاب الدينى فى الداخل والخارج على قدم المساواة، وكذا نشر ثقافة الإسلام السمحة والتحاور مع الأديان والتقارب وتدعيم الجهد المشترك بين شعوب الأرض، كما نتخذها فرصة للتواصل مع وسائل الإعلام العالمية التى تقع عليها مسؤولية أخلاقية بإتاحة الفرصة الكاملة للعلماء، والمفكرين المتخصصين للتحدث بلسان الدين الإسلامى، وهو مشروع قومى لمصر فى الفترة المقبلة.
■ وكيف نواجه حملات تشويه الإعلام الغربى للإسلام؟
- الإعلام الغربى يميل إلى تصدير صورة الإسلام البدائى المعادى لكل القيم الغربية، والمُتَبنى كل أساليب العنف والقتل والذبح، الأمر الذى أثر بشكل كبير فى مواقفهم المعادية لمصالح المسلمين وشؤونهم الخاصة فى المجتمعات الغربية، ولهذا لابد من تكاتف جهود المسلمين عامة، والعلماء والدعاة، خاصة لاستعادة الصورة الحقيقية للدين الإسلامى من قوى الظلام والإرهاب والتطرف، فالخطر الحقيقى يتمثل فى إصرار تلك الآلات الإعلامية نشر أفكار مغلوطة ومنحرفة عن تعاليم الإسلام ومبادئه.
وأصبحت الضرورة ملحة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجهة للغرب تخاطب الغرب بلغته وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثم فلا بد من إنتاج برامج تخاطب الغرب باللغات الأجنبية بغية تصحيح صورتنا لديهم، مع طرح رؤية مستقبلية فى مواجهة ذلك، والتعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية عنهم فى الغرب، لذا أكرر مطالبتى لكافة الدول الإسلامية بالتواصل مع وسائل الإعلام الغربية لتوضيح وتصحيح الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام فى الخارج.
■ لشهر رمضان خصوصية كبيرة لدار الإفتاء المصرية.. ما هى أبرز الجهود والتدابير التى تقوم بها الدار خلال الشهر الكريم؟
- تعمل دار الإفتاء طوال الشهر الكريم وفق استراتيجية محددة، فعلى الصعيد الشرعى تطلق الدار حُزمة من الخدمات التى تسهل عملية التواصل بين المفتى والمستفتى، وعلى رأسها خدمة البث المباشر بشكل يومى على الصفحة الرسمية لدار الإفتاء، وعلى «فيس بوك» تقدم وجبة إيمانية مكثفة تعين المسلم على الطاعة وتقدم له نماذج مختلفة ومتنوعة من الطاعات والعبادات، عبر عدد من الهاشتاجات مثل: «شهر الخير، رقق قلبك، مفتى وفتوى فى رمضان.
وعلى المستوى الخدمى خصصت الدار خطًّا ساخنًا لفتاوى الصيام، يعمل يوميًّا للرد على أسئلة المستفتين فى كل مكان بعشر لغات، كما تقدم الصفحة الرسمية للدار على الفيس بوك، وجبة روحية متكاملة من فتاوى الصيام وأحكامه وآدابه وأخلاقياته، وفضائل الشهر الكريم، وأركانه ومبطلاته، بالإضافة إلى أحكام صدقة الفطر وأحكام العيد وغيرها من الأحكام.