بدأ نواب مجلس العموم البريطانى تصويتا تاريخيا على اتفاق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، فى الساعة السابعة بتوقيت جرينتش، واستمرت المداولات لساعات، حول الاتفاق الذى توصلت إليه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، مع الاتحاد الأوروبى، بخصوص الانفصال عن الاتحاد المقرر فى 29 مارس المقبل، مع توقعات متزايدة بأن يرفض البرلمان «بريكست» بما يشكل ضربة قاصمة لرئيسة الوزراء، ويضع المملكة المتحدة أمام العديد من السيناريوهات المختلفة.
وبذلت «ماى» كل السبل الممكنة فى الأسبوع الأخير لدعم الاتفاق، فما بين حفلات استقبال فى «داونينج ستريت» لنواب حزب المحافظين رافضى الاتفاق، ومكالمات هاتفية لتهدئة أعضاء حزب العمال المعارض، حاولت ماى استقطاب النواب، عبر التهديدات بأن عدم تمرير «بريكست» سيؤدى إلى كارثة دستورية، وناشدت النواب بأن ينظروا على الاتفاق «نظرة أخيرة»، وحذرت مرارا من أنه حال رفض النصّ ستدخل البلاد «فى المجهول» وقد يحصل بريكست دون اتفاق أو حتى يمكن أن تبقى البلاد ضمن الاتحاد، وحذّرت معسكرها من مخاطر خسارة الحكم لصالح حزب العمال الذى يعتزم تقديم مذكرة حجب ثقة لإجراء انتخابات مبكرة، حال سقوط الاتفاق.
وناشدت الصحف المؤيدة لـ«بريكست»، النواب دعم الاتفاق، وكتبت صحيفة «ديلى ميل»: «ضعوا أحكامكم المسبقة جانباً وأعطوا الأولوية لبلدكم»، وباستثناء عدد قليل من النواب الذين غيروا رأيهم، فإنه لا يبدو أن محاولات ماى فى إقناعهم قد نجحت، وقال وزير البيئة البريطانى، مايكل جوف، المؤيد لـ«بريكست»، إن فشل الموافقة على الاتفاق سيؤدى لخسائر اقتصادية.
وتوقعت الصحف البريطانية هزيمة كبيرة لرئيسة الوزراء، وكتبت «التايمز»: «ماى تستعدّ لهزيمة تاريخية»، واعتبرت صحيفة «تليجراف» أنه لم يعد لدى ماى «لا حلفاء ولا وقت»، وكتبت: «نأسف لاضطرارنا إلى معارضة رئيسة الوزراء المحافظة»، مضيفة أن «مصادقة النواب على الاتفاق الفظيع سيكون خطأ تاريخيا»، ونصحت صحيفة «ديلى ميرور»، رئيسة الوزراء بـ«بدء البحث عن خطة بديلة» فى حين أنها تستعدّ «لإحدى الهزائم الساحقة فى البرلمان»، وقال مصدر حكومى لصحيفة «تليجراف» إنه سيكون «صعبا على رئيسة الوزراء الاستمرار فى منصبها إذا فشلت بأكثر من 100صوت»، فيما اعتبرت الوزيرة المكلفة العلاقات مع البرلمان، أندريا ليدسوم، أن «ماى» ليس لديها نية الاستسلام، وستبقى مصممة على تطبيق الاتفاق، وأفادت صحف بأن تيريزا ماى لديها خطة لإجبار البرلمان على التصويت مجددا.
وحاول زعماء الاتحاد الأوروبى مساعدة حملة ماى لحشد الدعم للاتفاق، وقال البرلمان الأوروبى إنه يمكنه تقديم توضيحات لها «قيمة قانونية» حول البند المثير للجدل بشأن أيرلندا، وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، أمس، إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم تقدم تنازلات لرئيسة الوزراء البريطانية، تتجاوز التى بحثها المجلس الأوروبى فى ديسمبر الماضى، وما هو منصوص عليه فى خطاب، جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، ودونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبى، بحسب «رويترز».
ومن بين أكثر بنود الاتفاق إثارة للجدل هو «شبكة الأمان» الذى يبقى بريطانيا محكومة بعدد من قواعد الاتحاد الأوروبى التجارية إذا لم يكن هناك حل أفضل لتجنّب إعادة الحدود الفعلية بين مقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا، وجمهورية أيرلندا العضو فى الاتحاد، ويشتمل الاتفاق إجراءات محددة لأيرلندا الشمالية، فى صياغة العلاقات المستقبلية بين لندن وبروكسل، مع ضمانات من الاتحاد لحدود أيرلندا الشمالية، وينصّ سيناريو «اللحظة الأخيرة» على إبقاء المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الجمركى الأوروبى لتجنّب إعادة الحدود الفعلية بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا، إن لم يتم التوصل لحل بديل بعد الفترة الانتقالية، ويخشى أنصار «بريكست» أن تكون شبكة الأمان «فخاً» يتيح إبقاء المملكة المتحدة مرتبطة لمدة غير محددة بالاتحاد الأوروبى رغم الانفصال، واعتبر الحزب الديمقراطى الاتحادى فى أيرلندا الشمالية حليف «ماى» المهم فى التصويت، أن هناك مشاكل أساسية فى الصفقة ووصف نائب رئيس الحزبن نايجل دودز تلك المشاكل بأنها السم الذى سيصيب التصويت فى البرلمان.
وتواجه «ماى» ضغوطا متواصلة من حزب العمال المعارض وزعيمه جيرمى كوربين، الذى يأمل فى القفز على السلطة عبر الانتخابات المبكرة أو طرح الثقة فى حكومتها، مع مطالبة كوربين بإجراء انتخابات عامة كأولوية على إجراء استفتاء جديد على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وأفاد استطلاع بأن الناخبين سيعاقبون حزب العمال إن أيد «بريكست»، أو إن لم يعارض الاتفاق بشكل واضح.