لم يعد الوقوف أمام ألسنة النيران المتصاعدة يمثل صعوبة أمام أحمد الإمام، فطوال 35 سنة ماضية وقف قابضا فى يده معلقة خشبية ضخمة الحجم، يتصبب عرقه من ارتفاع درجة الحرارة، لا يتوقف عن تقليب خليط سائل العسل والسمسم المغلى المنسكب داخل إناء النحاس الكبير، خشية من احتراق العجين، تجاوره مجموعة من براميل العسل والماء عن يساره، يختلس نظرات سريعة من حين لآخر لمتابعة حركة عماله، يعاونه أحد الصبية فى رفع الإناء لسكبه على أحد الأسطح المستوية لبدء عملية تشكيل «السمسمية».
على مدار الأعوام الماضية، ارتبطت القلوب والأذهان بشراء الحلوى مع اقتراب المولد النبوى الشريف، وتتهاداها الأسر مع بعضها احتفاءً بالمناسبة الدينية، وتتنافس محال الحلويات فى إنتاج أنواع جديدة لجذب الزبائن، إلا أنه يظل «الملبن» و«السمسمية» و«الحمصية» تتربع على قائمة الحلويات التى يحرص المستهلك على شرائها، وتتزين المحال قبل بدء الموسم بشهر كامل وتعرض العرائس بألوانها المبهجة وأحجامها المختلفة.
لم يطلق عليه «شيخ صنايعية الحلاوة» من فراغ، فهو لم يخطئ يوما فى ضبط مذاق السكر لجميع أشكال حلويات المولد النبوى، عمران الذى تجاوز الستين من عمره يرى أنه أكل عيشه الذى يستحق التعب من أجله، ورغم العثرات التى واجهها خلال عمله طوال 40 سنة ماضية، إلا أنه لا يعرف مهنة غيرها، قائلا: «طنطا أم الحلاوة، والناس بتيجى لها من قبلى وبحرى عشان ضامنة إنها هتاكل حلاوة نضيفة وتمنها معقول، وكانوا بيحملوا حلاوة لهم ولأولادهم عشان المواسم، وده موسم بنستناه مرة واحدة من السنة للسنة، وحلاوة مولد النبى بياكلها الغنى والفقير وإن اختلف مكان الشراء، لأن لها طعما مختلفا صعب حد يقاومه».
وحول طريقة صناعة حلاوة المولد، قال عمران: «تصنيع حلاوة المولد يتم على عدة مراحل، أولاها تسوية الحلاوة، وتعد هذه المرحلة الأكثر صعوبة، لذلك لا يستطيع أى صنايعى تسويتها إلا من يمتلك وحده الخبرة، وتبدأ بوضع السكر والعسل داخل إناء كبير من النحاس مع الاستمرار بالتقليب حتى لا يحترق، ووضع الروائح وقليل من الماء، ولابد من استخدام أوانى النحاس وليس الألومنيوم لأن الأخير يتفاعل مع العجين ويتسبب فى تحول لونه إلى الأسود، ثم تأتى المرحلة الثانية، وهى رفع الإناء المغلى بعد التأكد من تسوية العجين، ووضع الخليط على رخامة نظيفة لتشكيله إلى قطع صغيرة، وبعدها نبدأ فى مرحلة التجميع والتعبئة والتغليف».
للجانب النسائى نصيب كبير من العمل فى موسم التحضير لحلاوة المولد النبوى، فاطمة رضوان، تنتظر الموسم كل عام، تشتغل ما يقرب من شهر فى التحضير للموسم، تخرج من إحدى القرى المجاورة لمدينة المحلة الكبرى، قادمة إلى أحد مصانع الحلوى بمدينة طنطا، دورها تعبئة الحلوى داخل الأكياس، وهى المرحلة النهائية فى التصنيع، وقالت: «يوميتى 40 جنيه، وأنتظر الموسم كل عام للإنفاق على بناتى الثلاث، وينتهى الشغل بانتهاء المولد الذى ننتظره كل عام».