x

وجـوه من الصندوق

تصوير : اخبار

 

«يوسف» يشارك فى الثورة عن طريق الانتخابات: «الصوت لجدتى والحبر ليا»

بإصرار على المشاركة استيقظ فى موعد المدرسة، رغم الإجازة التى حصل عليها لمدة يومين بسبب الانتخابات، وقرر أن يرافق جدته فى رحلة وصفها بـ«تقرير المصير»، ورغم أنه لا يفهم معنى الجملة أخذ يرددها عن ثقة بأن هذه الانتخابات ستحدد مصير مصر على الأقل فى المرحلة الانتقالية. عندما حاولت جدته إثناءه عن قرار النزول معها إلى اللجنة الانتخابية فى مدرسة القبة الفداوية فى العباسية، تحول يوسف أمجد أحمد ابن الـ10 سنوات إلى وحش كاسر، وقف ويداه فى وسطه يواجهها: «إنتى فاكرانى عيل، أنا راجل، اللى زيى وأصغر منى شاركوا فى الثورة واستشهدوا كمان، ليه مستكترة عليا أشارك فى الانتخابات؟».. منطق الصغير غلب الجدة، فإذا به يتعلق فى ذراعها فى رحلتها إلى الصندوق.

الحظ فقط جعل «يوسف» أحد شهود العيان على زيارة المشير طنطاوى للمدرسة، إذ فوجئ به على باب اللجنة رقم 346، عرفه بمجرد أن رآه، خاصة مع تلك الحفاوة التى قابلته بها النساء تحديداً، والتى منعته من التقاط صورة معه ليضعها حسب تأكيده على الفيس بوك، ويفاخر بها أصدقاءه فى المدرسة كدليل على المشاركة. الزحام الذى صاحب زيارة المشير لم يمنعه من الاقتتال بهدف الوصول إلى الصندوق، إذ ظل محافظاً على دور جدته فى الطابور، أجلسها على أحد المقاعد، ثم وقف حتى لا يضيع دورها، قدم بطاقتها إلى موظف اللجنة واصطحبها إلى داخل اللجنة ووقف معها خلف الستارة وناقشها فى الاختيارات، وما إن قررت الجدة التصويت حتى خطف «يوسف» القلم من يديها، وطلب منها أن تمنحه الفرصة ليضع علامة «صح» أمام الاختيار الذى استقرت عليه جدته.

لم تعوق الجدة إرادة الحفيد، وأدركت الحماسة التى انتابته، والتى جعلته يصر على طى الورقتين، ووضعهما فى الصندوقين المخصصين، ورغم أن مسؤولى اللجان رفضوا توقيعه على الأوراق باسم جدته فإنهم سمحوا له بأن يغمس أصبعه فى الحبر الأزرق بدلاً منها، هنا زادت فرحته، فبمجرد خروجه من اللجنة وقف أمامها وطلب من جدته أن تلتقط له صورة بهاتفها المحمول أمام اللجنة، وأن تبرز الحبر الأزرق فى أصبعه، ليضع الصورة على الفيس بوك، وتكون ذكرى لأول انتخابات حقيقية يشارك بها.

 

«نبوية» تعترض على تأخير القضاة فى الدرب الأحمر: خلصونا.. سايبة البيت من غير «شبشب حمام»

ربما تكون الوحيدة التى لم تعان فى سبيل الوصول إلى لجنتها، فالبيت جنب الجامع، حسب تعبيرها، لكن هذا لم يمنع أنها عانت الأمرين من أجل الإدلاء بصوتها، فى لجنة مدرسة «خالد بن الوليد» شارع حيضان الموصلى من باب الدليل فى الدرب الأحمر.

بجلباب البيت، وشبشب الحمام، جلست نبوية محمد على البقرى أمام مقر لجنتها، فى إنتظار القاضى، منذ السابعة والنصف صباحا، على اعتقاد أنها «نص ساعة وهتخلص».. ولكن الوقت طال إلى أكثر من ساعتين، فلم تبدأ اللجنة إلا بعد العاشرة صباحا، نظرا لتأخر وصول القاضى إلى اللجنة، ومع كل لحظة تأخير كان انفعالها يزيد، وحماسها للمشاركة يقل.

«نبوية» لفتت انتباه كل الحاضرين، سواء المندوبون أو موظفو اللجان أو حتى الناخبات – باعتبارها لجنة حريمى - ليس بمظهرها لكن بالحدة والانفعال والخناقات التى افتعلتها مع أغلب الحضور، فكلما سألها أحد المندوبين: هتنتخبى مين يا حاجة؟ أجابت: والله يا بنى مش محددة، لما اقف ورا الستارة هادعى ربنا يولى الأصلح، واللى هيهدينى ليه هاعلم عليه. وعندما حاول أحدهم التأثير على قرارها مقابل 50 جنيها، فضحته فى اللجنة وصرخت: محدش يشترينى، أنا ست حرة ونفسى البلد ينصلح حالها.. هنا حاول آخر تهدئتها بسؤال: روقى يا حاجة، انت عندك كام سنة؟، فباغتته بالرد: انت عميت.. أنا واحدة جاهلة، خد إنت البطاقة واحسبها، أنا مواليد 7 أبريل 1939.

وهكذا قضت «نبوية» الساعتين، بين الحين والآخر، ومع تزايد وفود الناخبات على اللجنة، تصرخ: حد يخلى عنده ضمير ويخلصنا، أنا سايبة البيت من غير شبشب حمام، العيال لما تصحى هتدخل الحمام إزاى؟.. هنا انفجر الحضور ضاحكا، فإذا بها تبكي: بتضحكوا على إيه، ما حالى هو حالكم على الأقل أنا رفضت أبيع صوتى، الدور والباقى عليكم شكلكم قابضين.

كلماتها القاسية ودموعها استرقت القلوب، فإذا بالنساء ينسين اللجنة ويتجمعن حولها، وإذا بها تسترسل: صحيح أنا على قد حالى، والراجل «فلسع» من سنة 90، لكن قدرت أربى 5 عيال، كبيرهم موجه، والباقى معاهم دبلومات، محدش قاطم وسطى غير البت المطلقة من 22 سنة وقاعدة بعيالها معايا.

وتكمل «نبوية»: أنا مستورة، ومعاشى بسم الله ماشاء الله 500 جنيه، أحسن من ناس كتير، بس بصراحة الأيام دى ليها العجب، أول مرة أشوف كيلو لحمة بـ70 جنيه، تتاكل إزاى، ولو اتاكلت أى معدة تقدر تهضمها.. تعى «نبوية» كل كلمة تقولها، وبين الحين والآخر تطلقها مدوية: مابخافش، قال هيسخطوك يا قرد، أنا أوعى على عصر الملك، واتجوزت بعد ما ساب مصر بسنة، وشفته لما خرج معزز مكرم، ومانكرش إن عبد الناصر والسادات ما يتعوضوش أما مبارك فده بقى ابن «تيييت» ضحك علينا وخلانا بلد كلها كبارى.

موقف «نبوبة» الرافض لمبارك، لا يعنى أنها تؤيد ما يحدث فى التحرير، صحيح أنها فرحت بالثورة، لكنها خائفة من الاعتصامات التى بدأها الشباب فى الميدان، لذا طالبتهم بأن يتركوا الجيش يشتغل، ورغم أنها من أنصار صوتك أمانة والبلد لازم تتغير، لكن ومع اقتراب الساعة من العاشرة والنصف دون بدء اللجنة، انتابتها الحسرة: يا ريتنى سمعت كلام بناتى وما نزلتش.

هنا قاطعتها أم عبير بالمثل الشعبى: «ياختى صاحب البيت ولا على باله، والساكن يخرب حاله».. يالا يا ست منك لها، لما الداخلية تبقى خارجية نبقى نيجى، هما فاكرينا فاضيين، تعالوا نفطر مع بعض على عربية الفول.. وغادرت غير عابئة لا بتحذيرات الغرامة ولا بالأمانة التى تحملها فى صوتها.

 

 

«أمين شرطة» على باب اللجنة: كله بتعليمات سيادة الوزير أى وزير؟!: خليها العيسوى

 

بزيه الرسمى وقف محمد على، أمين الشرطة، يمارس عمله فى تأمين لجنة مدرسة طابا للتعليم الأساسى فى مدينة نصر من الخارج، ممسكا بميكروفون ينادى من خلاله على الناخبين الذين تراصوا فى طابور، ليرشدهم إلى خطوات التصويت، ويوضح لهم أرقام اللجان ويجيب عن استفساراتهم لتسهيل العملية الانتخابية. عبارات التحية التى انهالت عليه من الناخبين، من عينة «الله ينور» و«أيوه كده خليكوا معانا عشان تحمونا»، قابلها محمد برد واحد: «كله بأمر سعادة الوزير».. وعندما يواجهه أحد الناخبين بسؤال: «أى وزير فيهم؟».. يفكر قليلا ثم يقول: «العيسوى، وزير الداخلية». عام كامل يفرق بين انتخابات 2010 فى 28 نوفمبر، وانتخابات 2011 التى تمت فى اليوم نفسه، وهى مفارقة لا يدرى محمد هل هى مصادفة أم تمت عن قصد، لكن الفرق كبير حسب قوله بين اليومين، يحكى عن ذكرياته فى 2010: «كنا بنقف على بوابات اللجان، وكل فين وفين لماييجى حد ينتخب، كنا بنشتغل ساعتين بالكتير أوى وبعدين نقعد نريح، طبعا السنين اللى فاتت كنا مستريحين أكتر، لأن مكنش فيه حد بييجى يصوت، لكن السنة دى أول سنة فى حياتنا نشوف الإقبال العظيم ده».

 

 

« نادية» شاهدة على «شراء الأصوات»: مارضتش أبيع مصر

«إن شاء الله ربنا هينصر مصر».. جملة قالتها الحاجة نادية سيد خليل (65 عاما) أثناء دخولها لجنة مدرسة «قاسم أمين» الانتخابية، التى تقع فى بولاق أبوالعلا، وبررت ذلك بقولها: «عندى حالة من الحماس والوطنية مخليانى فرحانة، لأن مصر خلاص وصلت لأول خطوة فى طريق المشوار الصح». النظام الشديد الذى شهدته تلك اللجنة ساعد الحاجة نادية على إنجاز مهمتها بسهولة ونجاح دون تشعر بأى متاعب نظرا لسنها المتقدمة: «بصراحة كنت متخيلة الوضع غير كده خالص كنت فاكرة إنى هلاقى زحام شديد أمام اللجان وأنا ست كبيرة كنت خايفة أقع ولا اتخبط لكن الحمد لله الجيش والشرطة مسيطرين ومنظمين اللجان لدرجة أن عدد الناخبين كبير لكن ده مش عامل مشكلة زحام خالص».

«فرق كبير بين الانتخابات اللى فاتت والانتخابات دى».. جملة قالتها الحاجة نادية بكل ثقة لتعبر عن الفرق الوحيد بين الحالتين، فالانتخابات الماضية كانت تشهد عددا من المخالفات الكبيرة التى كانت تدمى القلوب، وقالت: «كنت بشوف شراء الأصوات بيتم قدام عينى وأقول خسارة عليكى يا مصر ولادك باعوكى بالرخيص».وتعتبر نادية شاهد عيان على شراء الأصوات فى دائرتها، فمنذ أسبوع جاءها مندوب أحد المرشحين عن المقعد الفردى عمال وطلب منها بطاقة الرقم القومى مقابل كرتونة مليئة بالمواد الغذائية، لكنها رفضت قبولها مبررة ذلك «مرضتش أبيع مصر». زوج متوفى وأربعة أولاد متزوجون يعيشون بعيدا عنها.. دفع الحاجة نادية إلى تغيير حياتها، فهى لا تنشغل بهمومها بل تنشغل بهموم مصر كلها وتعتبر نفسها جزءا من التغيير الذى تشهده مصر لأنها شاركت فى ثورة 25 يناير: «يوم 25 يناير ماكنتش أعرف أن فيه ثورة رحت أصلح الريسيفر فى باب اللوق لقيت شباب زى الورد واقفين يهتفوا باسم مصر ودون أن أدرى وجدت نفسى أقف بينهم وأهتف معهم.

الحاجة نادية تقضى يومها كله أمام برامج التوك شو ففيها ترى مصر ومنها تعرف كل أخبار مصر: «من الساعة 7 أقعد قدام التليفزيون وأفضل أقلب بين ده وده وساعات أقعد أكلم نفسى وأقول بحب الثورة اللى طهرت البلد من الفساد».

 

«فريال» بدأت نضالها أمام اللجنة بـ«صوتى للى هيدفع أكتر».. ورسيت على خط محمول

 

من وهى على باب مدرسة الشرفة دائرة باب الشعرية، أعلنتها بصراحة: «هدى صوتى للى يدفع أكتر»، غير عابئة بتواجد الأمن جيش وشرطة ولجان شعبية ومندوبين حول اللجان وداخلها، فهى لا تدرك أن تغييرا حدث فى البلد، لذا جاءت كما اعتادت منذ 40 عاما، تقف أمام اللجنة، وتبيع صوتها لمن يدفع أكثر. هذه المرة كانت مختلفة، فمنذ أن وصلت فريال أبوالمجد إلى مقر لجنتها ومندوبو الأحزاب حولها، كل يعطيها قائمة بحزبه ودعاية له ليس أكثر، وعندما طال انتظارها لـ«المعلوم»، ولم يحدث، صرخت بأعلى صوتها: «احنا هنفضل كده كتير، خلصونا مين هيدفع أكتر».. نداؤها أدهش حضور اللجنة، ودفع بعضهم إلى سؤالها: «رشوة تانى يا ست، احنا تعبنا من شرا الأصوات، والثورة قامت ضدها، تقومى انتى عايزة ترجعيها تانى».. فردت فريال بصراخ مماثل: «احنا بقى عايشين على شرا الأصوات، خلونا نسترزق ده موسم، واللى زيى مايملكش غير صوته يبيعه».

فريال لا تجد حرجاً أوعيباً فى موقفها، فالمبلغ، الذى تتقاضاه من المرشح نظير صوتها، هو آخر تعامل بينه وبينها، وتشرح: «هاشوف المرشح تانى فين، لا حد بيخدم ولا بنشوف وشه بعد الانتخابات، واللى مايلحقش يستفيد النهارده، مش هيستفيد غير بعد 4 سنين». اليأس الذى دب فى نفسها من الحصول على مقابل، جعلها تقرر الانصراف دون أن تدلى بصوتها، لكنها تراجعت فى اللحظة الأخيرة عندما قابلها شيخ يوزع خطوط محمول على الناخبين، هنا أعطته بطاقتها وحصلت على الخط بمنطق «اللى ييجى منهم أحسن منهم».

 

«ماجدة» تفيد وتستفيد: إعرف لجنتك بـ «50 قرش»

عملاً بمبدأ نفّع واستنفع، جلست ماجدة عباس على عتبة منزلها فى المرج، وأمامها كمبيوتر موصل بعدة أسلاك تسمح لها بالدخول على الإنترنت بسهولة وسرعة، فقط لتوفر لك عزيزى الناخب رقم لجنتك وعنوانها، بدلاً من التزاحم أمام اللجان.. هكذا قدمت الخدمة ليس لأهالى شارعها أو منطقتها فحسب، بل لكل من مر مصادفة بالمنطقة، مقابل 50 قرشاً، لا تساوى حسب قولها «تمن الكهرباء والإنترنت».

أعلنت «ماجدة» عن خدمتها بعبارة: «اعرف لجنتك بـ50 قرش وابعد عن زحمة المرشحين»، والتى بدأتها مع انطلاق التصويت فى الساعات الأولى من صباح الاثنين، وبمنطق «هين قرشك ولا تهين نفسك» لجأ كثير من الناخبين لخدمة ماجدة، وابتعدوا عن زحام المندوبين الذين تواجدوا فى الشوارع وحول اللجان، وهو ما عبرت عنه ماجدة: «الناس شبعانة طوابير، كفاية عليهم طوابير الأنابيب والعيش وغيرها، هتبقى كمان طوابير انتخابات».

ولأول مرة تعرف «ماجدة» قيمة إجادتها استخدام الكمبيوتر، وهى الحاصلة على مؤهل متوسط، إذ استفادت من سرعتها عليه بحكم الجلوس مع أطفالها الأربعة، فى تقديم الخدمة بسرعة، وإن عرقلها قليلاً الضغط على موقع اللجنة العليا للانتخابات، وبطء الموقع، فضلاً عن أن عناوين المدارس على الموقع مبهمة، لكنها واجهت المشكلة الأخيرة بحكم خبرتها فى المنطقة التى قضت بها 20 عاماً، حيث تضطر لوصف المدرسة والمقر الانتخابى لكل من يحصل على الخدمة منها، فالوصف بالنسبة لها أسهل بكثير من إعطاء الناخب العنوان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية