x

الكبش.. «أيقونة» الحضارة والفن والخلود

الإثنين 20-08-2018 01:51 | كتب: محمد عبد الخالق مساهل |
الكبش له مكانة كبرى فى التاريخ الكبش له مكانة كبرى فى التاريخ تصوير : آخرون

الكبش ليس مجرد حيوان فى تاريخ الزراعة، فهو ليس ذبيحة يضحى بها تقربا إلى الله، أو إنقاذا للبشرية من الهلاك، أو تكفيرا عن أخطائهم فحسب، لكنه مخلوق استثنائى ضرب بسهم وافر فى الحضارة والثقافة والأدب والفن، وأثبت حضورا طاغيا ارتبط بقدسية الديانات الإبراهيمية، وذكرته نصوص الكتب السماوية تصريحا وتمثيلا، حيث يحمل دلالات عميقة تعطى صورة رحيمة لمعنى الفداء والتضحية والقربان والتقرب وأيقونة للخلود.

يرجع ظهور الكبش كحيوان مقدس إلى عصور ما قبل التاريخ، وكانت بداية ظهوره على هيئة صلايات صخرية منقوش عليها هيئة الكبش، ثم ظهرت صوره على الأوانى من عصور نقادة الثانية والثالثة، ثم على هيئة تمائم ونقوش على الفخار.

وحظيت الكباش فى مصر القديمة بقداسة كبيرة، حيث أدرك المصرى القديم ما يتمتع به من مقدرة فائقة تمثلت فى الخصوبة والتناسل، لذا ربط المصرى بينه وبين الخلق والبعث. وارتبطت بعض المعبودات بهيئة الكبش بسبب تمتعها بهذه القدرات، وهى كبش مدينة «منديس» وكبش «جدو» الذى أصبح إلها للعالم الآخر بتوحده مع «أوزير»،

فى حين أن المعبود الرئيسى فى أهناسيا «حرشاإف» ظهر بهيئة الكبش، مثلما ظهر الإله «خنوم»، الذى اعتبر فى المعتقد المصرى القديم خالقا للبشر ومفجر منابع النيل العذبة، كما تجسد آمون، وهو المعبود الرئيسى فى الدولة الحديثة، على صورة كبش، إضافة إلى ظهوره فى كتب العالم الآخر.

ويربط طريق الكباش الأعرق عالميا معبد الأقصر بمعبد الكرنك، وكان يضم نحو 1200 تمثال بجسم أسد ورأس كبش، والذى أقيم فى عصر الأسرة الثامنة عشر لتسير به المواكب المقدسة للملوك والآلهة فى عيد «الابت» السنوى.

وتلقب الإسكندر المقدونى بـ«ذى القرنين» بعد أن دخل قدس الأقداس بمعبد آمون فى واحة سيوة الذى يأخذ رأس الكبش، حيث أكد له الكهنة أنه ابن كبير الآلهة.

ويلعب الكبش دورا كبيرا فى الطقوس القديمة، وغيرها من الأساطير والمعتقدات العتيقة التى دونتها الملاحم الكبرى على شاكلة الإلياذة والأدويسة، لهوميروس، فضلا عن أسطورة الجزة الذهبية التى كانت لكبش، والتى خاض فيها البطل «جاسون» المغامرات وواجه الأهوال مع بحارته للحصول عليها، حيث جسد الشاعر اليونانى يوربيديس هذه الأحداث فى مسرحيته «ميديا»، وهى حبيبة جاسون التى ساعدته فى الحصول على الجزة.

ونظم فيه فطاحل شعراء العرب أبياتا خلدت ذكره، ومنهم أبو نواس والراعى الأعرابى، والبحترى، واتخذ الشاعر «تأبط شرا» لقبه بسبب الكبش الذى كان يحمله تحت إبطه فتحول إلى غول، كما استشهد به الجاحظ فى كتابه البخلاء فى قصة معاذة العنبرية، مستعرضا طريقتها الاقتصادية التدبيرية الفريدة فى استغلال كل أجزائه من لحم وعظم ودم وقرن ودهن. وصار مضرب الأمثال عند العرب، فقيل «تحت هذا الكبش نبش» وهو لكل ما يشكل ريبة وشك، كما اشتهر بينهم: «عند النطاح يغلب الكبش الأجم»، والأجم من لا قرن له، ويضرب ليبين مصير الرجل الذى لم يُعد ولا استعد. وكان يقال: «إنه أمرٌ لا يتناطح فيه كبشان» للدلالة على أن هذا الأمر متفق عليه، ولا يختلف عليه اثنان.

كما انتشرت لعبة «نطاح الكباش» بين المماليك بديلا عن مناقرة الديوك، وكتبت عنها مسرحية «المتيم واليتيم الضائع».

وجمع الشاعر محمود غنيم بين الكبش والذئب فى حوار نفعى فريد من نوعه صور فيه ببراعة انتهازية الكبش بعد أن أمن على نفسه من خلال صداقته بالذئب.

وفى مجال الفن، شاع ظهور الكباش على الزجاج المعشق بنوافذ الكنائس والكاتدرائيات فى العصور الوسطى.

أما تقديس الحّمل أو عبادة حمل الله فهو عمل فنى معقد اكتمل سنة 1432 للفنان الهولندى يان فان آيك، واللوحة تشير إلى رسالة المسيح كحمل أضحية.

وهناك مخطوطات مذهبة أشهرها يسمى بـ«أبردين بيستشيارى» ويعود إلى عام 1200، وتضم الكباش بصور مذهبة منمقة تصف سلوك هذا الحيوان. و«كبش الفداء» هو الضحية، ويمثل فى السياق الاجتماعى الشخص الذى يعاقب بذنب غيره، ويتحمل مسؤولية أخطاء الآخرين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية