شهدت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، السبت، تطورات مثيرة فى إجراءات محاكمة طارق عبدالرازق، المتهم المصرى المتورط بالتجسس على مصر لصالح الموساد بالاشتراك مع ضابطين إسرائيليين، إذ قررت النيابة حظر نشر تفاصيل الجلسات ابتداء من الجلسة المقبلة، وسمحت فقط بنشر ما دار فى جلسة السبت، التى ترافع فيها ممثل نيابة أمن الدولة العليا، وطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم المصرى والضابطين الإسرائيليين الهاربين.
ووصفت النيابة المتهم بـ«الخائن»، وتساءلت: «أين هو من شباب مصر الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أرض مصر فى حرب أكتوبر؟ وأين هو من شباب ثورة 25 يناير؟»، وكشف ممثل النيابة عن مفاجأة خلال المرافعة، مؤكداً أن المتهم نزع صفحات من جواز سفره كانت مختومة بأختام مطارات إسرائيلية.
وقدم المستشار طاهر الخولى، المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا، خطاباً إلى المحكمة من المخابرات السورية يفيد أنهم أصدروا حكمين بالإعدام شنقاً ضد سوريين كانا قد اشتركا مع المتهم فى شبكة التخابر. وأوضح «الخولى» أن الخطاب يشير إلى أن القضاء السورى عاقب الكيميائى نجيب طلائع، الذى كان يعمل فى القوات المسلحة السورية، بالإعدام شنقاً فى يناير الماضى، وعاقب صالح النجمى - لواء بالقوات المسلحة السورية - بالإعدام أيضاً فى قضية التخابر ذاتها، كما فصلت السلطات السورية 11 ضابطاً.
وأوضح «الخولى» أن القضاء العسكرى المصرى عاقب قبل أيام المتهم زياد أبورقبة المتورط فى قضية تمرير المكالمات وتسجيلها بالسجن 15 سنة مع الشغل والنفاذ. وطالب «الخولى» بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم «طارق عبدالرازق» الموجود داخل قفص الاتهام، ووصفه بـ«الخائن»، كما طالب المحكمة بألا تأخذها به رحمة أو شفقة، وقال إنه لم يعمل حساباً لمشاعر أسر شهداء الحروب مع إسرائيل، ولم تردعه مشاهد القتل والاغتصاب التى ترتكبها إسرائيل فى الأراضى المحتلة، ولم يتألم بما فعلوه فى الأسرى المصريين.
وأكد ممثل النيابة فى بداية مرافعته أن المتهم ساعد الإسرائيليين فى النيل من أمن مصر، وتهديدها من أجل حفنة من الدولارات وارتمى فى أحضان الأعداء. وقال ممثل النيابة إن الخيانة جريمة لا تغتفر، وطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم.
وشرح ممثل النيابة تفاصيل قضية شبكة التجسس التى تعمل لصالح إسرائيل، وضمت صاحب شركة استيراد وتصدير مصرياً يدعى طارق عبدالرازق حسن «37 سنة» وإسرائيليين «هاربين»، وقال إن المتهم المصرى عمل مع الموساد، وأمدهم بمعلومات عن موظفين مصريين يصلحون للتجنيد والعمل كجواسيس، كما أمدهم بمعلومات عن أشخاص «سوريين ولبنانيين» يصلحون أيضاً للتخابر مع إسرائيل، وحصل مقابل ذلك على 37 ألف دولار أمريكى، وضبطته أجهزة الأمن القومى فى مطار القاهرة، فى أول أغسطس الماضى، بعد أشهر من متابعته أثناء قدومه وزوجته وابنه إلى مصر.
وقال المتهم طارق عبدالرازق عيسى حسن فى التحقيقات إنه حاصل على دبلوم فنى صناعى فى 1991، وفى شهر فبراير 1992 سافر إلى الصين، والتحق بمعهد لتدريب رياضة الكونغوفو لمدة سنتين، وفى 1994 عاد إلى مصر، والتحق بأحد الأندية كمدرب، ونظراً لمروره بضائقة مالية قرر الهجرة إلى الصين فى يناير 2007، وإزاء تعذر حصوله على وظيفة أرسل من هناك فى شهر مايو من العام ذاته رسالة عبر بريده الإلكترونى لموقع جهاز المخابرات الإسرائيلية تتضمن أنه مصرى مقيم بدولة الصين، ويبحث عن عمل ودون بها رقم هاتفه. وفى شهر أغسطس عام 2007 تلقى اتصالاً هاتفياً من المتهم الثالث «جوزيف ديمور»، الذى تحدث إليه بصفته مسؤولاً بجهاز تايلاند، وإزاء تعذر حصوله على تأشيرة توجه بتكليف من المتهم الثالث إلى نيبال، ومكث بها قرابة 15 يوماً إلى أن تلقى اتصالاً هاتفياً من الأخير أبلغه فيه بتعذر سفره إليه، واتفقا على اللقاء فى الهند، وفى سبتمبر 2007 وتنفيذاً لتعليمات المتهم الثالث توجه إلى الهند، وتلقى هناك رسالة منه عبر بريده الإلكترونى طلب فيها حضوره إلى مقر السفارة الإسرائيلية، فتوجه إليها، واستقبله المتهم الثالث وناقشه فى بعض التفاصيل الخاصة بسيرته الذاتية ومؤهلاته العلمية والوظائف التى شغلها فى مصر، وسلمه 1800 دولار مقابل نفقات سفره وإقامته، وأفهمه أن إلحاقه للعمل بجهاز الموساد يستلزم سفره إلى تايلاند لإخضاعه لبعض الاختبارات.
وفى يناير عام 2008 توجه إلى الدولة الأخيرة، وتلقى من المتهم الثالث رسالة عبر بريده الإلكترونى تحتوى على رقم هاتفه، فبادر بالاتصال به، واتفق معه على لقاء فى السفارة الإسرائيلية بدولة تايلاند، حيث التقى به وأفهمه أنه يجب خضوعه للفحص بواسطة جهاز كشف الكذب، وخلال مدة إقامته تردد عدة مرات على السفارة الإسرائيلية بدولة تايلاند، والتقى المتهم الثالث عدة مرات، وناقشه الأخير فى سيرته الذاتية على النحو السابق، و سلمه 1400 دولار مقابل نفقات سفره وإقامته، ثم اصطحبه شخص آخر، وهو الخبير المختص بجهاز كشف الكذب بجهاز الموساد، حيث خضع للفحص بواسطة هذا الجهاز، ووجهت إليه خلال الفحص عدة أسئلة توخى فى الإجابة عنها الصدق والدقة وأفهمه المتهم الثالث أنه اجتاز الاختبار وسلمه 1000 دولار مكافأة له واصطحبه إلى أحد المطاعم وقدمه للمتهم الثانى إيدى موشيه، وأفهمه أن الأخير سيتولى تدريبه. وتعددت لقاءاته مع المتهم الثانى، حيث تولى تدريبه على كيفية إجراء حوار مع أشخاص بأعينهم والتواصل معهم، وأمده بموقع بريد إلكترونى للتراسل معه من خلاله، على أن يقتصر استخدامه على ما يجرى بينهما من مراسلات، وتنفيذاً لتعليمات المتهم الثانى عاد إلى الصين وأنشأ شركة استيراد وتصدير لتكون ستاراً لنشاطه مع الموساد وتكلفت مبلغ 5 آلاف دولار، تسلم قيمتها من المتهم الثانى بحوالة بنكية وأبلغه المتهم الثانى بأنه سيتقاضى راتباً شهرياً قدره 800 دولار أمريكى مقابل تعاونه مع جهاز الموساد الإسرائيلى بخلاف المكافآت ومصاريف إقامته وانتقالاته.
وأضاف المتهم فى أقواله إنه توجه إلى دولة تايلاند بدعوة من المتهم الثانى فى مايو 2008، حيث التقى به وأمده بموقع إلكترونى والرقم السرى الخاص به، وقال له إن جهاز الموساد الإسرائيلى تولى إنشاء هذا الموقع على شبكة المعلومات الدولية كغطاء تحت اسم شركة «إتش. آر» ويحتوى على وظائف شاغرة فى جميع التخصصات والتسويق للشركات التى تعمل فى مجال تجارة زيت الزيتون والحلويات - بدولة سوريا - وكلفه بفحص المتقدمين لشغل تلك الوظائف، على أن ينوط به - أى بالمتهم الأول - مسؤولية الإشراف عليه وإعداد تقارير عن الظروف الاجتماعية للمتقدمين ومؤهلاتهم العلمية لانتقاء من يصلح منهم للتعاون مع المخابرات الإسرائيلية.
كان يطالع الموقع الإلكترونى ويتولى إعداد تقارير عن المتقدمين من دولة سوريا لشغل تلك الوظائف ويقدمها للمتهم الثانى، الذى انتقى منهم عدداً من الأشخاص وأصحاب الشركات وكلفه بالسفر إلى سوريا لمقابلتهم منتحلاً اسماً حركياً هو «طاهر حسن» وإعداد تقارير عنهم وعن التواجد الأمنى فى الشارع السورى ومعلومات أخرى. وسافر بالفعل وقدم تقارير للمتهم الثانى وتقاضى منه 2500 دولار مكافأة، وأضاف أنه فى أغسطس 2008 توجه إلى تايلاند بدعوة من المتهم الثانى، حيث التقى به وقدمه لأحد ضباط جهاز الموساد ويدعى - أبوفادى - وكلفاه بالسفر إلى سوريا ومقابلة أحد عملاء جهاز الموساد هناك وأمده المتهم الثانى برقم هاتفه وسلمه 2500 دولار أمريكى كى يقوم بدوره بتسليمه للسورى و500 دولار لشراء هدايا له ومبلغ 1000 دولار مصاريف إقامته. وسافر إلى دولة سوريا والتقى بهذا السورى وقدم له الهدايا التى تولى شراءها وسلمه المبلغ وعاد إلى دولة تايلاند وأعد تقريراً بنتائج زيارته متضمناً الأشخاص الذين سبق أن التقى بهم والتواجد الأمنى فى الشارع السورى وقدمه للمتهم الثانى الذى سلمه مبلغ 3100 دولار أمريكى راتب شهرين ومكافأة له.
وأضاف المتهم الأول أنه فى مارس 2010 تلقى تكليفاً من المتهم الثانى، الذى طالبه بالبحث عن أشخاص يعملون فى مجال شركات الاتصالات بمصر، سعياً إلى تجنيدهم لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلية، فأبدى موافقته وأنشأ موقعاً على شبكة المعلومات الدولية باسم شركة «هوشتك» مقرها مقاطعة هونج كونج كغطاء لجهاز الموساد الإسرائيلى للإعلان عن وظائف شاغرة فى مجال الاتصالات فى مصر، وقال المتهم الأول إن إجمالى المبالغ المالية التى حصل عليها من المتهمين الثانى والثالث بلغ 37 ألف دولار أمريكى مقابل تعاونه مع جهاز المخابرات الإسرائيلية.
وأفادت التحقيقات بأن النيابة العامة ضبطت بحوزة المتهم الأول جهاز حاسب آلى محمول وفلاش ميمورى، اللذين سبق أن تسلمهما المتهم الأول من جهاز المخابرات الإسرائيلية، بالإضافة إلى وسيلة إخفاء وهى عبارة عن حقيبة يد لحاسب آلى محمول تحتوى على جيوب سرية بغرض استخدامها فى نقل الأسطوانات المدمجة والأموال، كما جرى ضبط 3 أجهزة تليفون محمول استخدمها المتهم فى اتصالاته.
وثبت من الفحص الفنى لجهاز الحاسب الآلى المحمول والفلاش ميمورى، اللذين ضبطا بحوزة المتهم أنهما يحتويان على ملفات تحمل معلومات سرية، تولى المتهم الأول تسليمها للمخابرات الإسرائيلية، ووسيلة إخفاء متطورة وعالية التقنية، وهى حقيبة يد مخصصة لجهاز حاسب آلى محمول بها مخبأ سرى ولا يمكن كشفها، سواء بالفحص الظاهرى أو باستخدام أجهزة الفحص الفنية بالأشعة السينية وتستلزم خبرة فنية عالية لا تتوافر إلا فى الأجهزة الأمنية.
وبتفريغ محتويات صندوق البريد الإلكترونى الخاص بالمتهم الأول من على شبكة المعلومات الدولية، عثر على مواقع لتوظيف العمالة بالخارج ومراسلات المتهم الأول مع الثانى، إيدى موشيه، كما جرى العثور على الإعلان الذى أنشأه جهاز المخابرات الإسرائيلى للبحث عن أشخاص مصريين من العاملين فى مجال الاتصالات والحصول على عدد من السير الذاتية الخاصة بأشخاص سوريين وفلسطينيين ومراسلات مع شركات فى سوريا. وخلال مؤتمر صحفى عقدته نيابة أمن الدولة العليا، أمس، أوضحت أن المتهمين الثلاثة أحيلوا إلى نيابة أمن الدولة العليا طوارئ بالقاهرة، وأحيل ملف القضية إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد جلسة لبدء محاكمتهم.