تحتضن قاعة بيكاسو للفنون حالياً معرض الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، وتحمل أعمال هذا المعرض رؤية لونية جديدة تفيض بحالات متراوحة ومتنوعة ما بين السكونية والمشاغبة اللونية، وجميعها يؤكد على توجه فاروق حسنى ونهجه التشكيلى الذى صار مدرسة واتجاها يخصه، وجميع الأعمال يرتكز على طاقات التجريد وسطوة اللون وحالاته على نحو يفيض بالجرأة والمغامرة، وقد تراوحت أحجام أعمال المعرض وتعددت تنويعاتها وإيحاءاتها اللونية التى تصدر الطاقات الإيجابية وتدلل على التمرد، مع حرص فاروق حسنى أن يقدم قصائد تشكيلية ومنظومة لونية، مضافة لما سبق من أعمال عرضها فى السابق، وتنويعاته اللونية وفق منظومة تجريدية معاصرة، حتى إن المتأمل لأعمال فاروق حسنى يشعر وكأنه عايش مراحل ميلاد كل عمل ومراحل إنجازه بل والحالة الإبداعية التى يمتلئ بها الفنان وقت إنجازعمله، بل يشعر بأن هذه الأعمال هى نتاج إبداع عفوى فى حالات إبداعية سلم فاروق حسنى نفسه إليها أو استسلم لمتطلبات ومقتضيات تخلقها وخروجها إلى النور، كما لم تغب التكوينات الهندسية التى يكسر نمطيتها بين عمل وآخر على نحو يدفع المشاهد لمزيد من التأمل واستنباط الدلالات اللونية والشكلية، رغم كون كل أعمال حسنى تنتمى للتجريد، بل تتجاوزه وصولا إلى التجريب لتحقيق المغامرة التى تتمرد على النمط حتى فى هذه المدرسة التشكيلية الحديثة، محققا بذلك نزعة الخلق والانطلاق والحرية، حيث المغامرة والتجريب والاستحداث مفتوح الأفق ولا حدود أو حواجز له فى جدل لونى ذا إيقاعات متراوحة للحالة الإبداعية لدى المبدع والبصرية لدى المتلقى.
ولعل ما يكشف عن جوانب وملامح رئيسية فى عوالم فاروق حسنى، ما ذكره الناقد التشكيلى الإيطالى إنزوبيلا رديللو، حيث قال: «إن لوحات فاروق حسنى تقع فى إطار التجريدية الشعرية. فإن روعة الأزرق والأبيض فى بحيرات ألوانه تتداخل مع عنف الأحمر والأخضر بشكل درامى وكأن اللوحات تشتعل بفعل انسجام داخلى والتى تعد نقطة الانطلاق».
ومن مجمل آراء وقراءات وانطباعات أكثر من ناقد تشكيلى عن أعمال فاروق حسنى تتكشف المزيد من ملامح تجربته حتى تتبدى بجلاء على نحو شبه كامل بل وتعد قراءات موثقة لتجربته ومغامراته التى اختلف طابعها وملمحها من معرض إلى آخر،
ومن هذه القراءات ما قاله الناقد الفنى لمجلة «أركا» الدولية للفنون بإيطاليا، حيث وصف فاروق حسنى وتجربته بأنه «رائد فضاء ذو رؤية تجريدية، يهيم عبر المجرات والفضاء اللامتناهى، يرى الأفكار والأحاسيس والشكل المطلق واللون الخاص».
فيما قال جان لويجى روندى، رئيس البينالى الدولى لفينيسيا سابقا، إن «فاروق حسنى هو فنان يشعر بالرغبة فى الخروج من الإطار الضيق والمفروض عليه ويطلق العنان أكثر للإلهام».
فيما قال دان كاميرون، مدير الفنون البصرية بمركز الفنون المعاصرة فى نيو أورليانز بالولايات المتحدة الأمريكية: «على الرغم من افتقادها لموضوع محدد، فإن لوحات فاروق حسنى قابلة للفهم من المشاهد على أنها تفسير تجريدى لظواهر بصرية.
أما ياسر منجى، أستاذ النقد الفنى بكلية الفنون الجميلة فى مصر، فقد قال: «إن الوجدان لايزال أسير ترحال فاروق حسنى الذى لم يشبع بعد، فالمعانى لا نهاية لها فيما الصور محدودة، فمهما كثرت الصور، فإنها عاجزة عن الإحاطة بجميع المعانى».
أما كارمنى سينيسكانو، رئيس مؤسسة روما لمعارض الفن الحديث، ومدير استوديو إس للفن المعاصر بروما، فقد وصف فاروق حسنى شخصا وإبداعا بقوله: «هناك حقيقتان لشخصية فاروق حسنى المتفردة، والخلفية أحيانا هى مجرد تدعيم للأشكال غير الظاهرة والامتزاج معهما فى أفق غير محدود مثلما فى اللوحة المزدوجة آدم وحواء».
ومما يذكر أن فاروق حسنى سكندرى المولد، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وبدءا من العام 1964 بدأ ينخرط فى العمل الثقافى الرسمى، حيث تقلب بين مواقع وظيفية وقيادية كثيرة وكانت أولى المواقع التى شغلها مدير قصر ثقافة الأنفوشى، وقد بدأ مسيرته التشكيلية منتهجا الاتجاه التعبيرى، والتى تحول عنا لاحقا إلى المدرسة التجريدية، وكان النجاح والتميز الذى أبداه فى إدارته لقصر الأنفوشى سببا فى اختياره ملحقا ثقافيا للسفارة المصرية فى باريس من 1970 حتى 1978، ثم مديرا لأكاديمية الفنون المصرية فى روما من 1978 حتى 1987، ثم جاء وزيرا للثقافة فى الفترة من ١٩٨٧ حتى ٢٠١١، وعُرف باتجاهه التجريدى فى التشكيل، وهو صاحب بصمة متميزة وفاعلة فى تاريخ الفن التشكيلى بتأسيسه العديد من قاعات العرض وتنظيمه للعديد من المعارض الدولية، واستضافته للعديد من الأنشطة الفنية المُختلفة.
ويعد فاروق حسنى واحدا من أهم كبار الفنانين التشكيليين المعاصرين فى مصر والوطن العربى، ومن الأماكن التى استضافت معارضه وأعماله، متحف المتروبوليتان فى نيويورك- ومتحف كاروسيل باللوفر فى باريس- ومتحف طوكيو للفنون باليابان- ومتحف هيوستن للفنون بالولايات المتحدة الأمريكية- ومتحف فورت لودرديل بالولايات المتحدة الأمريكية- ومتحف فيينا القومى بالنمسا- ومتحف فيتوريانو بروما والمتاحف الفنية فى العالم العربى، مثل متحف سرسق بلبنان والشارقة بالإمارات والمتحف الوطنى بالبحرين، كما أقام فى ديسمبر الماضى معرضا فنيا فى دولة الكويت تحت عنوان «تجريد»، وتضمنت أعماله تقنيات مختلفة تراوحت ما بين التجريد الحر والهندسى، الذى يميز أغلب أعماله.
وقد حظى فاروق حسنى بالكثير من أشكال التقدير والتكريم، ومنها اختياره أستاذا غير متفرغ فى كلية الفنون بالإسكندرية والدكتوراه الفخرية من جامعة سوكا اليابانية عام 1993، حيث أصبح أستاذا فخريا لعلم الجمال، كما منح جائزة حوض البحر المتوسط للفنون من إيطاليا عام 2006، ونال الجائزة الكبرى لليونسكو للسمعيات والبصريات عام 2007 وجائزة الفورم العالمى 2008 من إمارة موناكو وجائزة الشارقة للشخصية الثقافية عام 2013.