x

«المصري اليوم» في جولة على مراكز «غسيل الكلى» بالقاهرة.. زحام وروائح كريهة وقلة نظافة

الثلاثاء 18-09-2018 20:43 | كتب: آلاء عثمان, مي هشام, مصطفى حسني |
متابعة وحدات الغسيل الكلوي بمدينة دسوق في كفر الشيخ متابعة وحدات الغسيل الكلوي بمدينة دسوق في كفر الشيخ تصوير : آخرون

في قلب القاهرة، بقع صرح طبي متباعد الأطراف، يخدم يوميًا مئات المرضى يقصدونه من أنحاء شتى في الجمهورية يتطلعون إلى تلقي خدمة علاجية فعالة تناسب إمكانياتهم المادية البسيطة، وتحد مما يعانون منه من آلام مبرحة أو تنهي رحلة البحث عن تشخيص صحيح لمرض عضال.

هنا مستشفيات القصر العيني، حيث تتشابه وجوه الزوار في إنهاكها البادي وضيقها من الانتظار للعثور على مخرجٍ آمن وأكيد من الاعتلال، بعض هؤلاء لا يبرحون أسوار المستشفى لفترات مطولة، يخضعون خلالها للعلاج داخل أقسام المستشفى الداخلية، ويتلقون خدماتها الصحية المختلفة، ومن بينها خدمات «غسيل الكُلى».

«المصري اليوم» أجرت جولة في مستشفيات قصر العيني، ورصدت أحوال المواطنين أمام وحدات «الغسيل الكلوي» وتعرفت على جل مخاوفهم بشأن إجراء طبي ضروري تصدر عناوين الصحف مؤخرًا بعدما فقد عدد من المواطنين حيواتهم أثناء القيام به في مستشفى «ديرب نجم» بمحافظة الشرقية الأسبوع الماضي.

لا يمكن العثور على وحدات «الغسيل الكلوي» في مستشفى القصر العيني القديم بيسر، إذ تغيب اللوحات الإرشادية عن أغلب طرقات المشفى، ولا يمكن الاستدلال على موضع الوحدة سوا بسؤال المارة أو أحد الممرضين والممرضات أثناء انتقالهم بين القاعة والأخرى في خطوات سريعة، نحصل في النهاية على وصفة مُحددة تأخذنا إلى الطابق الرابع من مبنى مخصص لأمراض الباطنة، نصعد الدرج بحذر، إذ أن عشرات من الأفراد يجلسون إلى الدرجات المختلفة في انتظار ذويهم بحجرة عمليات أو يتلقون علاج بعينه، يبدو المشهد أكثر هدوءًا في الطابق الرابع، فعدد المتواجدين في طرقة الانتظار الضيقة محدود، بعض من المرضى يرقدون إلى «دِكك خشبية» بسيطة، سكنت بعضها خيوط العنكبوت، بينما تتدلى سؤال طبية من حوامل حديدية إلى أيديهم المرتعشة.

غسيل كلوي

يختلف المشهد تمامًا في مستشفى القصر الجديد، أو ما يُعرف بالقصر الفرنساوي، إذ بمجرد دخولك من الباب الرئيسي، يمكنك مطالعة لافتة كبيرة إلى جوار المصعد، تحدد الأقسام المتواجدة بكل دور من أدوار المبنى ال9، في الدور الثاني حيث تقع وحدة غسيل الكُلى يمكنك الوصول إليها بالاهتداء للوحات الإرشادية، فيما يشمل المكان هدوء شديد، بين الأروقة والقاعات، فلا يوجد تكدس لذوي المرضى على الدرج، كذلك الحوائط مطلية منمقة، تغيب هنا الأوساخ أو الأتربة، بينما يحتل مكتب استقبال به عدد من الممرضات مفترق الأروقة، يمكن التقدم إليهم للاستفسار على التفاصيل.

تجلس «هند» إلى أحد «الدكك» الخشبية أمام وحدة الغسيل الكلوي بالقصر القديم، بينما تتمدد والدتها على الجزء المتبقي من الدكة وتستند برأسها إلى ابنتها التي تبدو على درجة كبيرة من الحزن، إلا أنها تحاول التخفيف عن والدتها العجوز كلما تعالى صوتها الواهن قائلة: «يا رب حوش عني»، تنتظر «هند» ووالدتها ظهور نتيجة التحاليل المطلوبة قبل الدخول لتلقي جلسة غسيل كلوي، وهي الجلسة السادسة فقط في مشوار السيدة المُسنة العلاجي، بعد أن اكتُشف خلل وظائف الكلى لديها في محافظة الزقازيق.

انتقلت الأسرة لمحاولة علاج الوالدة بالعاصمة، تقول «هند»: «في الأول في الزقازيق كانت بتغسل الجلسة ب 100 جنيه، لكن من ساعة ما جينا القاهرة وإحنا بنصرف، المستشفى طلب مننا دعامة وقسطرة، ومصاريفنا وصلت إلى 1500 جنيه يعني اتدمرنا في أسبوعين»، ترتفع تكاليف العلاج بالعاصمة عند قدرة الأسرة عن السداد، إلا أن «هند» تبرز رضاها عما تلقت والدتها من خدمة علاجية في قسم الاستقبال بالمستشفى فتقول:«هنا في القصر القديم الاستقبال كويس، بيهتموا بالعيان ويفضلوا معاه ويطمنوا على حالته كل شوية»، تخشى الشابة رغم ذلك ألا تتعافى والدتها بعد عملية جراحية مرتقبة، وتظل في حاجة دائمة لتكرار جلسات الغسيل الكلوي المنهكة جسديًا: «اللي بنتمناه من ربنا متحتاجش تغسل تاني».

يواجه عبدالحفيظ أزمة أخرى، بالرغم من أنه ينتظر أن تنتهي زوجته من جلسة غسيل الكلى خاصتها بالوحدة ذاتها، إذ أن زوجته بدأت تتماثل للشفاء بعد فترة تلقي علاج داخلي بالمستشفى استمرت لشهر كامل، ما يتعين عليه أن يصحبها للعودة لمنزلهم بالبراجيل، مع الالتزام بحضورها جلسات غسيل الكُلى بمركز في ميدان الجيزة حسبما يحدد:«أنا راجل على باب الله، فلاح، لكن ببيع عيش وبسترزق اليوم بيومه، إزاي هقدر أوديها كل يومين ميدان الجيزة وأرجعها، دي عاوزالها 100 جنيه تاكسي رايح راجع»، يؤكد الكهل أن فترة الإقامة للعلاج بالقصر العيني لم تكلفه ماديًا، بل وجد فيها الرعاية العناية الملائمة، فيما يتوقع أن يعجز عن توفير تكاليف العلاج خارج غطاء المستشفى، محددًا أنه علم عن أسعار بعض الأماكن التي تقدم خدمات الغسيل الكُلوي بالخارج فوجد أنا أسعارها تتراوح ما بين 120 و180 جُنيه، وهو مايفوق قدرته المادية.

يأمل «عبدالحفيظ» أن تتوافر مراكز حكومية للغسيل الكلوي بكثافة أكبر بالقرب من البراجيل، خاصة أنه يخشى أن تذهب زوجته للغسيل بمركز متواضع يتوافد عليه الكثير من المواطنيين:«المراكز الزحمة أنا بخاف منها، ممكن يتنقلها مرض، أحنا لسه سامعين 5 في الشرقية ماتوا من يومين، وأنا مقدرش عشرة 45 سنة تموت قدامي».

غسيل كلوي

على مقاعد الانتظار يجلس العشرات من المرضى في انتظار دورهم على داخل المعهد القومي للكلى والمسالك البولية بالمطرية، وعلى في مشهد يتكرر كل ساعة يتردد فيها المرضي على المعهد للاستفسار عن الأماكن المتاحة داخل وحدة الغسيل الكلوي، فيكون الرد عادة بجملة «في تكدس شديد في المستشفى ومفيش أماكن في الوحدات في الوقت الحالي»لو معاك واسطة يخلقوا ليك مكان«.

صفاء عبدالحميد مريضة فشل كلوي تتردد على معهد الكلي بالمطرية لإجراء جلسة الغسيل الكلوي، تبدأ يومها من الساعة الرابعة فجرا في رحلة البحث عن جهاز للغسيل الكلوي وحجز دورها داخل المعهد للحصول على حقها في جلسة الغسيل الكلوي التي بدونها قد تفقد حياتها في أيام معدودة.

منذ عامين وتعاني صفاء من الفشل الكلوي ومنذ هذا التاريخ وبدأت معاناتها في البحث عن مكان مناسب ونظيف للحصول على جلسة الغسيل الكلوي، قالت صفاء«أخدت كعب دائر في المستشفيات بسبب أن مفيش سراير فاضية، ده غير إن مستوى النظافة مش قد كدة».

قلة عدد أجهزة الغسيل الكلوي والانتظار لساعات طويلة بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالنظافة هي أبرز أسباب معاناة صفاء اليومية في الحصول على جلسة الغسيل، ففي أحد الأيام رفضت إجراء جلسة الغسيل الكلوي بسبب انبعاث رائحة كريهة من داخل وحدة الغسيل والمجاري، عن ذلك قالت «أسوأ موقف حدث ليا كنت منتظرة موعد الغسيل تفاجأت إن الغرفة فيها رائحة كريهة، والمجاري طفحت جنب الأجهزة، ورفضت طبعا إجراء الغسيل في اليوم ده».

تعاني صفاء من عادة من نقص الأدوية داخل المستشفيات قائلا «بقالهم فترة كل ما أحاول أصرف الدواء عادة يكون ناقص»ضيق ذات اليد اضطر صفاء إلى العلاج على نفقة الدولة بسبب عدم وجود دخل ثابت لأسرتها.

على بعد خطوات من صفاء يجلس صبحي عبدالله على كرسي متحرك الذي يعاني من فشل الكلوي من خمسة سنوات ويعاني من عدم توافر مكان لإجراء الغسيل داخل المعهد فقال عن ذلك «في البداية أول 3 جلسات غسيل كانت هنا في المستشفى بعد كدا قالوا مفيش مكان حاليًا ممكن تروح مستشفى المطرية».

وفقا للجمعية المصرية للكلى أن 25 من ‏مرضي الفشل الكلوي في مصر يموتون سنويا في حين لا تتجاوز النسبة العالمية للوفاة بهذا المرض‏10%‏، وذكرت الإحصائية أن مصر بها‏460‏ مركزا خاصًا وحكوميًا‏، ‏وأن المراكز التي خضعت للإحصائية ‏86‏ مركزا فقط يوجد بها حوالي ‏3581‏ مريضًا، علمًا أن عدد مرضي الفشل الكلوي في مصر غير محدد وأن ‏50 ألفا منهم يقومون بعمليات الغسيل فيما يخضع للفحص أعداد مضاعفة لهذا الرقم ‏. ‏

تشير الإحصائية إلى أن معظم مرضي الكلي في مصر دون سن ال‏50‏ عاما في دلالة واضحة على تردي الرعاية الصحية فيما تنحصر الإصابة في الدول الأوروبية بين سن‏70‏ و‏80‏ عامًا‏. ‏

وتصل نسبة الإناث المصابات بالمرض إلي‏55%‏ مقابل‏45%‏ للذكور وتنحصر أسباب الإصابة بالمرض في ارتفاع ضغط الدم وهو المسؤول عن‏36%‏ من إجمالي الإصابات مقابل‏13، 5%‏ لمرضي السكر ونحو‏80%‏ للالتهابات الصناعية بالكلي و‏6%‏ لانسداد المسالك البولية فيما لا يعرف أسباب إصابة نسبة ال‏15%‏ المتبقية‏.

غسيل كلوي

ليس من العسير تبيُن موضع وحدة الغسيل الكلوي والوصول إليها بمُجرد الدخول إلى مستشفى هليوبوليس بمنطقة مصر الجديدة، فوحدة الغسيل هي أول مايجابه المرضى إلى اليسار من باب المستشفى.

«لا يُسمح الدخول لوحدة الغسيل الكلوي إلا للمريض والطبيب فقط»، بهذه الكلمات تُحكم إدارة مُستشفى هليوبوليس النظام وسلامة عملية الغسيل الكلوي في وحدتها التي تُعد مقصدًا لمئات المرضى المُحتاجين في نطاق مصر الجديدة، وذلك بعد إغلاق وهدم وحدات الغسيل الكلوي في مستشفى منشية البكري العام منذ 2017، على خلفية رصد العديد من المخالفات الطبية في الوحدة من قبل الرقابة الإدارية، وإحالة المرضى لوحدة الغسيل بهيليوبوليس.

أمام الوحدة اصطف ذوي مرضى محدودين، انتظارًا لانتهاء جلسة الغسيل، التي تدوم على مدار 3 ساعات في الفترة الصباحية. أم يحيي، سيدة خمسينية، تجلس في انتظار ابنها أمام الوحدة، بينما تُمضي وقت الانتظار في إنهاء وِرد قرآني، تتقرب به إلى الله أن يمد في عُمر ابنها، الذي يبلُغ من العُمر 36 عامًا، ويغسل كليته العليلة منذ خمسة أعوام. «بدأ ابني في الغسيل من 5 سنين، ومن ساعتها واحنا بنتنقّل من مستشفى لمستشفى، بدأنا بمستشفى المطرية العام، وبعديه مركز خيري في عين شمس، وبعدين مستشفى الدعاة، وبقالنا سنتين بنغسل في مستشفى هليوبوليس»، تقول أم يحيى، فيما تؤكِد أن الخدمة بالمستشفى لا بأس بها بالمقارنة بالعديد من المراكز التي ترددت عليها على مدار مشوار مرض ابنها.

بحسب أم يحيى، لا يُعاني المُترددون على وحدة الكلى بمُستشفى هيليوبوليس كثيرًا، سوى في الازدحام، أو صعوبة تجديد قرارات العلاج، للمرضى الذي يُعالجون على نفقة الدولة، حيث تقول «ابني بيتعالج بقرار، طبعًا أنا وديته يغسل مرتين في مستشفى الدعاة بالفلوس مقدرتش على 3 جلسات في الأسبوع، لأنه أرزقي ومعندوش تأمين وشايل رجله»، أما فيما يخص الازدحام، فإن إدارة المستشفى تتعامل معه عن طريق إضافة فترة رابعة مسائية للغسيل، علاوة على الفترات الثلاثة الأساسية لاستيعاب العجز، من ناحية أخرى، تؤكد أم يحيى أن المستشفى توفر رعاية صحية متكاملة لا تقتصر على غسيل الكُلى فحسب، وهو ما تفتقره مستشفيات أخرى من التي ترددت عليها «ابني أحيانًا بيجيله تشنجات أثناء الغسيل بسبب كهرباء زيادة على المُخ، فبيدخل عناية مركزة هنا ويغسل فيها، في مستشفيات تانية مش موجود ده».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية