يمثل الانسحاب الأمريكى من العراق فى نظر العديد من المحللين والسياسيين كارثة للدول الخليجية على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، حيث إن سقوط العراق من معادلة أمن الخليج يعنى تغير الميزان العسكرى، وإطلاق يد إيران وتهديداتها العسكرية لدول المنطقة فى الوقت الذى تسعى فيه طهران إلى تعزيز قدراتها بالتزامن مع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسعيها لامتلاك سلاح نووى، بينما لا تزال القوات والقواعد الأمريكية فى العديد من دول المنطقة تمثل عاملا مطمئنا للخليج، لكن ما قد يغير المعادلة الاضطرابات الداخلية التى تشهدها بعض دول الخليج على غرار ما يحدث فى دول «الربيع العربى».
ومع تأكيد مصادر فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أن القوات الأمريكية المتواجدة فى العراق لن تعود إلى الولايات المتحدة بل سيعاد نشرها فى دول الخليج، تسعى واشنطن لتعزيز الوجود العسكرى ليشمل إعادة تمركز بنشر قوات قتالية جديدة فى الكويت تكون قادرة على الاستجابة لانهيار الأمن فى العراق أو الدخول فى مواجهة عسكرية مع إيران على خلفية التهديدات المتبادلة من إسرائيل وواشنطن بضربة استباقية للمنشآت العسكرية الإيرانية وتصعيد إيران بالرد بالمثل.
وأشار وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا إلى أن الولايات المتحدة لديها ٤٠ ألف جندى فى المنطقة، بينهم ٢٣ ألفا فى الكويت، وتسعى واشنطن لإقامة تحالف أمنى متعدد الأطراف مع الدول الخليجية، وفى ظل تواجد العديد من القواعد العسكرية الجوية والبحرية فى دول المنطقة فإن إنهاء التواجد الأمريكى فى العراق لا يعنى انسحابا بل بمثابة إعادة انتشار بحسب خبراء عسكريين أمريكيين، فواشنطن لن تغامر بإرجاع تلك القوات إلى بلادها فى وقت لا تزال فيه الأوضاع الأمنية فى العراق محل شكوك، مع تصاعد الخطر الإيرانى وتهديدات طهران للمصالح الأمريكية والخليجية.
ومن ثم يرى فريق من المحللين أن انسحاب القوات الأمريكية سيترك فراغا أمنيا واسعا فى الدول الخليجية، وأنها ستكون أكثر هشاشة لأى تهديدات إيرانية جدية، فى ظل سيطرة الحرس الثورى الإيرانى وسلاح البحرية على الخليج العربى واحتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، إلا أنه على الجانب الآخر لم تتجاهل الولايات المتحدة الترتيبات الأمنية مع الخليج بعد انسحابها، إذ تشير التسريبات إلى أن الولايات المتحدة سعت لمثل تلك الترتيبات حتى لا تخلق فراغا أمنيا، وسبق ذلك الإعلان رسميا عن تسليح الولايات المتحدة لدول الخليج بالمئات من القنابل الذكية والأسلحة المتطورة والطائرات الهجومية استعدادا لمواجهة أى تهديد إيرانى محتمل، وساهمت محاولة تورط إيران فى اغتيال السفير السعودى فى واشنطن عادل الجبير فى التمهيد لإعداد الرأى العام الخليجى والقادة الخليجيين والرأى العام فى المنطقة على التأهب بأن إيران باتت تمثل الخطر الأكبر.
ومن ثم يقلل العديد من الخبراء والسياسيين من إمكانية حدوث فراغ أمنى فى الخليج العربى بعد الانسحاب الأمريكى ويدللون على ذلك بالقواعد البحرية والعسكرية الأمريكية، والترتيبات الأمنية لواشنطن مع تلك الدول.
وفى المقابل، فإن التحركات الاستخباراتية الإيرانية فى دول الخليج وبخاصة الكويت والإمارات والبحرين ودعمها للانتفاضة الشيعية فى المنامة مثّلا جرس إنذار مبكر لكل الأنظمة الحاكمة فى الخليج، من إمكانية انتشار عدوى ثورات الربيع العربى إليها فبدأت تلك الدول بضخ الأموال وإعادة توزيع الثروات بكثافة وإعلان سياسات تنموية لإعانة البطالة وتوفير مساكن اقتصادية، مما ساهم - حتى الآن - فى تهدئة مخاوف الشارع وتأمين الجبهة الداخلية، وذلك إثر القرار الحاسم الذى اتخذته دول مجلس التعاون الخليجى بنشر قوات درع الجزيرة فى البحرين لمواجهة الانتفاضة الشيعية بها.
ومع تراجع دور العراق من المعادلة الأمنية فى الخليج باتت السعودية ودول المجلس تشكل محورا بالدعم الأمريكى والغربى لمواجهة المحور الإيرانى. وقال الأمير مقرن بن عبدالعزيز، رئيس الاستخبارات السعودية: «إن دول الخليج لا تستطيع أن تكتفى بمراقبة الملف الإيرانى، ولكن يجب أن تبحث عن استراتيجيات جديدة تضمن أمنها الإقليمى».
وتتركز الاستراتيجية الأمريكية فى الخليج على التواجد فى منابع النفط وتخصيص قوات التدخل السريع المحمولة جوا وتوسيع القواعد والتسهيلات العسكرية لبسط النفوذ كنقطة للشروع فى الحملات العسكرية، فى حين تؤكد إيران أن استراتيجيتها العسكرية دفاعية، تهدف لإحباط مساعى واشنطن الرامية إلى تطويقها وخنق ثورتها، ولدى إيران قدرات صاروخية قوية وطويلة المدى وسلاح طيران قديم نسبيا وتملك أسطولا بحريا قويا وقواعد عسكرية فى الخليج العربى ومضيق هرمز وقوات برية هى الأقوى فى الخليج، وتهدد بإغلاق مضيق هرمز الذى يتحكم فى عبور 40% من تجارة النفط العالمى، وتواصل انتقاداتها للقواعد الأجنبية باعتبارها مصدر إزعاج، الأمر الذى يؤكد أن أمن الخليج سيظل عامل شد وجذب للصراع بين جميع أطرافه لسنوات وربما لعقود لفرض السيطرة التى قد يحسمها عمل عسكرى غير محسوب أو ترتيبات أمنية طويلة المدى.