x

رحيل محمد صبري.. انتهَت رحلة «نجيب محفوظ الباستيل المصري»

الثلاثاء 30-10-2018 15:08 | كتب: نورهان مصطفى |
أحد لوحات الفنان محمد صبري
أحد لوحات الفنان محمد صبري تصوير : آخرون

في بدايات 1917، ولد محمد صبري بمنطقة الفرنساوي، وسط حي بولاق الشعبيّ القاهري العتيق، لأسرة تُعتبر خليطا للأسرة المصريّة المتوسطة، إذ ينتمي لعائلة من الموظفين والتجار المتعلمين، وبدأ تعليمه في في المدارس الحكومية، وبدأت علاقته بفن التصوير في الرسم بالمدرسة، اكتشفهُ حينها مدرس الرسم وقدّمه حينها إلى «الناظر»، الذي احتفى به وعلّق رسومه على جدران المدرسة، فأدرك الصبي حينها أن لديه موهبة كبيرة.

التحق «صبري» بكلية الفنون التطبيقية، وحصل على دبلوم التصوير، وتصدّر ترتيب دفعته عام 1937، وعمل بعدها رسامًا مصورًا في متحف التعليم، ثم قدّم أول معرض له عام 1943، والتحق بعدها بمرسم الأقصر، وفقًا لما ورد عنهُ في كتاب «مفكرون من عصرنا».

وعندما أنشأ طه حسين، وزير المعارف حينها، معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، أوفَد «صبري» في بعثة دراسية، ثم التحق بعدها بكلية سان فرناندو، إذ درس التصوير والنحت هُناك، وحصل على شهاد الأستاذية.

ونظرًا لحُبه ونبوغه في إسبانيا، تلّقى «صبري» دعوة لإقامة معرضه عام 1967، ضمنْ صالون الخريف الثامن والثلاثين في مدريد، المُقام في حديقة «روتيرو» بقصر فلاسكيز، وكان السفر وقتها متوقفًا، نظرًا للأحداث في بمصر آنذاك، وحينما علم المسؤولون في مصر بأنها دعوة رسمية صدر قرار جمهوري بالسفر، ومثل صبري بلده وعرض أعماله في قاعة الشرف، وافتتح المعرض ملك إسبانيا وسفير مصر في مدريد.

في الحوارات الصحفيّة التي أُجريت معهُ، قال «صبري» إن فن الباستيل أعطاه قوة اللون ونصاعتهُ وشفافيته، وهي صفات صعبة في الألوان الزيتيّة «المعتمة»، مضيفًا أن: «خامة الزمان والمكان معًا.. لمسة الضوء من لون الباستيل تُحدد الزمن، ولمسة اللون تُحدد الأشكال وتُصبح لمسة المكان».

نظرًا لارتباطهُ وتأثره بالمكان، كان «صبري» يقضي الشتاء في الأقصر، بينما الصيف داخل منزله في خوش قدم بالقاهرة الفاطمية، لذا جاءت لوحاته مُتأثرة بشوارع بمصر القديمة، جامع جوهر، وجامع سيدى أبوحجاج، وجامع بيبرس، باب زويلة ومجموعة من الشوارع المتفردة فى بصمتها مثل الجمالية، والغورية والحمزاوى الصغير وشارع تحت الربع وغيرها، كما أن لهُ لوحات تخص الزعيم الراحل، جمال عبدالناصر.

أرخّ «صبري» أيضًا بلوحاته لأهم الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر مثل لوحة «معركة بورسعيد» 1956 وهي من مقتنيات متحف الفن الحديث، ولوحة «السد العالي» عام 1966 وهي من مقتنيات مجلس السوفيت الأعلى في روسيا، ولوحة «العبور العظيم» عام 1973 وهي من مقتنيات متحف قصر عابدين.

يُعد «صبري» واحدًا من أكبر فناني العالم القلائل الذين تخصّصوا في استخدام الباستيل، وهو مصوّر «القاهرة» العتيقة، وآثار الحضارة بالأندلس الأكبر، والذي بفضل تطويره لألوان الباستيل الهشّة في تصوير المناظر الحضرية والخلاوية، مستحضرًا طبيعة الضوء وآثار الزمن، أصبح آخر وأكبر مؤسس اتجاه فريد من التيار التأثيري العالمي، والذي يُعرفه النقاد ومؤرخو الفن التشكيلي الحديث بـ«التأثيرية، الواقعية».

غير أن إبداعه في تصوير معالم وأحياء القاهرة العتيقة، إذ تدور أحداث غالبية أعمال نجيب محفوظ الروائية والقصصية، جهل نقاد ومؤرخي الفن التشكيلي المعاصرين في مصر والعالم، يقارنون إبداعات محمد صبري في التصوير بالباستيل بإبداعات نجيب محفوظ الأدبية والرواية والقصة باللغة المكتوبة، إذ وصفهُ محمد إبراهيم وصدقي الجباخنجي بأنه: «نجيب محفوظ التصوير المصري»، لأنه أثر بقوة في الحركة التشكيلية العالمية المعاصرة، وخاصة في أوروبا الغربية والشرقية على السواء، الأمر الذي يعكسه كثرة الجوائز التي أخذها من هناك، وكثرة ما نُشر عنهُ في المصادر الأوربية المعتمد.

نال «صبري» وسام الاستحقاق من درجة فارس من الحكومة الإسبانية عام1961، ووسام الملكة إيزابيل من ملك إسبانيا عام 1988، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون من مصر عام 1997.

وأقامت كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان معرضا لأعماله في2017 بمناسبة مئوية ميلاده، وهو المعرض الذي لم يستطع حضوره لأسباب صحية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية