x

مَنْ ينتصر في معركة ترامب والاعلام الأمريكي؟ (تحليل)

الأحد 16-09-2018 21:50 | كتب: بوابة الاخبار |
ترامب - صورة أرشيفية ترامب - صورة أرشيفية تصوير : اخبار

انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 8 نوفمبر 2016 أحدث اهتزازاً في كل المؤسسات الأمريكية كالكونجرس والإعلام وحتى الناخبين أنفسهم، فصار الكل يعيد تعريف الحقائق المسلَّم بها.

يظل كل حاكم شاء أم آبى مرتبطاً بالجهة المنوط بها محاسبته، وهي الإعلام. وفي أمريكا تملك كل وسيلة إعلام توجهها الخاص، سواء كانت يمينية، أو يسارية أو وسطية.

يجادل البعض بأن وصول ترامب إلى السلطة كان ممكناً بفضل الثنائية الآتية: انفعالات ناخبي ترامب في مقابل وسائل الإعلام التي في الغالب صارت مصباً لتلك الانفعالات.

وشاع الاعتقاد بين هؤلاء الناس بأن الصحفيين القائمين بمهمتهم في محاسبة المرشحين كانوا في الواقع يعملون ضد المواطن البسيط، متجاهلين هموم الأمريكيين خارج المدن المعروفة بدعمها للديمقراطيين. في المقابل كان المرشح ترامب، يستغل هذا الشعور، مكررًا التعبير «الإعلام الكاذب» كإحدى الدعائم الأساسية لخطبه الانتخابية.

يجب عدم التقليل من وسائل الإعلام الأمريكية فإنها جهة رقابية أمكنها سابقاً إزاحة الرئيس نيكسون الذي أُجبر على التنحي في 1974 بفضل عمل صحافي دؤوب. كان الصحافي الأمريكي بوب ودورز أجرى تحقيقات كشفت تجسس نيكسون على اجتماعات الديموقراطيين فيما عرف ب«فضيحة ووترجيت». يقول الدكتور سمير غطاس، نائب في البرلمان ورئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إن الإعلام في الولايات المتحدة «ذو منزلة قوية»، فيمكنه فعلاً إزاحة رؤساء إلا أنهم عاجزون عن إزاحة ترامب وحدهم فالشيء الوحيد الذي قد ننتظره هنا هي انتخابات نصف الولاية أوائلَ نوفمبر المقبل، فإنها قد تغير ميزان قوة الحزبين في الكونجرس.

مع ذلك، التوتر الموجود في وسائل الإعلام سابق لدخول ترامب المجال السياسي، فوفقاً لتحليل «غطاس»، الصراع في عالم الإعلام هو أساساً الصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

ليس كل الإعلاميين ضد ترامب. فهناك «فوكس نيوز» المائلة لليمين إيديولوجياً، حيث يجد ترامب ملجأه الآمن مدلياً لها بحوارات عديدة؛ يقول الدكتور محمد السعيد إدريس، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إن هناك نوعين من الإعلام في الولايات المتحدة، المؤيد والمعارض لترامب وذلك كله في ظل سلوك ترامب الذي يُبيِّن أنه ليس على مستوى منصبه، فالعالم الخارجي يتعامل معه على أنه باقٍ في منصبه فترةً محدودةً.

وسائل الإعلام في أمريكا لا تبقى بعيداً عن فرضيات بديلة لسبب فوز مرشح أو آخر. وقُدَّمت للمشاهد الأمريكي نشرات يومية تفصّل تطورات التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ويجوز لكلينتون الاعتماد على أنصارها في عالم الإعلام فوفقاً للدكتور «سعيد»، تؤمن وسائل الإعلام المعارضة لترامب أن هيلاري كلينتون هي الفائزة في الانتخابات الأخيرة، وأن الروس أسهموا في فوز ترامب.

المفارقة هنا أن الاتهام بالتحيز أصاب الإعلام من جميع الأطراف، فحتى هيلاري كلينتون اتهمت الصحفيين مراراً بالتركيز الزائد على الجدال الذي قام حول «سيرفير الايميل» الخاص بها، وتهورها في استعماله. إذن التهجم على الصحافة ليس بشيء جديد بل يستخدمه سياسيون كثيرون، وإن خلا القانون الأمريكي من طرقٍ لعقاب الإعلام الذي لا يروق لأحد. نجد كلينتون نفسها قد حذرت من «الاعلام الزائف» كما يلي:



هنا، رأى النقاد أن كلينتون ذات وجهين، فرغم أنها تنصب نفسها نصيراً لحرية التعبير، لكن عندما جاءت نتيجة الانتخابات على غير رجائها، بدأت تظهر اهتماماً بخلو المجال العام من أي محاولة كاذبة للتأثير في آراء الناخبين من طرف الروس، وهو الموضوع الذي لم يولِهِ أوباما اهتماماً كافيا قبل الانتخابات، ظناً منه أن كلينتون ستفوز، وأن إثارة قضية روسيا مبكراً قد يقلل من شرعيتها.

تغيرت العلاقة بين ترامب والإعلاميين أكثر بعد انتخابه رئيساً. الآن، فوض الشعب الصحفيين مهمة الإشراف على الرئيس بل يراهم البعض كحماة للبلاد من تهور ترامب المزعوم. جاءت المناوشة الأولى في المؤتمر الصحفي الذي أقامه المتحدث باسم البيت الأبيض آنذاك «شون سبايسر»، فثار الجدال حول عدد حضور مراسم تنصيب ترامب في 20 يناير 2017:

انعكست الأجواء المتغيرة أيضاً على اللغة، فأصبح مصطلح «Fake News» من أكثر المصطلحات التي يبحث عنها الناس خلالَ رئاسة ترامب. العبارة المستخدمة حينها على نطاق محدود أصبحت الآن على لسان الجميع. وبات سهلاً جداً أن يوصف الخبر بالزيف لمجرد أنه يخالف عقيدة القاريء السياسية.

ثار جدال أيضا حول استخدام كلمة «الحقيقة» نفسها. ظهرت مستشارة ترامب، «كليان كونواي»، في حوار تلفزيوني في العام الماضي قالت فيه، رداً على سؤال المحاوِر، إنها تملك «حقائق بديلة، فاعترض عليها المذيع قائلاً إن الحقائق البديلة ليست حقائق»:

لكن المجال لإعادة تعريف الحقائق ضيق جداً، فالدكتور «سعيد» مدرك أن وسائل الإعلام في أمريكا قد تضخِّم بعض المواضيع في أحيانٍ، ولكن في آخر المطاف الإعلام لا يخلق حقائق وإنما ينشرها فقط. ويضيف: «مشكلة وسائل الإعلام المؤيدة لترامب أنها تركز على البحث عن الحقائق التي تخدمه، فهو يريد إعلاماً يصفق له، وهذا ليس دور الإعلام».

التهجم على الصحافة قد لا يأتي في الكلام فحسب بل أيضاً في الواقع. منذ أشهر، هاجم إرهابي مكتب صحيفة في مدينة أنابوليس في ولاية ماريلاند الأمريكية، ما أسفر عن مقتل خمسة صحفيين. عقب ذلك، كان يُشار بإصبع اللوم إلى ترامب، باعتباره المسؤول عن خلق أجواء معادية للصحافة فيكفي مريض نفسي واحد في بلد ملئ بالأسلحة لحدوث مأساة. في حوار مع شبكة «سي إن إن»، يلقي تيري سميث، كاتب عمود مساهم في الجريدة التي تعرضت للهجوم، اللوم على الجو المعادي للصحافة، معيداً أن الصحفيين «ليسو عدو الشعب، بل هم من الشعب»:

كذلك يحذر ناشرٌ من جريدة «نيويورك تايمز» من أخطار أبعد أثراً على الصحفيين، كما ورد على موقع «فرانس ٢٤»:

ويُعتقد أن لهجة ترامب قد تشجع الهجوم على الصحفيين حول العالم، فالقادة مثل «دوتيرتي» في الفليبين صاروا يستخدمون عبارة «الأخبار المزيفة» كي ينتقصوا من معارضيهم. ويشن الرئيس الفلبيني حملة أمنية قاسية على تجارة وتعاطي المخدرات تسببت في مقتل المئات.

حتى في دول ذات نظام ديموقراطي غربي، يطلق العديدون مصطلح «خبر زائف» كلما جاء الخبر على غير هواهم. من هنا، يشتد الخلاف فيتضح للمواطن أن الجميع تخندقوا وراء أفكارهم الخاصة دون مجال للفكر الوسطي.

يرى «غطاس» أن العلاقة بين ترامب ووسائل الإعلام مسألة داخلية، ولا تؤثر في العالم الخارجي بما في ذلك الوطن العربي، مضيفاً أن الديموقراطيين هم الحزب الذي يسيطر على أغلب وسائل الإعلام، وأن ترامب يعتمد على قناة «فوكس نيوز». وأضاف أن الوطن العربي يتأثر بسياسات ترامب في ملفات كسوريا والهجرة والدعم للفلسطينيين ليس في حقل الإعلام فسياسات الولايات المتحدة حيال مناطق العالم كالوطن العربي تختلف من حيث الدرجة لا من حيث النوع.

الأساليب المستخدمة قديماً في دحض المعلومات الباطلة لم تعد تجدي نفعاً. فيُثبت أنَّ الكثير من التصريحات والتغريدات التي يأتي بها ترامب كاذبة إلا أن مؤيديه يختارون تصديقه بغض النظر عن الظروف. حالياً، يُعاد رسم المعايير المعمول بها لإحقاق الحق في عصر الانحياز لما بات يعرف بـ«المعلومات البديلة». ويمضي عدد من الصحفيين في عملهم، ولو لم يقدر الجميع قيمة هذا العمل.

ورغم ذلك، فإن لبعض الصحفيين رؤية مختلفة لدورهم، فالمراسل في قناة «سي إن إن»، «جيم أكوستا» يتخطى عمله كمراسل، ويشتبك مع الرئيس ترامب في مؤتمر صحفي أقيم في المملكة المتحدة في يونيو 2018 خلال زيارة رسمية:

هنا، يختار ترامب أن يجيب سؤال «جون روبرتس» الصحفي من قناته المفضلة «فوكس نيوز»، قائلاً إنها «قناة حقيقية» ما أثار رد الصحفي «جيم أكوستا» أن «سي إن إن» قناة حقيقية أيضاً.

لا يرجِّح المحللون حسمَ الجدال بين ترامب والصحافة في ظل الانقسام المستحكم الذي صار الواقع في السياسة الأمريكية. لعل الشيء الأكثر معنىً هنا وفاة السيناتور جون ماكين أواخرَ أغسطس الذي كان يُشار إليه كرمز سياسة الاحترام والوفاق، واعتبر كثيرون رحيله بداية غياب للسياسيين المعروفين باللباقة. قد تحتاج أمريكا إلى ماكين جديد لتدارُك الوضع.

تنويه: كاتب هذا التقرير «جورج فياكك» ضمن برنامج تدريب «المصري اليوم»

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية