x

مفيد فوزى يحاور الشاعرة سعاد الصباح: القصيدة محاولة لمس الطيف والقبض على السراب!

الأحد 09-09-2018 02:13 | كتب: مفيد فوزي |
الشاعرة سعاد الصباح الشاعرة سعاد الصباح تصوير : سمير صادق

الجلوس إلى شاعرة بحجم سعاد الصباح للتحاور هو جائزة للمحاور! «من فرط ندرتها»، فالشاعر كائن استثنائى، فما بالك بشاعرة غرسها من الأسرة الحاكمة ومنحازة للضعفاء. يسكنها رجل وهبته حياتها فهو معلمها الذى تنازل عن السلطة بإرادته.

فى رأس سعاد الصباح معادلات اقتصادية حملتها معها من جامعة القاهرة، وأبيات من الشعر تكتبها بقلم رخيص لكنها غالية على كل متذوقى الجمال وعلى أرفف المكتبات فى مدن تتعاطى القراءة وتدمن الحرف.

هى العقل والحصافة والأمومة والرشد والجنون ساكنة البيت الأبيض فى الكويت ومزرعة متواضعة فى الريف الإنجليزى هرباً من قيظ حر الكويت، مصر فى قلبها بشهقات الإعجاب فى أمسياتها الشعرية فى ليالى الكتاب وهى تغرد من فوق منصة بقصائدها فى كلية الاقتصاد، والاقتصاد موظف عندها أما الشعر فيأمرها حاضرة يوم تحمست لإعادة شباب مجلة «الرسالة» لأحمد حسن الزيات، وحاضرة فى قلبها لمناسبات خاصة جداً تروى ظمأ الشوق.

الجلوس إلى شاعرة بحجم سعاد الصباح للتحاور معها، معناه ألا تتوقع إجابة فهى تعانق الصدق الصادم، معناه أن نرى أنفسنا فى مرايا لا تكذب ولا تتجمل، معناه اشتباك بالعقل والقلب!

هى لمس الطيف!

الشاعرة سعاد الصباح

قلت: هل تجلسين فى مقاعد المتفرجين بعد لهاث طويل فى برارى الشعر؟

قالت: بعيداً عن الكتابة أشعر بالجفاف، أنا نخلة مغروسة فى الحبر.

قاطعتها: ماذا باعد بينك وبين قلمك؟

قالت: لا تصدق الإشاعات يا أستاذ مفيد، قلمى مثل قدرى لو هربت منه وجدته أمامى.

قلت: ماذا فعل بنا الموبايل رغم نفعه؟

قالت: قبل الموبايل كنا نفتح النافذة فى الوقت الذى نريد، نتبادل التحايا مع المارة ثم نغلقها لنعود إلى خصوصياتنا. جاء الموبايل فهدم الباب والحائط وقال للمارة فى الشارع: تفضلوا ادخلوا البيوت!

قلت: بالمناسبة، أنت وأحفادك، ألفة أم غربة.

قالت: أمومة مكثفة.

سألتها: هل يكسر المكتوب الإرادة الإنسانية؟

- قالت: الإرادة الإنسانية جزء من المكتوب.

قلت: ما بصمات الزمن على روحك؟

- قالت: الأهم، ما بصماتى على الزمن.

قلت: أنت شاعرة درست الاقتصاد.

قالت: الاقتصاد موظف عندى، لكنى موظفة عند الشعر، فالاقتصاد ينفذ أوامرى وأنا أنفذ أوامر الشعر.

لماذا الشعر؟

- قالت: الشعر سؤال مدبب، يضع الاستفهامات ولا يلغيها، أنا منحازة إلى قلقه والشاعر هو برق ومطر وسماء دائمة التحولات.

أريد منك تعريفاً للقصيدة؟

قالت: هى محاولة لمس الطيف والقبض على السراب. والقصيدة كتبتنى والشعر صاغنى، أخذ منى الشعر كل عواصفى وعواطفى.

زمان- يا سيدتى- كان هناك الشاعر النجم؟

قالت: لابد من نجم وإن طال الظلام.

قصائدك للغناة «كن صديقى واعتذار ولا تنتقد خجلى» تروق لى، قالت: صدقنى المطرب لا يستطيع أن يحيى عظام الشعر وهى رميم وبلا شعر جيد لن يكون هناك نجاح ولا رحيق ذاقه عشاق الكلمة.

كيف يا دكتورة تفتقدين العزيز عليك: زوجك؟

قالت: لا أفتقده، إنه حاضر معى فى كل شىء حتى فى التفاصيل الصغيرة.

ثم صمتت سعاد الصباح ثوانى وعادت تقول:

يا من ذهبت وما ذهبت كأننى فى الليل أسمع صوتك البلور. أنت الربيع فلو ذكرتك مرة صار الزمان حدائقاً وعبيراً.

أطباق السعادة المالحة!

قلت: ما أهم زلزال نفسى فى حياة الإنسان؟

قالت الفقد، أى فقد، فقد إنسان، فقد وطن، فقد قيمة.

قلت: جروحنا، صدماتنا، هل لها وجه إيجابى؟

قالت: نرمم علاقاتنا بها بوهم، الصدمات تجعلنا أقوى.

قلت: ما اللوحة التى تتمنين رسمها الآن؟

قالت: البريق فى عينى أبى وابتسامة أمى.

قلت: ما أجمل عاصمة فى خريطة العمر؟

قالت: الشعر.

قلت: عندى سؤال.

قاطعتنى: لا تستأذن فى سؤال.

ماذا تفعل بنا الاكتشافات العلمية؟

قالت: تزيد من علمنا وجهلنا، من باب «كلما تعلمت أكثر عرفت جهلى أكثر».

قلت: هل تروق رقصة كيكى لأحفادك؟

قالت: أوصيتهم بعدم الالتفات للفقاعات على قارعة الطريق.

قلت: أنت القائلة «الوطن ليس مصطلحاً جغرافياً يتشكل من أرض وبحر، ولكنه عمق روحى يمتد فى داخل الإنسان» هل مازال للكويت حضورها الثقافى؟

قالت: الكويت قصيدة أو ملهمة قصيدة، لهذا لا يمكن لحضورها أن يتأخر.

على ذكر قصائدك المغناة، من الأقرب لك من الأصوات؟

قالت: لكل مطربة غنت نكهة وطعم وجمال: نجاة وماجدة الرومى، أصالة، سميرة سعيد، نوال، سناء الخراز، سوزان عطية، غادة رجب، أنغام، وغيرهن، حملن كلماتى على أجنحتهن إلى أفق أرحب، وتبقى ماجدة الأقرب لكلماتى كأنها أنا لأنها صديقتى.

سألتها: لماذا صمتت ليلى بعلبكى مبكراً؟

قالت: فى الصمت كثير من الكلام.

قلت: ما طعم السعادة فى محطة عمرك الآن؟

قالت: لم يعد هناك من يقدم سوى أطباق السعادة المالحة.

سألتها: ما هو الحب الصادق؟

قالت: هو الذى يهدى للصادقين.. هداياه.

قلت مرة فى تغريدة: أرجوك لا تخرج من دمى؟

أجابت: حتى لا أصاب بفقر الدم.

قلت: هل فقد الحب عذريته ونقاءه؟

قالت: فقد معناه، فقد إطلالة الشباك البريئة، فقد دموعه، فقد انتظار رنة الهاتف بعد أن أصبح متوفراً فى أكياس «تيك أواى».

سألتها بم تتميز صداقتنا بأحفادنا؟

قالت: نستعيد بهم طفولتنا.

من صديق إلى صدى!

قلت مثقف اليوم، هل ينسحب فى المجتمعات؟

قالت: الضياع والشتات الذى يقود الشارع يحتاج إلى ربابنة الفكر ليوجهوه إلى الطريق الحقيقى، فهم كالنجوم المشعة فى ظلام السياسة.

قلت: كيف ترين موقع الشعر فى «مواقع التواصل»؟

قالت: ما وسائل الاتصال التى تتكلم عنها إلا خيول يروضها الشعر الحقيقى.

قلت: ما أخطر عورات المرأة المعاصرة؟

قالت: عندما تم استغلال المرأة وتحويلها إلى وسيلة عرض لا أكثر.

سألتها: هل سعادتك هى تعاسة أقل؟

قالت: لا أستسلم لأى تعاسة، لكن السعادة مثل فراشة ربيع عندما أمسكها تذوب أجنحتها بين يدى.

قلت لها، لم يسقط سهواً أن أسألك: قلت لى مرة لا تستأذن فى سؤال، ما هاجس عبارتك؟

أجابت: ليس لدىَّ ما يخيفنى وليس لديك ما أخشاه.

قلت: لاحظت أنك تكتبين بأوراق معينة وورق معين كيف نشأت هذه الصداقة مع الورق والأقلام؟

قالت: منذ نصف قرن وأنا وفية لدفترى المدرسى المسطر وقلمى الأسود الرخيص.

قلت: أنت وكرة القدم؟

قالت: مغرمة بها منذ كنت فى القاهرة.

قلت لها: تكتبين لى فى إهدائك لكتبك «الصديق الصديق» هل هناك صديق فقط؟

قالت: بالتأكيد، هناك صديق «تربيع» وهناك صديق تتهشم معه الكلمة وتطير حروفها واحداً وراء الآخر، فيتحول من صديق إلى «صدى» ثم إلى «صد» ثم إلى «ص» خاوية.

سألتها بعد أن بهرنى تحليلها لمراحل «الصديق»: العرب فى حالة مرضية، ما تشخيصها عندك؟

قالت: فى حالة غرق، غارقون فى بحار دموعهم.

قلت لها: مازلت يا دكتورة سعاد تسلمين أذنك للراديو؟

قالت: لا أتخلى عن صداقاتى القديمة.. بين آن وآخر أطمئن أنه مازال على قيد الحياة.

قلت: ما أحلى ما كان بالأمس من حياتك؟

قالت: صديق الزمن الجميل عبدالله المبارك وما زرعه فى داخلى من إصرار.

عربية الحزن والحلم!

قلت لها: كيف ترين جمهورك يا شيخة سعاد؟

قالت: هو بوصلتى التى تدلنى على الطريق ومرآتى التى أرى فيها وجهى، هو الذى يعطينى القوة والسند.

قلت لها: عبدالناصر، يسكنك؟

أجابت: كان عبدالناصر كبيراً كالمسافات، مضيئاً كالمنارات، جديداً كالنبوءات، عميق الصوت كالكهان، وكان فى عينيه هذا البرق الدائم.

قلت لها: هل دواوين شعرك رسائل لمجتمع؟

قالت: شعرى هو عمل تحريضى باللغة لكسر الخرافة ونزع الأختام الحمراء عن شفاه النساء العربيات.

قلت لها: ما رسالتك لوزراء ثقافة العالم العربى؟

قالت: اللغة العربية تناديكم.

سألتها عن أجمل بيت من الشعر تتمنى تطريزه على جدار العمر؟

قالت: أأبا مبارك يا منارة عمرنا، يا درعنا وكتابنا المأثور البحر أنت.

البحر أنت يفيض عن شطآنه قدر الكبير بأن يكون كبيراً.

قلت لها: بم تخافين على الكويت من مرصدك؟

قالت: من المتهورين.

قلت: شهدت دموعك فى وداع أحفادك وهم مسافرون فهل دمعتك مازالت قريبة..؟

قالت: أصبحت أكثر قرباً.

أسعدنى كتابك «قراءة فى كف الوطن» وأعيد قراءته.

قالت الشاعرة: القراءة بستان بحجم البحر.

قلت لها: هل شعرت بإحساس الغربة؟

قالت: فى غياب الأحباب.

سألتها: فى تقديرك لماذا قلت نوابغ الأقلام والقرائح؟

أجابت: ربما لأننا لم نسكتشف كما يجب وربما لأننا لم نشجع كما ينبغى.

لو كانت حياتك- يا شيخة سعاد- رواية طويلة فما عنوانها؟

صمتت برهة وقالت: مرافئ الذاكرة.

قلت لها: من أنت؟

قالت سعاد الصباح بكبرياء بطول قامتها: أنا عربية الحزن والحلم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية