(عزيزتى المحررة:
أنا امرأة عشت طيلة 30 عامًا، أوفر، وأدخر نقودى ومصوغاتى حتى تنفعنى في الكبر، أو عند الحاجة إليها، لكننى فوجئت بأننى كنت أحوشها لنساء أخريات غيرى، أخذنها دون بذل أي مجهود.
تلك هي حكايتى باختصار. إنه الغدر وخيانة عشرة العمر. جرحنى زوجى جرحًا، لم أستطع نسيانه، أو حتى مسامحته عليه، حتى بعد وفاته. فقد أورثنى غصة في القلب، ومرارة في الحلق. فقد أخطأ، وما زلت أنا أدفع الثمن من صحتى ونفسيتى.
عذرا يا بنتى إن أطلت، أو أحزنتك؛ فالقلب يقطر دمًا لا دموعًا. عمرى 70 عامًا. ولدت لأب بورسعيدى، وأم دمياطية. وأثناء إحدى زياراتى لعمتى في بورسعيد، رآنى ابن عمتى لأول مرة. وكنت لا أعرفه من قبل، لأنه كان مقيما ببورسعيد ولا يزورنا. توفى والدى، وكنت وقتها في الصف الثانى الثانوى. وتقدم لخطبتى بشكل رسمى من إخوتى، وقال لى والدتى «اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش» فوافقت. تزوجنا، وسافرت معه إلى الجزائر في نفس الأسبوع، ورزقنى الله هناك بطفلتى الأولى، حيث كان معارا هناك لمدة أربع سنوات. لكننى رفضت أن أظل بالجزائر بعد انتهاء السنتين. وبالفعل عدنا إلى مصر. وسارت الحياة طبيعية كأى زوجين. ورزقنى الله بطفلى الثانى، وكانت الحياة هادئة، هو يعمل، وأنا أربى الطفلين. سارت الحياة هكذا، حتى كبر ابنى وبلغ 21 عاما، وأراد أن يخطب. وبالفعل تعرف على فتاة أثناء سيره في الشارع، وأعجب بها وطلب أن نذهب لخطبتها. فأخبرت والده بما حدث، فرفض وقال لن أذهب. فأنا لا أعترف إلا بزواج العائلات، لكن «اللى بييجى في الشارع بيروح برضه في الشارع».
وليتنى طاوعته، لكننى لم أكن أعلم ما تخفيه الأيام. فذهبت أنا وأخته بمفردنا، باعتبارها زيارة تعارف. ووجدت أن والدتها مطلقة، وكذلك شقيقتها الكبرى، ولديها أخ وحيد. نقلت كل شىء لزوجي، فازداد رفضا. وبلغت ابنى بأنها غير مناسبة له، وكان مسافرا إلى السعودية بعدها مباشرة، حيث أتته فرصة عمل. فقال عندما أعود في أول زيارة يفعل الله ما يريد. وقفلنا الموضوع على ذلك، حتى فوجئت بتلك الفتاة تتصل بى، لتخبرنى بأنها ستأتى لزيارتنا هي ووالدتها، لتتعرف علينا كما تعرفنا عليهم. وأخبرت زوجى بما حدث، فرفض مقابلتهما. لكن والدتها فاجأتنى بسؤالها عليه، ولماذا لم يأتِ ليجلس معنا ويتعرف عليهم. فذهبت إليه، وأخبرته فرفض الحضور.
وطلبت والدتها طلبا آخر غريبا، وهو أن تصلى العشاء، وحتى ذلك لا غرابة فيه، لكنها استقبلت جهة غير القبلة التي حددتها لها. وكانت تنظر إلى وتتمتم بكلمات غير مفهومة وهى تنظر إلىّ. حتى ابنتى لاحظت ذلك، وقالت لها «يا طنط إنتى بتكلمى ماما ولا بتصلى». انصرفوا بعد ذلك. وصباح اليوم التالى مباشرة، وجدت زوجى يسألنى، هي الست دى عاوزة منى إيه؟ فقلت له، أي ست؟ فقال والدة البنت اللى ابنك عاوز يخطبها. فسألته ماذا فعلت؟ فقال اتصلت بى الأمس حتى ساعة متأخرة من الليل. وتكرر الأمر لليوم الثانى على التوالى.
حتى كان اليوم الثالث، وجدت تصرفاته غريبة عن عادته. فكان يذهب إلى عمله في السادسة والنصف صباحا، ولا بد أن يتناول إفطاره معنا قبل أن ينزل، ويعود في موعد الغداء. وعلمت أنه ذاهب إليها، وسيفطر معها. إلى أن اضطر للمبيت. وعندما شاورت ابنتى في الأمر، قالت أخشى أن تكون شقيقة خطيبة أخى المطلقة قد شغلته. فقررنا الذهاب سويا إلى منزلهم لأجد سيارته تحت المنزل. فرفعت رأسى، وصعقت عندما رأيته ووالدة الفتاة سويا في البلكونة، وعلمت بزواجه منها. ملأت الدنيا صراخا، ونزل ليمنعنى، لدرجة أنه كان سيضربنى في الشارع، لولا أن منعه الناس. عدت إلى شقتى لا أرى ولا أسمع، وكأننى فقدت كل حواسى، ودخلت في غيبوبة، تم نقلى إلى المستشفى، ليتبين إصابتى بالسكر، ليس هذا فحسب، بل إنه مرتفع جدا. وأنا لم أكن يوما مريضة سكر، بل كنت رياضية. وما كنت فيه غيبوبة سكر. وأعطانى الطبيب وقتها دواء ضغط من باب الاحتياط، كما قال لى. حيث قال إنه بقدوم السكر لا بد من قدوم الضغط أيضا فهما متلازمان. لكن للأسف دواء الضغط أصابنى ببؤرة صديد على الكلى، وتورم بالقدم. كل ذلك ولم يكن ابنى يعلم شيئا، حتى حادثنى تليفونيا يطمئن لماذا لا يرد عليه والده، فأخبرته بما حدث. فحجز ونزل مباشرة، وذهب إلى منزل الفتاة التي اعتبرت نفسها خطيبته، بمجرد زيارتنا لها. وأحلها من ارتباطها به، وقال لها أمى عندى بالدنيا، ولن أغضبها. ثم جاءنى زوجى، وحاول التحدث معى، وحاول استرضائى، وقال لى سامحينى، أنا لا أعرف كيف فعلت ذلك، وكأننى مسحور. فأنت ابنة خالى وزوجتى وأم أولادى. وردنى أمام الله ورسوله. وسارت الحياة هكذا تارة عندى، وتارة أخرى عندها، حتى توفاه الله بتاريخ 2 /2 /2016. وهنا كانت الطامة الكبرى. حيث فوجئت بأننى محرومة من كل شىء يخص زوجى. بدءا من مصاريف الجنازة، و«المعاش» حتى الميراث، بحجة أننى مطلقة منه، ولم يثبت رجوعى إلى عصمته بما يعرف بورقة الرجعة. وبناءً عليه، أخذت ضرتى التي لم تتجاوز عشرتها له شيئا، كل شىء. فحتى الميراث لم آخذه. ولا «المعاش» هي من ظلت تصرفه بما يقرب من 3500 جنيه شهريا. وورثت منه 170 ألف جنيه، وبالأحرى ورثتنى أنا أيضا. حتى علمت بوفاتها قريبا، وأنا أتابع مشكلة «معاش» زوجى الذي لم أتمكن من صرفه حتى الآن. حتى ابنى كانت تدعو عليه بالموت حتى لا يرث في أبيه. وبالفعل لحق ابنى الوحيد الذي كان يحنو علىّ، ويصرف علىّ، بأبيه بعد ثلاثة أشهر فقط من وفاته، حزنًا وكمدًا على كل ما وصلنا إليه. وورثته زوجته هو أيضا، فهو لم ينجب منها. وكأن مكتوبًا علىّ أن ترثنى نساء أخريات.
أما أنا، فجاءنى نزيف بالمخ، وعملت جراحة تكفل بها زوج ابنتى.. والآن أنا بلا «معاش» ومريضة، وأقيم لدى ابنتى ويصرف على زوجها. فهل أنت مدركة، يا عزيزتى المحررة، ما أعانيه من قهر مادى وأهم منه نفسى، بعدما وصلت إليه بعد خدمة 30 عاما بصدق وإخلاص لزوج أنكر كل ذلك، ليورثنى الهم والمرض والذل، والحسرة على موت ابنى؟ وأمام الحكومة أنا مطلقة، ولا أستحق معاش زوجى.
«س. أ» القاهرة).
المحررة:
الأم الفاضلة.. أمدك الله بالصحة والعافية. كم أحزنتنى رسالتك، وشعرت بمدى معاناتك، في كل كلمة ذكرتيها، أو حتى لم تذكريها، من خلال حشرجة صوتك من كثرة الحزن الذي يكسوه. لكن رحمة الله وسعت كل شىء، وقضاؤه كله خير، حتى وإن لم يوافق هوانا الدنيوى. فاستعينى بالصبر والصلاة على ما أصابك من هم وحزن وبإذن الله سيبشرك بما يسرك، وهذا وعد الله لعباده الصابرين. «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». أما عن حساسيتك الزائدة، تجاه رعاية ابنتك وزوجها لك، فلا داع لها. فابنتك تعمل، أي ما يتم دفعه لك لها نصيب كبير فيه. وهذا حقك عليها، خاصة أنها وحيدتك. وبرها بك واجب عليها، وسيجازيها عليه الله خير الجزاء، امتثالا لقوله تعالى «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا». وقضى أي أمر وألزم وأوجب. وقال ابن عباس والحسن وقتادة: وليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر. أما من ناحية المعاش. فيا سيدتى الفاضلة، إن لم يكن من حقك معاش زوجك، فلك كل الحق في معاش أبيك. والجريدة من جانبها على تواصل بمسؤولى التضامن الاجتماعى لإيجاد حل، وسيتم إبلاغك بما سيتم التوصل إليه على الفور.