x

«المصرى اليوم» داخل مصانع طنطا: حلاوة المولد.. فرحة أتلفها الغلاء

الجمعة 02-12-2016 22:37 | كتب: ريهام العراقي |
حلاوة المولد داخل مصانع طنطا حلاوة المولد داخل مصانع طنطا تصوير : محمد السعيد

طوال 35 سنة ماضية اعتاد محمد الشناوى، الرجل الخمسينى، الوقوف أمام ألسنة اللهب المتصاعدة، يتصبب عرقه من ارتفاع درجة الحرارة، قابضا فى يده معلقة خشبية ضخمة الحجم، لا يتوقف عن تقليب خليط سائل العسل، والسمسم المغلى المنسكب، داخل إناء النحاس الكبير، خشية من احتراق العجين، تجاوره مجموعة من براميل العسل والماء عن يساره، يختلس نظرات سريعة من حين لآخر لمتابعة حركة عماله، يعاونه أحد الصبية فى رفع الإناء لسكبه على أحد الأسطح المستوية لبدء عملية تشكيل «السمسمية».

رصدت «المصرى اليوم» داخل أحد مصانع حلويات المولد بمدينة طنطا أزمة الصناعة بسبب السكر، وخطوات الصناعة بدءا من تجهيز المواد الخام اللازمة لها وحتى تعبئتها وتوصيلها إلى المستهلك. مع اقتراب موعد الاحتفال بالمولد النبوى من كل عام، يتوافد المواطنون من مختلف محافظات الوجه البحرى والقبلى إلى شارع «القيسارية»، أحد أشهر شوارع مصانع ومحلات بيع حلاوة المولد بطنطا بمحافظة الغربية، الشارع الضيق لم يكن يستوعب وقتها التكدس الشديد من المواطنين مما كان يدفع بعض أصحاب المحال إلى فتح محالهم طوال ٢٤ ساعة لسد حاجات المواطنين.

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

اليوم تحول المشهد داخل الشارع الأثرى، فأصبح خاليا من الزبائن، يتبادل أصحاب المحال طرف الحديث فيما بينهم حول ارتفاع سعر السكر الذى وصل إلى 14 ألف جنيه للطن، بينما صمت آخرون فيما جلس بعضهم أمام محالهم فى انتظار زبون يكسر هدوء الشارع، وانشغل عدد من العمال فى «رص» أرفف الحلاوة المغلفة من أجل عرضها للزبائن.

ربما استحق لقب «شيخ صنايعية الحلاوة» عن استحقاق، ولم يمنع محمد الشناوى سنوات عمره التى تجاوزت الخمسين التوقف عن عمله، فهو يرى أنه أكل عيشه الذى يستحق التعب من أجله، لم يخطئ خلالها فى ضبط مذاق السكر لجميع أشكال حلويات مولد النبى، إلا أنه أشار إلى أنه لم يشهد مثل هذه الأيام صعوبة على مهنته التى لا يعرف غيرها، قائلا: «طنطا أم الحلاوة، والناس بتيجى لها من قبلى وبحرى عشان ضامنة إنها هتاكل حلاوة نضيفة وتمنها معقول، وكانوا بيحملوا حلاوة لهم ولأولادهم عشان المواسم، وده موسم بنستناه مرة واحدة من السنة للسنة، لكن السنة دى حالنا واقف وحركة البيع واقفة مافيش بيع ولا شراء».

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

وحول طريقة صناعة حلاوة المولد، قال الشناوى: «تصنيع حلاوة المولد تتم على عدة مراحل أولها تسوية الحلاوة وتعد هذه المرحلة الأكثر صعوبة، لذلك لا يستطيع أى صنايعى تسويتها إلا من يمتلك وحده الخبرة، وتبدأ بوضع السكر والعسل داخل إناء كبير من النحاس مع الاستمرار بالتقليب حتى لا يحترق، ووضع الروائح وقليل من الماء، ولابد من استخدام أوانى النحاس وليس الألومنيوم لأن الأخير يتفاعل مع العجين ويتسبب فى تحول لونه إلى الأسود، ثم تأتى المرحلة الثانية وهى رفع الإناء المغلى بعد التأكد من تسوية العجين، ووضع الخليط على رخامة نظيفة لتشكيله إلى قطع صغيرة، وبعدها نبدأ فى مرحلة التجميع والتعبئة والتغليف».

داخل مصنع صغير يتكون من حجرتين ضيقتين تضمان مجموعة من الأدوات بدائية لصناعة حلاوة المولد.

فى منتصف شارع «القيسارية»، وقفت ثلاث فتيات أمام مجموعة من الطاولات المعدنية، يُشكلن عجينة الحلاوة بآلة معدنية، ويُنصتن إلى توجيهات السيد أبوالعز، صاحب العمل، بسرعة الانتهاء من طلبية أحد التجار اليوم، لأنه سيغلق المصنع باقى الأسبوع بسبب نفاد السكر.

قال أبوالعز: «باقى 20 يوما فقط على الموسم، والنهاردة أول يوم أفتح فيه المصنع، حالنا واقف عشان إحنا ناس غلابة، التجار الكبار احتكروا السكر وإحنا مش عارفين نشتغل بإيه، والحكومة عارفة كل حاجة، أنا راجل منتج وبتحارب فى أكل عيشى، وبدل ما الحكومة تنمى المشاريع الصغيرة وتفتح أذرعها من خلال فتح أبواب التسويق، يصل بنا الحال بأن يتحول السكر إلى سلعة مُهربة مثل المخدرات، علشان المسؤولين بيتكلموا كتير دون فعل، أنا بفتح الشغل يوم واحد بس فى الأسبوع والربح بيروح لمصنعية العاملات فيومية العاملة الواحدة 60 جنيها فى اليوم».

أعلى سلالم أحد منافذ بيع حلاوة المولد، انهمكت أم سمر فى تعبئة أقراص «الحمصية»، تنتظر موسم المولد النبوى، من أجل الحصول على يومية تصل إلى 60 جنيها، تشتغل فيها ثمانى ساعات، إلا أنها تراها أنها أفضل حالا من الشغل كخادمة فى البيوت.

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

وقالت: «دورى يقتصر على تعبئة أقراص الحلاوة وتغليفها، وأنا أشتغل طوال مدة الموسم فقط، وهى ثلاثة شهور، أنفق بها على أبنائى الثمانية، أما باقى شهور السنة أتنقل بين البيوت للعمل خادمة حتى أستطيع الإنفاق على أبنائى».

ونفى على رمضان، عامل داخل أحد المصانع، توفير المجمعات الاستهلاكية كيلو السكر مقابل 7 جنيهات فقط كما يُشاع، مؤكدا أن موظف المجمع يُجبره على شراء علبة جبنة أو برطمان صلصة فى حال رغبته شراء السكر، ليصل ثمن كيلو السكر 13 جنيها، وانتقد رمضان غياب الرقابة أحد أسباب أزمة السكر على حد قوله.

وقال: «غياب الرقابة دفع التجار إلى رفع الأسعار حسب أهوائهم، جميع المواد الخام ارتفعت 80%، جركن جوز الهند ارتفع من 280 إلى 800 جنيه، ومن يدفع ثمن الغلاء المواطن الذى لم يعد يستطيع مواكبة الغلاء والعامل البسيط بعد تسريح المئات منهم، لعدم قدرة صاحب العمل على دفع يوميتهم، فأنا راجل شغال موسمى فى حلويات مولد النبى من 25 سنة وباقى السنة بشتغل بدراعى، وماينفعش نغش فى المادة الخام للحلاوة، لأنى لو اشتريت سودانى مضروب فمضطر اشترى سكر بالغالى لأن البضاعة إن افتقدت الجودة مش هيقرب لها الزبون».

أمام أحد محال بيع حلاوة المولد، وقفت سيدة أربعينية تحمل فتاة صغيرة أعلى كتفها، على بعد خطوات من البائع الذى انشغل فى ترتيب العبوات المتراصة أمامه أعلى طاولة معدنية بالمحل، لم تتركها نظرة الاستحياء التى خفضّت من نبرة سؤالها وهى تهمس: «عاوزة نص كيلو حلاوة للعيال يا ابنى؟». رفع البائع رأسه لها، وقال: «كيلو الحلاوة بـ 45 جنيها»، فتمتمت العجوز بصوت منخفض، ورحلت فى صمت دون أن تفارق عين صغيرتها أكياس الحلاوة.

«خراب بيوت».. هكذا لخص أحمد حسين، صاحب محل حلويات بمدينة طنطا، حال أصحاب المحال قائلا: «إحنا بيوتنا هتتخرب خلاص، علينا ديون للتجار والبضاعة معروضة ومفيش زبون راضى يقرب، زمان كان ممكن الزبون يشترى 3 كيلو حلاوة لبيته ولأبنائه، دلوقتى حلاوة المولد أصبحت للفرجة فقط، والناس بتسأل على تمنها وتمشى بعدها من غير ما تشترى».

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

وتابع حسين: «فى مواد خام غليت بنسبة 100%، السكر السنة اللى فاتت كان 4200 جنيه للطن، دلوقتى وصل تمنه ما بين 13 و14 ألف جنيه، الفولية كان تمنها الموسم الماضى ما بين 28 و35 جنيها للكيلو، ارتفع ثمنها ليصل إلى 60 جنيها فى بعض المحال، نسبة الحضور للزبائن لا تتعدى 50% عن المواسم الماضية، والناس بتتطلب الحلاوة الشعبى عشان الأرخص».

وتساءل حسين: كيف يمكن أن أبيع رخيصا للزبون، فى الوقت الذى أشترى فيه المواد الخام بأسعار خيالية؟

قدوة بغيره من أصحاب محال الحلويات بمدينة طنطا، قرر محمود الجزار، الشاب الثلاثينى، الاستغناء عن مؤهله الدراسى للعمل بالتجارة مع والده، إلا أنه لم يكن يعلم أن هذا القرار قد يُكلفه الحبس سنوات طويلة، بسبب تراكم الديون عليه وملاحقة التجار له، قال الجزار: من أربع سنين كان عندى فى المصنع 112 عاملا، وكنت أمتلك 6 عربيات دبابة وكنا بنوزع فى الإسكندرية وطنطا، النهارده وبعد الارتفاع الجنونى فى الأسعار أصبح عندى 12 عاملا فقط واستغنيت عن 100 عامل ربنا وحده يعلم بحالهم، ولو استمر الوضع على الحال ده أنا هقفل المصنع وانضم لطابور العاطلين.

وتابع الجزار: «النهارده وصل سعر السكر 14 ألف جنيه للطن، وجوز الهند ارتفع سعره من 950 إلى 2400 جنيه للشيكارة التى تضم 50 كيلو جراما، حتى العلب الفارغة وصل سعر الكيلو 2 جنيه وربع بدلا من 80 قرشا، وشيكارة الدقيق ارتفعت من 90 جنيها إلى 205 جنيهات، أنا راجل منتج المفروض الحكومة تساندنى ومعدلات مصاريفى ثابتة، واضطريت الاستغناء عن أكثر من صنف، زمان لما كنت بحتاج طن سكر التاجر كان بيبعت 2 طن ويقولى ادفع الحساب براحتك، لكن دلوقتى أنا بقيت أتذلل للتاجر عشان طلبية السكر بفلوسى، ومش عارف الحال هيوصل بينا لفين».

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

وأكد الجزار أنه مهدد بدخول السجن بسبب تراكم الديون عليه، وهناك أحكام تؤخذ عليه دون علمه، وقال: «زمان صاحب المصنع كان له سمعته فى السوق، لكن دلوقتى توافر السيولة هو المتحكم الرئيسى، وتعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف خرب بيوت ناس كتير، وحاول الحصول على قرض من أحد البنوك رفضوا بحجة أن المصنع متعثر، طيب وسط الارتفاع الجنونى فى الأسعار لازم أكون متعثرا، فى فترة قصيرة حصل فجوة كبيرة بين الدولار والجنيه دون سابق إنذار، ولو استمر الوضع هيكون المكان الوحيد لأصحاب المصانع هو السجن».

«حلاوة المولد وصلت 500 جنيه.. ممكن نتفرج بـ 30 جنيها؟».. هكذا سخر رواد الفيس بوك من ارتفاع أسعار حلويات المولد النبوى، فيما وجه البعض دعوة لمقاطعتها تحت شعار «هنقاطع حلاوة المولد ونوفر لحاجة أهم»، وأشارت حنان عبدالحليم مؤسسة مجموعة «تعالوا نوفر»، إلى أن شراء حلاوة المولد بهذا السعر يعتبر مكافأة للتجار الذين تاجروا براحتنا وتسببوا فى أزمة السكر.

«المصرى اليوم» رصدت أسعار حلويات المولد من داخل مجموعة من المحلات، ووصل سعر العلبة داخل أحد المحلات الشهيرة 1200 جنيه.

قال أحمد عبد الرحيم، مواطن: «ارتفاع أسعار حلويات المولد تعدى 50%، ومش عارف نلاقيها منين ولا منين كل حاجة غليت، زمان الكل كان بيشترى الحلاوة حتى الفقير لكن دلوقتى بالأسعار دى مش هنقدر نشترى حاجة، وعشان ولادى ممكن أشترى بالقطعة لأنى مقدرش أشترى علبة كاملة».

حلاوة المولد داخل مصانع طنطا

وقفت ثريا محجوب، السيدة الأربعينية، توجه الانتقادات إلى أحد العاملين بسبب ارتفاع سعر حلاوة المولد، فيما صرخ العامل فى وجهها قائلا «ما تروحى تشتكى للحكومة اللى منعت السكر بدل ما تتخانقى معانا»، وقالت ثريا: «العلبة اللى كنت بشتريها بـ 200 جنيه السنة اللى فاتت، المحلات بتبيعها بـ 450 جنيها، حرام والله ولادنا يشوفوا الحلاوة وإحنا منعرفش نشتريها، إحنا موظفين وبنقبض، طيب الغلبان يعيش إزاى بالأسعار دى».

داخل أحد محلات عُرض صندوق خشبى يحتوى على «حلاوة المولد» مكتوب عليها سعر 2200 جنيه و1400، سخر محمود رضوان، من ارتفاع الأسعار وتساءل: «طيب واللى عاوز يشترى الحلاوة من غير العلبة يبقى السعر بكام؟»، وتابع: «الحكومة بترفع الأسعار والتاجر يعوض خسارته برفع الأسعار فى الحال، وكل ده بيحصل والمواطن واقف بيتفرج وياريت فى الآخر فيه رقابة من الدولة على الأسعار، إحنا بقينا عايشين فى غابة الكل عاوز يسرق التانى».

وارتفع ملبن جيلى عين جمل من 80 جنيهًا العام الماضى إلى 100جنيه، وملبن رش فول وزبيب من 40 جنيهًا إلى 44 جنيهًا، وملبن رش بندق ولوز من 66 جنيها إلى 76 جنيهًا، والعلف فولية من 40 جنيهًا إلى 42 جنيهًا، والعلف سمسمية من 40 جنيهًا إلى 42 جنيهًا، والعلف حمصية من 40 جنيهًا إلى 42 جنيهًا، وقرص الحمصية من 5 إلى 6 جنيهات، وتزايد سعر قرص الفولية والسمسمية من 5 فى العام الماضى إلى 6 جنيهات للحالى، وقرص مخصوص بالمكسرات من 35 جنيها إلى 45 جنيها، والشكلمة من 50 جنيهًا إلى 60 جنيهًا، والنوجا من 32 جنيها إلى 38 جنيهًا.

من جانبه حذر علاء البهى، الرئيس السابق للمجلس التصديرى للصناعات الغذائية، من تأثير أزمة السكر على الاستثمار والاقتصاد فى مصر، حتى الداخلى منها لأن جميع مصانع المواد الغذائية تستخدم السكر فى صناعاتها، وتسببت أزمة السكر فى توقف آلاف الأطنان بشكل فجائى، ووضع حراسة على المخازن يمثل كارثة، لأنه من الطبيعى أن يكون هناك مخزون من السكر فى تلك المصانع، لذلك لابد من استعلام الحملات الرقابية على معدل استهلاك المصانع ومقارنتها بالموجود فى المخازن قبل البدء فى خطوات مصادرة السكر، خاصة أن الأزمة لم تعد تمثل قلقا كبيرا على الاستثمار الأجنبى فقط وإنما المصرى أيضا».

وتابع البهى: «مصر تنتج 2 مليون طن من السكر سنويا، وتستهلك 3 ملايين طن، ومعدل متوسط استهلاك الفرد من السكر 33 كيلو فى السنة يستخدمها على هيئة صناعة الحلويات أو تحلية المشروبات فى المنزل، بينما معدل متوسط استهلاك الفرد من السكر فى عدد من دول العالم من 8 إلى 14 كيلو سكر فى السنة لأن المواطن المصرى يستهلك السكر بشكل أكبر من احتياجاته».

وحول شن حملات على مصانع المواد الغذائية، قال البهى: «يجب على حملات الرقابة أن تستوضح فى بادئ الأمر معدل استهلاك المصانع ومقارنتها بالموجود فى المخازن، وقبل البدء فى خطوات المصادرة ووضع حراسة لأنه من الطبيعى وجود سكر داخل مصانع الحلويات والمواد الغذائية».

وأشار البهى إلى أن السكر مثل باقى السلع المدعمة يتم تهريبه عن طريق البر والبحر، فهناك مافيا من مندوبى التموين تُهرب السكر إلى السودان عن طريق الحدود الجنوبية، لذلك لابد من إلغاء الدعم العينى وتحويله إلى دعم نقدى للفئات الفقيرة ومحدودى الدخل لأن 60% ممن يصل لهم الدعم فى غير حاجة له، لابد من أخذ قرار حاسم لحل المشكلة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية