«بعد أن ظهرت له خريستيانا في حلم ليلة صيف، رسم شهاب الشمندر شذرات عمره على الورق وضمَّها بخيط الألم. ولما أتم لوحته النهائية، أسلم روحه إلى بارئها».. استهل الكاتب والروائى خالد الخميسى روايته الأحدث «الشمندر»، الصادرة عن دار الشروق، بكلمات يسرد فيها سيرة بطلها، مستهلا كتابه «فى ذكرى شهاب الشمندر 1958-2018».
يقول «الخميسى»: «كتب الفنان التشكيلى شهاب الشمندر سيرته دون فصول أو فقرات، فقمت بتقسيم النص لتسهيل القراءة ومنحت لكل فصل اسم لوحة من لوحاته مستندًا إلى قائمة لوحاته الكاملة التي نشرت في العام السابق لتكون سيرته معرضًا من معارضه التي أتحفنا بها عبر تاريخه. لم أتدخل في النص فلوحته/ سيرته تمثل اعترافاته الأخيرة».
«مائدة الطعام وبستان والعائلة والمزهرية وخريستيانا تجيب»، «بستان الدهر تغزل الحكايات بمغزل من دهب»، «حركات سانتو الخفية في الغرفة المظلمة».. هي أسماء لأعمال الشمندر التشكيلية والتى حولها خالد الخميسى بشكل فريد عنوانا لكل فصل جديد في روايته، ليحكى سيرة فنان يحلم بالنقوش والألوان.
تناول الكاتب سيرة متخيَّلة لفنان تشكيلى على مدار سنوات عمره التي بلغت 60 عامًا، مثَّل الرسم له طوق النجاة، باب للسعادة ورفع لضيق الأفق، مستخدمًا أسلوبًا سلسًا متناغمًا، تتابع معه مجرى حياة شخصيته الفنية وتداخلها مع الشخوص الأخرى. في روايته «الشمندر» يستيقظ شهاب «بطل الرواية» مذعورًا من كابوس، أدرك بعده اقتراب موته، توالت على رأسه الأسئلة، والمراجعات، أسوف أموت؟ أكنت خيرًا أم شريرًا؟ هل عرفت الحب، أم لم أذقه؟ ماذا سيكون مصيرى بعد الموت؟، هل هناك معنى لمواجهة القدر؟، قرر أن يراجع شريط حياته، وتتالت أمام عينيه معرض لوحاته، فوراء كل لوحة حكاية، وخلف كل عنوان لحظة فارقة في حياته، تأمل سيرته في محاولة لأن يجيب، كيف يمكننى أن أتدبر أمرى عندما تحين ساعتى وأموت؟. «عرفت أنه حان موعدى عندما فقدت القدرة على الفرح وتبخر الحزن ولم يتبق سوى القلق غير المبرر، ستون عامًا كانت كافية لابتلاع ذرات التوهج التائهة وسط شرايينى. لم ألمح وميضًا يتيمًا تلتمع أطرافه داخلى منذ فترة».
يتيح العمل الروائى للقارئ التعرف عن قرب بسيرة ذاتية، لشخصية غنية بالأحداث والحكايات والمواقف، يتجلى فيها الفن والخيال والواقع، كما أن الراوى أخذ بعين الاعتبار استحضار التاريخ من خلال سنوات عمر الشخصية. بأسلوب شيَّق، يحكى شهاب عن «خريستيانا» العرّافة، يقول: «ماما رفيعة بصّارة، لكن ليست مثل كل البصّارات، صعيدية قح، رفيعة كالمسمار، صلبة كالمسمار، ورأسها كرأسه صغير، ولكنه يدق ككل المسامير أعين من أمامه في جبروت لا يفل، تتحدث بلكنة أبناء جنوب الوادى، هذه اللكنة التي تحمل موسيقى تتلون بطلاوة مبهجة أحيانًا، وتكفهر في جهامة أحيانًا أخرى، رائحتها ممزوجة دائمًا برائحة ليست من هذه الأرض»، إذا تجليت في الأحلام فهذا نذير شؤم. يرى الشمندر أن «الفن قوة تخترق الجدران وتفتح النوافذ، تشعل المواقد في كل مكان وترتاد أخطر المجاهل، تمزق الأقنعة وتغير على كل الحدود»، ويتحرر الفن عندما يتحرر الفنان من نقل ما تراه عينه، لكن الإنسان لم يتحرر بعد من الفكرة السخيفة المسماة «حقيقة».