x

مفيد فوزى يحاور الشاعرة العربية سعاد الصباح: أنا كالأرض التي تهتز فرحًا وتتصدع حزنًا!

الأحد 25-10-2015 10:18 | كتب: اخبار |
سعاد الصباح سعاد الصباح تصوير : اخبار

سعاد الصباح سيدة فى الذاكرة على حد تعبير فضل الأمين الذى أطلق عليها شاعرة الانتماء الحميم، وأنا أعرف سعاد الصباح منذ سنوات وأعرف عشقها لمصر ونيل مصر وسماء مصر العريضة بامتداد الأفق، أعرف حرص الشاعرة العربية الكبيرة على المناسبات الأدبية، ذات الدلالة فى مصر، ولشباب مهموم بالفيس بوك، وصارت عنده مباراة السوبر أهم من أى كتاب.. أقول إن سعاد الصباح أعادت طبع مجلة الرسالة - أهم المطبوعات المصرية فى زمن الثقافة الجادة - بعد أن توفت وتوقفت عن الصدور، كانت سعاد الصباح توقظ مطبوعة أدبية كانت لسان حال الصفوة، أتذكر أيضاً أمسياتها الشعرية فى معرض الكتاب، أتذكر لقاءاتها الأدبية فى «مربد» بالعراق، وأتذكر قصائدها المشحونة حباً وهياماً فى كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة فى يوم الخريجين، وهى واحدة من خريجيها، هى توليفة استثنائية بين الاقتصاد «الواقع العملى» فى الحياة و«الليل الجميل» المطرز بالإحساس، والمنسوج بالمشاعر، وسعاد الصباح «مسافرة دائماً» فى الأزمنة، ورغم أن سعاد الصباح شيخة كويتية من الأسرة الحاكمة إلا أنها متواضعة تواضع العشب، وقد أردت أن أستثمر التكنولوجيا فى «Chat» عبر الإيميل بينى وبين الشاعرة الكبيرة ووافقت دون تردد، ولما قلت لها: اعتدت المواجهة فى الحوار وربما أسأل بطعم الاقتحام، قالت لى - على الإيميل - لا تستأذن فى السؤال، أنت مقتحم وهذا مذاقك الخاص.

قلت لها: على مدى العمر - سيدتى - احترفت واحترقت بالسؤال وكأنى ولدت لأدخل دوماً حلبات الحوار، ويصدق كبيرنا مصطفى أمين يوم كتب «إذا كان أحمد بهاء الدين تحليلاً ومصطفى محمود تأملاً وأحمد رجب ابتسامة، فـ(مفيد فوزى) سؤال، فهل هناك أسئلة لم توجه لك بعد؟».

قالت سعاد الصباح: لا أظن أن سؤالاً سيتسلل من دون أن تصطاده شباكك، ولكن تبقى هناك أسئلة هاربة منا وأسئلة نحن هاربون منها، تلك الأسئلة التى تقف مثل العظم فى البلعوم لا تستطيع بلعها ولا إخراجها، لذلك من الأفضل أن تبقى خارج مساحة الورق.

قلت لها: كنت أتصفح بعضاً من كتبك ووجدتك تزودين الصفحات بلوحاتك، أليس غريباً أن ترسمى بالكلمات وأيضاً بالفرشاة والألوان، هل لأحدهما أفضلية؟

قالت الشاعرة: الأفضل عندى هو الذى لا يطاوعنى عندما ألجأ إليه، والأقرب هو الذى لا أجده عندما أذهب إليه، إن جمال القصيدة فى تمنعها وروعة اللوحة فى تغليها اللذيذ وهو ما يجعلها مشروعاً منتظراً وأنا أكره الانتظار فى كل شىء إلا فى الشعر والفن، أنا أستمتع بترقب قصيدة على وشك الحضور وأحب لوحة تعدنى فى الحلم بأن تتحول إلى حقيقة وأتشوق لساعة تحقق الحلم.

■ سعاد الصباح: الجدل الصامت.

قلت للشاعرة: الحوار عندى هو فن البوح والإضاءة الداخلية، فهل هناك حوار يدور بينك وبين قلمك حين تشرعين فى الكتابة، ما نوعية هذا الجدل الصامت؟

قالت: بمجرد أن أمسك القلم لأضع أول نقطة على الورق يجتمع حولى الشهود وتحضر هيئة المحلفين.. كلهم يريدون أن يسجلوا التزامى بكل كلمة أقولها ويشهدوا على ثباتى فى كل موقف أكتبه ويدينونى بكل صرخة أطلقها فى فضاء الورق.

ملاحظة لا يسجلها الإيميل: لم أستطع أن أخفى افتتانى بالصورة الذهنية التى ترسمها سعاد الصباح بالكلمات.

استطردت تقول: لخطتها يرتعش القلب ويرتجف القلم من هول المسؤولية، فأعقد اتفاقية صدق مع قلمى بأن يشبهنى تماماً بكل عواصفى وأعاصيرى ليكون أنا كما أنا تماماً أن يتقمصنى تماماً، ويرسم وجهى بكل ملامحه وفكره وفكرى لكل تضاريسه.

قلت: لن أحجب عنك سؤالاً.

قالت: اسأل كما تشاء.

قلت: كان سارتر يقول «لا يوجد سؤال جميل أو قبيح إنما هى الصيغة التى يصاغ بها السؤال».

قالت: أين السؤال؟

قلت: ما المدخل النفسى للتحجب لديك؟

قالت بإيجاز: حرية التعبير وفكرة ممتدة من مريم إلى خديجة إلى سعاد.

■ سعاد الصباح: العراق الآن.

سعاد الصباح

قلت: كيف ترين العراق بعين كويتية مبصرة فى الأحداق؟

قالت شاعرة الانتماء الحميم ابنة الكويت: لا أستطيع أن أرى العراق إلا بعين دامعة، ومن غلالة الدمع تبدو الصورة مغبشة ويظهر المشهد مشوشاً إلا من صراخ طفل بعيد ونحيب أم موجوعة «فرجع الصدى كأنه النشيخ» كما قال بدر السياب

«أكاد أسمع العراق يدّخر الرعود..

ويخزن البروق فى السهول والجبال..

حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال..

لم تترك الرياح من ثمود..

فى الواد من أنر..

أكاد أسمع النخيل يشرب المطر..

وأسمع القرى تئن والمهاجرين

يصارعون بالمجاديف وبالقلوع..

سألتها: المرأة، حاكمة فى الشرق وفى العالم العربى هل تصلح؟ هل تنجح؟ هل تعدل؟

سعاد الصباح: لست مشغولة بأن تحكم المرأة أو لا تحكم، وليس الحكم وخصوصاً فى هذا الزمن هبة أو جائزة، المهم أن تحصل المرأة على إنسانيتها كاملة سواء كانت تحرك سرير ابنها أو تحرك الجيوش، سواء كانت تجلس فوق كرسى الفصل الدراسى أو فوق كرسى الحكم، المهم ألا تصبح سلعة تزين إعلانات النيون فى الطرقات.

قلت: ما أقصى اختراع - يا دكتورة سعاد - تتصورين وصول البشرية إليه بعد إنجازات كنا نتخيلها أو نحلم بها؟

قالت: أظن أن العالم يتشوق إلى مزيد من اختراعات القنابل العنقودية والانشطارية، فهو لم يشبع بعد من ملء الأرض بالألغام وغزو الفضاء ببرامج الموت النووى ولم يصل بعد إلى ما يطمح إليه من أنهار الدم، لذلك أتوقع مزيداً من اختراعات الإبادة.

■ سعاد الصباح: السلام المستحيل.

قلت: ما كيمياء الإرهاب وهل سلام العالم صار حلماً مستحيلاً؟

قالت: ليس حلماً مستحيلاً، بل هو مطلب ملح لابد أن يعم ويحل، لابد أن ترحل الأرواح الشريرة قبل أن يتحقق لها ما تريد فى الأرض، يجب أن تمتلئ الأرض بالقلوب الصادقة، الإرهاب سيقتل نفسه بنفسه عاجلاً أو آجلاً فهو عدو لكل شىء حتى لذاته.

قلت: ما معيار ثراء الفرد؟ الشعوب؟ الحكام؟

قالت: ثراء الفرد بقناعته وثراء الشعوب بتآلفها وثراء الحكام بمحبة رعيتهم، عندها يصبح الثراء المادى تحصيل حاصل.

قلت: تنزوى الرسائل الزرقاء ويصبح الإيميل حاكماً والواتس آب سفيراً للمشاعر، هل يقلقك؟

أجابت الشاعرة على الإيميل: أبداً، علينا أن نستجيب لتحولات الحياة وتقلبات الزمن بشرط ألا نفقد قلوبنا ولا نسبح بعيداً عن شواطئ الحب والأمان والصدق والدفء، سنظل ممتنين كثيراً لطوابع البريد وسعاة البريد وصناديق البريد، سنبقى يجرفنا الحنين للورد المجفف المنثور على ورق الرسائل وللألوان الحمراء والزرقاء فى أطرف الرسائل، وما العمل مع عالم الديجيتال سوى أن نتعامل معه بمشاعر إلكترونية.

قلت: وسط المشاعر التلقائية لا الإلكترونية، هل لاتزال قطعة الشيكولاتة السويسرية قادرة على استرداد فرحتك الهاربة؟

قالت: المهم ألا نصبح فريسة لفرحة نتجرعها عن طريق الفم، المهم ألا تلتهمنا تلك القطعة.

قلت: كيف تفهمين ملوحة السؤال؟

قالت سعاد الصباح: كلما كان جرح البعد عزيزاً، كان ملح السؤال موجعاً.

قلت: للأنثى مداخل - يا دكتورة - والقصيدة أنثى، فهل لها مداخل تتقنها شاعرة؟

قالت: القصيدة أنثى، والأنثى قصيدة، وفى تاء التأنيث تكمن مفاتيح اللعبة وهى لا تمنح مداخلها إلا لمن يستحق.

■ سعاد الصباح: السطوة للمشاعر.

قلت: ما الذى بهرك فى قصائد الشاعرة الإيرانية «فروغ فرخ زاد» فقررت نشرها فى دار سعاد الصباح؟

قالت: ذلك التمرد الحقيقى وذلك الجنون الصادق وتلك النهايات المفزعة.

قلت: ما الفرق عندك بين الحب والمحبة وبين الألم والمعاناة؟

قالت: الفرق فى فن التلقى والتعامل، الفرق فى مدى إشراقة الشمس فى الروح.

قلت: تسافرين وتحملين معك أمنيات وحقائب هموم وربما حقائب أحزان، كيف تستمتعين بالسفر؟

قالت: أستمتع بحقائب الكتب.

ورغم أن الحوار ينطوى على النكش والجدل، فقد اكتفيت بإجابتها المختصرة وعدت أسأل: الكتاب سيدتى يتدثر، فهل السطوة للإنترنت؟

قالت: السطوة للمشاعر، سواء سطرت فى صفحة كتاب أو فى صفحة كيبورد، لكنى أؤكد أن شمس الكتاب لن تغيب.

قلت: كيف استقبلت رحيل فاتن حمامة، ورحيل عمر الشريف ورحيل نزار قبانى؟

قالت: الجمال لا يموت، ألم يقل محمود درويش «هزمتك يا موت الفنون جميعها».

قلت: أتوقف عند ملاحظات فى دراسات «على المسعودى» الأدبية وغيره، مثلاً «لماذا أيها الشرقى تهتم بشكلى ولا تبصر عقلى»؟

قالت سعاد الصباح: سؤال.. عنجهية أبى جهل.

قلت: من آرائك «فلا بالوعود ألين ولا بالوعيد».

قالت: عندما تكون المرأة حرة من كل مطامع النفس وأقوى من كل مطامع البطش.

قلت: من كلماتك ما توقفت الرؤية فيه حين تقولين «فى المقاهى الأوروبية، أقرأ جريدتى وحدى، وفى المقاهى العربية يقرأ كل الجالسين معى»، وحين تقولين: «مشكلتك الكبرى أنك رغم كلامك عن الحداثة، لست حديثاً، ورغم كلامك عن المعاصرة لستِ معاصراً»، وحين تقولين: «آخر اهتماماتى أن يحبنى كمبيوتر»، وحين تقولين «حبر + ورق= ثورة ثقافية».

قالت سعاد الصباح: إنها صرخات أنثى مهددة بالوأد الثقافى والإنسانى والاجتماعى، صوت امرأة تريد أن تعلن الحب دون أن يقتلها أحد.

قلت: لماذا مفردة «الشمس» تكررت كثيراً فى قصائدك «خذنى إلى حدود الشمس»، و«دفعنى إلى ملاعب الشمس»، و«أنا بنت الكويت عرفتنى الشمس كما تقرأ الشمس أوراق العشق».

قالت: الشمس.. هى المخلوق الذى لا ظل له، هى الوضوح والضوء الذى لا يطلب ثمناً، العطاء من بعيد، فى تلك الشمس تكمن الحقيقة، كما يلوح غياب محتمل.

قلت: بوضوح شمس استوائية، أريد انطباعاً عن زميلات وصديقات الحرف.

سعاد الصباح

1- غادة السمان..؟ غادة الرواية المستحيلة لرسالة فى قارورة طافت البحار والقارات.

2- أحلام مستغانمى؟ كتاباتها معجونة برائحة الجزائر التى تعشق.

3- سناء البيسى؟ الحكمة فى أشهى عباراتها وحديث الإنسان مع شجرته المحرمة.

قلت: كيف تفهمين الغربة؟

قالت: أفهمها تتعدى فى اجتياحها إلى الروح.

قلت: الديمقراطية؟

قالت: أن تعبر المرأة عن حبها دون أن يقتلها أحد.

قلت: ضوء القمر؟

قالت: عيون أحبائنا.

قلت: الفقر؟

قالت: بئس العشير.

..والوسطية؟

قالت: الإنسان السليم والعقيدة الحقيقية.

قلت: كف صديق؟

قالت: دفء الحياة.

■ سعاد الصباح: عبدالله مبارك الصباح

قلت للشاعرة الكبيرة: أملك القول إن عبدالله مبارك الصباح يسكنك ويقيم ويحتلك احتلالاً، أملك القول إن عنوانه ومقر إقامته هو قلبك، هل هو مخلوق استثنائى؟

قالت: عبدالله مبارك، صقر ملأ الأفق بجناحيه الكبيرين وتحت هذين الجناحين كنت أعيش، لقد ارتفعت معه إلى القمم وسأظل ممتنة أبداً لتلك الرفرفات وذلك التحليق وتلك العينين الثاقبتين وتلك البطولة العظيمة.

قلت: ما أهم زلازل عمرك يا شيخة سعاد؟

قالت: زلزال حدث عام 59 عندما طرق عبدالله المبارك قلبى، وزلزال آخر عام 91 عندما أغمض عبدالله المبارك إغماضته الأخيرة، وما بين الزلزالين، كنت أنا الأرض التى تهتز فرحاً وتتصدع حزناً.

و.... وجدت نفسى أعيد عبارتها على الإيميل التى تلخص مشاعر الشاعرة بقمة الصفاء الإنسانى «كنت أنا الأرض التى تهتز فرحاً وتتصدع حزناً».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية