ذكر المؤشر العالمى للفتوى الصادر عن دار الإفتاء المصرية فى تعليقه على الهجوم الإرهابى الغاشم على مجموعة من المصريين الأقباط بالمنيا، أمس، أن الفتوى تُعد أهم سلاح للتنظيمات الإرهابية تُشهره فى وجه المخالفين لهم، ليس فى الرأى فقط؛ بل فى العقيدة أيضًا، والذى يرون دائمًا أن الحل الوحيد لهذا المخالف هو القتل، ما يبرر قتلهم للمسلمين والمسيحيين على السواء.
وأظهر المؤشر العالمى للفتوى للعام الحالى، أن 60% من الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين على مستوى العالم صدرت من قبل جهات وشخصيات غير رسمية، و95% من جملتها مضطربة، نظرًا لأنها صدرت عن جهات لا تمتلك منهجًا علميًّا منضبطًا، وأن القائمين عليها غير مؤهلين ولا متسلحين بالعلم الشرعى، لافتًا إلى أن 30% من جملة فتاوى «داعش» صدرت بحق المسيحيين، وأن 100% من جملة أحكام هذه الفتاوى تحض على العنف ضد المسيحيين، حيث دأب التنظيم على إصدار الفتاوى المفخخة والتى تحض على قتالهم، كان من أبرزها فتوى اعتبارهم ليسوا أهل ذمة؛ وبالتالى يجب قتالهم وهدم كنائسهم وعدم ترميمها، وعدم توليهم مناصب داخل الدولة، وتكفير الحاكم الذى لا ينفذ هذه الأمور.
وأضاف المؤشر، الذى تصدره وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء، أن هذا يبرر الجريمة النكراء التى أعلن التنظيم مسؤوليته عن ارتكابها مؤخرًا بالمنيا، ويبرز عقيدة هذا التنظيم الملوثة بدماء الأبرياء، وأن مُنظرى التنظيم قد أسَّسوا لما يُسمى فقه الدماء، فأبو عبدالمهاجر فى كتابه «مسائل فى فقه الجهاد» قال: «إن قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصود؛ بل محبب إلى الله ورسوله»، وقال أبو بكر ناجى فى كتابه «إدارة التوحش»: «نحتاج إلى القتل ونحتاج لأن نفعل كما حدث مع بنى قريظة، فلا بد من اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب تتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب»، فى إشارة إلى قتل المخالفين معهم فى العقيدة.
وتوصل المؤشر إلى أن الأحكام الشرعية التى كانت تسيطر على فتاوى المتشددين ضد المسيحيين، كانت تدور حول (حرام – كفر – غير جائز – واجب) حيث جاء حكم (تحريم) التعامل معهم فى جميع المعاملات بنسبة 50% من جملة الفتاوى المتشددة على مستوى العالم، تلاه الحكم بـ(الكفر) بنسبة 20%، و20% غير جائز، و10% واجب، مشيرًا إلى أن أحكام (الحرام والتكفير وعدم الجواز) تمثل 90% من جملة الأحكام الصادرة فى الفتاوى بحق المسيحيين، والتى كان مدارها على حرمة التعامل والحض على الكراهية والعنف ضد المسيحيين، ما يبيّن الخلل الذى أصاب عقلية مُصدّرى هذه الفتاوى، واضطراب فهمهم للنصوص الشرعية، وتوصيفهم الخاطئ للوقائع، وتطبيقهم الخطأ للقواعد الفقهية، وبالتالى فى ظل هذا الاضطراب تخرج الفتوى مشوهة وقاتلة ومغلفة بالدماء.
وأوضح مؤشر الفتوى - الذى أطلقته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم- استحواذ فتاوى العبادات والمعاملات على 55% من الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين، تلاها فتاوى الشؤون والعادات التى شكّلت 15%، وكان من أبرز الفتاوى التى تسببت فى تأجيج الصراع والفتنة «تحريم قبول هدايا النصارى فى أيام عيدهم»، و«تحريم تهنئتهم بعيدهم» و«تحريم الأذان داخل الكنيسة»، و«النهى عن توصيل نصرانى للكنيسة بالسيارة أو مساعدته»، و«النهى عن ترديد شعار الوحدة الوطنية الهلال والصليب» وغيرها.
وفنَّد المؤشر القواعد الفقهية التى يعتمد عليها المتشددون فى إصدار فتاوى غير منضبطة ومفخخة، والتى كان من أبرزها قاعدة «الولاء والبراء» وهى القاعدة الأساسية فى المنهجية التكفيرية، وقاعدة «تقسيم الناس إلى فسطاطين، الحق والباطل» وهى القاعدة التى نهى بها البعض عن التعامل بأى شكل من الأشكال مع غير المسلمين. وأوصى المؤشر بتوسيع دائرة الانضباط الفقهى، وإنشاء نوافذ إعلامية بصورة أكبر للحديث عن الآيات القرآنية الخاصة بالجزية والتعامل مع غير المسلمين، وتبيان بعض الإشكاليات الفقهية التى تثير اللغط والمفاهيم الكلاسيكية الخاطئة، مثل المفهوم الصحيح للجهاد، وفكرة التعايش بين المجتمع المسلم وغيره، ومراعاة الحال والمآل فى ضبط التعامل مع الآخر، فضلًا عن تنقية كتب التراث من مثل تلك الفتاوى والأحكام التى يتخذها البعض ذريعة لبعض الأفعال الإرهابية.