x

«أم كلثوم» و«تليفون مُبارك» و«رسالة عبدالناصر».. قصص مُلهمة من حياة أحمد زويل

الثلاثاء 26-02-2019 15:45 | كتب: نورهان مصطفى |
أحمد زويل أحمد زويل تصوير : آخرون

في مُفتتح كتابِه الذي نُشر عام 2005، «عصر العلم»، يقول أحمد زويل: «تمنيتُ لو كان لي الوعي الكامل لحظة الميلاد»، أرادَ أن يدرس رحلتهُ إلى الحياة جيدًا. ففي عام 1946، ولدَ زويل، وعلى مسافة عام واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية. كانت بدايتهُ في مدينة «دمنهور» عاصمة محافظة البحيرة في دلتا مصر.

صبيٌ صغير في مدينة «دسوق»، يمُر على الطريق الموازي للنيل ذهابًا وإيابًا مرات لا تُحصى ولا تعد، هكذا عرّف الدكتور، أحمد زويل، صِباه، في أولى صفحات كتابِه «عصر العلم»، مُستكملاً ذلك ببعض الحكايات الأخرى؛ مثل دور مسجد «إبراهيم الدسوقي» في حياته، فكان يذهب إليه برفقة أصدقاء الطفولة، مُنجذبين كما المغناطيس.

كان أصحاب الدكاكين حول المسجد يعرفون اسم الصبي الصغير، ويكرمون عائلته، فيشتري الصبي ما يُريد من البقالة المجاورة دون دفع الثمن على الفور، وفي مُناسبات متكررة لم ينس «زويل» ذكرياته، وتحديدًا الدور الذي لعبته أم كلثوم في حياته..

أم كلثوم

يروى «زويل» الذكرى الأولى له مع أم كلثوم، قائلاً، في البدء، علمني خالي رزق، الاستماع إلى السيدة أم كلثوم. وكُنت أفعل ذلك بهدف الترويح عنّي وإدخال البهجة والسرور في نفسي. وكان خالي يصطحبني معهُ في رحلاته إلى القاهرة، لحضور حفلات أم كلثوم الغنائية، تلكَ السيدة التى احتلت بعد ذلك مكانة بارزة في حياتي، وإذا ما كان هُناك شيء محدد لهُ دور ثابت في إدخال البهجة في نفسي وخاطري، فهو أم كلثوم.

وبدأ إعجابي وتقديري لأغنيات أم كلثوم عندما كنت في المرحلة الإعدادية، وكنتُ آنذاك في حوالي الثالثة عشرة من عُمري، وخلال سنوات دراستي في مصر، كنت أحرص على أن يكون المذياع بجواري وأبحث عن صوت أم كلثوم عبر الأثير في كُل محطات الراديو. كُنت أعرف ميعاد إذاعة أغنياتها في المحطات المختلفة مثل؛ صوت العرب، وإذاعة القاهرة، والشرق الأوسط. وكُنت أجعل صوت المذياع بالقدر الذي يُشكَّل صوت أم كلثوم خلفية هادئة أثناء عملي في غُرفتي.

وفي صيف عام 1967، أعلنت الجامعة نتائج كل الطلاب، وذهبت في ذلك اليوم، كما فعلت في أول أيامي بجامعة الإسكندرية، بصحبة خالي إلى حرم الجامعة، وتوجهنا سويًا إلى لوحة الإعلانات المدوّن فيها أسماء جميع الطلاب، وقد مررتُ بناظريّ بشيء من التوتر والقلق في قوائم الطلاب الناجحين، بحثًا عن اسمي.

وفي لحظة وقع بصرنا على الاسم ورتبة النجاح، وهي «امتياز مع مرتبة الشرف الأولى»، وحينذاك ذهبنا لنحتفل على صوت أم كلثوم، حيثُ اصطحبني خالي إلى مطعم «درويش» لتناول طعام الغداء، ثُم عرجنا إلى أحد الأماكن المخصصة لسماع حفلات أم كلثوم، ومن الناحية الأخرى كانَ والداي في «دسوق» ينتظراني للاحتفال على صوت أم كلثوم أيضًا.

وفي جامعة «كالتك» بكاليفورنيا، وتحديدًا داخل مكتب زويل هُناك، وضع صورتها بجانب صورة زوجته وأولاده، فمنذ 40 عامًا كان يستمع إلى صوت أم كلثوم، «فصوتها يساعدني على الاستمرار في عملي لساعات طويلة، وأنا في قمة السعادة»، كما يذكر، مضيفًا: «لديَّ في مكتبي جهاز تسجيل أستمع من خلاله لأغانيها، وأضع صورتها على مكتبي بجوار صور زوجتي وأولادي، وحتى الأوقات التي أكون فيها مُثقلاً بالعمل، أستمع إليها وأسترخي على خلفية من صوتها الهادي».

تسببّت أم كلثوم في غيرة زوجة زويل أيضًا، كما ذكر في آخر حوار أجراه مع خيري شلبي، والمُذاع على فضائية سي بي سي، قائلاً: «إحنا متجوزين بقالنا 26 سنة، أنا مكنتش هبقى موجود النهاردة كإنسان عايش من غير (ديما)، زوجتي هي سرّ نجاحي». فيما روى قصة لقائه بها، قائلاً: «أنا قابلتها في صدفة غريبة، سنة 1987 والدها أخد جائزة الملك فيصل في الأدب، وأنا أخدتها في العلوم».

ومن بين المواقف الطريفة التي رواها عن علاقته بأم كلثوم، يتذكر زويل أنه كان دائمًا ما يشرد ذهنه عندما يسمع صوت «الست». وهو الأمر الذي تسبّب في غيرة زوجته، وكأنها اعتقدت أنه يُفكر في قصة حُب بعيدة، تذكرها بسبب صوت أم كلثوم.

جمال عبد الناصر

شهدت طفولة «زويل» ثورة 23 يوليو، التي أطاحت بالملك فاروق، كان حينها «زويل» صبيًا صغيرًا، يبلغ من العُمر 6 سنوات، ولكنه كان يتذكّر جيدًا ما فعله جمال عبد الناصر، كما روى ذلك في مذكراته: «أعلن الرئيس جمال عبد الناصر، قائد الثورة، أن كل المصريين سواسية وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، مما يعنى أن لكُل مواطن، ابن الفلاح وابن رئيس الجمهورية، الحق في دخول نفس الجامعة، وقد أدركنا في ذلك الوقت أننا قد دخلنا بالفعل في عصر جديد مُفعم بالآمال المشرقة».

وفي العاشرة من عُمره، تقريبًا في سنة 1956، تأثر «زويل» بخطابات جمال عبدالناصر كثيرًا، ثم قرر أن يرسل لهُ خطابًا، قال فيه: «ربنا يوفقك ويوفق مصر»، مرت الأيام ولم يتخيل الصبي الصغير أن جمال عبدالناصر سيرُد على خطابه، ولكن في الحادي عشر من يناير 1956، تسلّم «زويل» ردًا على خطابه، يقول الآتى:

«ولدى العزيز أحمد.. تحية أبوية وبعد، تلقيت رسالتك الرقيقة المُعبرة عن شعورك النبيل، فكان لها أجمل الأثر في نفسي وأدعو الله أن يحفظكم لتكونوا عدة الوطن في مستقبله الزاهر، وأوصيكم بالمثابرة على تحصيل العلم مسلحين بالأخلاق الكريمة، لتساهموا في بناء مصر الخالدة في ظلّ الحرية والمجد».

وعن أثر الخطاب في نفس «زويل»، سجّل ذلك في مذكراته، قائلاً: «مازلت أحتفظ بخطاب الرئيس حتى اليوم، وأتذكر مدى الإثارة والرجفة التى سرت في بدنى وهزّت مشاعرى هزًا عنيفًا لدى رؤيتى لاسمى وقد خطته يد الرئيس، وكأنّه كان يتوقع مستقبلى العلمى ويحثنى عليه».

لحظة الفوز بنوبل

سُجلَ صباح الثلاثاء 12 أكتوبر 1999، تاريخٌ لا يُنسى في حياة زويل، إذ حصل يومها على جائزة «نوبل» في العلوم. وظلّ يتذكر ذلك اليوم، كما قال في «عصر العلم»: «ليلة إعلان الجائزة كنت أغط في نوم عميق، بينما كان القلق والأرق ينتابان زوجتي التي ظلت ساهرة أمام شاشة الكمبيوتر المتصل بالإنترنت في انتظار الإعلان عمن سيفوز بجائزة نوبل للكيمياء».

وأضاف: «في الساعة الخامسة فجرًا استيقظت من نومي فوجدتها مازالت ساهرة فدعوتها إلى النوم وأن تتخلى عن هذا الأمل، فالساعة الآن الخامسة في أمريكا، أي الثانية ظهرا في السويد وبالتأكيد فقد أعلن الفائز، وطالما لم يتصل بنا أحد، فالنوم أفضل، فلدينا عمل صباحا»

وأردف عن ذكريات الجائزة: «جاءت لنا مكالمة بعيدة، خفق قلبي، وأمسكت سماعة التليفون، فردّ عليّ أحدهم (أنت الدكتور زويل؟) .. ثُم قال لي (أعتذر بشدة عن إيقاظي لك في هذه الساعة المُبكرة من الصباح، أنا سكرتير عام الأكاديمية السويدية للعلوم». يقول زويل بعدها: «كاد قلبي يتوقف.. وضغط الدم يرتفع لأعلى معدلاته ويضرب رأسي بقوة.. وتستمرت في مكاني.. وتجمدت سماعة التليفون في يدي.. ولم أحر جوابا».

وعلى مستوى الحياة الاجتماعية، كان يرى زويل أنه محظوظ، كما ذكر في آخر حوار أجراه مع، خيري شلبي، والمُذاع على فضائية، سي بي سي: «احنا متجوزين بقالنا 26 سنة، أنا مكنتش هبقى موجود النهارده كإنسان عايش من غير (ديما)، زوجتي هي سرّ نجاحي». فيما روى قصة لقائه بها، قائلاً: «أنا قابلتها في صدفة غريبة، سنة 1987 والدها أخد جائزة الملك فيصل في الأدب، وأنا أخدتها في العلوم».

قلادة النيل وتليفون مُبارك

خلال مذكراته، تحدّث عالم الكيمياء أيضًا عن حفل تسليمه جائزة نوبل «لقد بثّبت كلمتي هذه وجميع مراسم احتفال تسليم الجائزة على الهواء مباشرة في التلفزيون والإذاعة المصرية، كما تابعها ملايين المشاهدين والمستمعين في كل أنحاء العالم. وفي القاهرة، كما علمت، خفّ الازدحام المعهود في الشوارع وقت إذاعة مراسم الاحتفال في شيء يشبه ما يحدث أثناء إذاعة مباريات كرة القدم بين فريقي الأهلي والزمالك».

واعتبر كثير من المصريين، حينها، أن ذلك انتصار كبير للعلم، كما أنه أعطى الأمل في المستقبل، كذلك شبه الناس ليلة إذاعة حفلة مراسم، تسلّم الجائزة بليلة من ليالي أم كلثوم، والتي كانت تُذاع حفلاتها الغنائية المشهورة على الهواء مباشرة، وذلك بالطبع ضاعف من فرحتي، واحتفلت مصر احتفالاً عظيمًا.

وعن حفاوة الرئيس السابق، محمد حسني مبارك، قال «زويل»: «بدا الشعور الوطني واضحًا في كرم ومروءة الرئيس محمد حسني مبارك، ففي اليوم التالي لإعلان فوزي بجائزة نوبل في شهر أكتوبر، اتصل بي الرئيس مبارك تليفونيا في منزلي وهنأني بحصولي على الجائزة، ودعاني لزيارة مصر لإقامة احتفال كبير».

وبالفعل، في الحادي عشر من ديسمبر، أصدر مبارك قرارًا جمهوريًا بمنح زويل قلادة النيل العظمى، أعلى وسام مصري، كما يحكي «زويل» في «عصر العلم»: «غادرنا السويد في الخامس عشر من ديسمبر، بعد أن ألقيت محاضرات في جامعتي (لوند) و(جوتيبورج)، ثم وصلت القاهرة عبّر لندن».

أُقيم احتفالاً كبيرًا بـ«زويل»، إذ مُنح درجة الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا من جامعة الإسكندرية، كما أصدرت هيئة البريد، طابعًا ثالثًا يحمل صورته مع الأهرامات.

وفي السادس عشر من ديسمبر، دُعيَ «زويل» برفقة زوجته إلى قصر رئاسة الجمهورية، إذ استقبله مبارك وسوزان مبارك، استقبالاً خاصًا ثم استقبالاً عامًا، ضم عدد من العلماء البارزين والفنانين والصحفيين، وبثّت مراسم الاحتفال عبر التلفزيون والإذاعة، ونشرت في وسائل الإعلام الخاصة، ثم أعلن قرار رئيس الجمهورية، رقم (440 لسنة 1999) بمنحُه قلادة النيل العظمى، كما يقول: «كانت قلادة رائعة الجمال، بديعة الصنع، وذات قيمة حقيقية».

وأضاف «زويل» في مذكراته: «وصف مبارك عملي وإنجازاتي العلمية بأنه هدية أو منحة للعالم، وشخصني بأن بابن الحضارة المصرية، والتي مازالت إنجازاتها تذهل العالم حتى اليوم، وعلّق أيضًا على مغزى الجائزة وخلفيتي التعليمية في مصر، وقدرة المفكرين المصريين على العطاء وصنع التقدم العالمي».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية