على الرغم من تمردها الجميل ورفضها طاعة أى قانون أو نظام أو منطق.. وجنونها الذى يسعدنا أحيانا ويؤلمنا أحيانا أخرى.. لا تعرف كرة القدم مثل هذه الأحكام القاطعة والرؤى الضيقة التى تجعل هذا العالم الكبير صغيرا ليمر حتى من ثقب مفتاح أصغر باب.. وحين سيلعب ريال مدريد الإسبانى أمام ليفربول الإنجليزى فى نهائى دورى الأبطال الأوروبى فى السادس والعشرين من شهر مايو المقبل.. فإن من حق أى مواطن مصرى أن يمارس حريته الكروية فى تشجيع الريال أو ليفربول.. تماما مثلما هو حق لأى مواطن مصرى أن يمارس فرحته الشخصية بمحمد صلاح، الذى أصبح أحد أكبر وأشهر نجوم اللعبة فى العالم وليس نادى ليفربول فقط.. وأنا أحد كثيرين سيتمنون يومها من أجل محمد صلاح أن يفوز ليفربول بالكأس واللقب.
وسيكون هناك يومها كثيرون أيضا يتمنون فوز الريال رغم حبهم واحترامهم وفرحتهم بكل نجاحات محمد صلاح.. ولا يمكن اتهام هؤلاء الذين يعشقون الريال ويتمنون فوزه بخيانة مصر لمجرد أنهم ليسوا فى صف الفريق الذى يلعب له محمد صلاح.. وقد بدأ البعض بالفعل فى توزيع مثل هذه الاتهامات المجانية بالخيانة وعدم الانتماء أو عدم الولاء.. وعلى الرغم من أنها اتهامات غير صحيحة وغير واقعية أيضا.. إلا أنه يمكن التوقف أمامها من باب تحليل مشهد كروى جديد علينا ومشاهد أخرى قديمة عرفناها واعتدناها منذ وقت طويل.. فلأول مرة فى تاريخنا الكروى نصبح كمصريين أحد أطراف أى نهائى أوروبى، بل وأى نهائى عالمى بعيدا عن أمم أفريقيا وبطولات أنديتها.. أرسل محمد صلاح لنا كلنا هذه الدعوة للمشاركة فى النهائى الأوروبى الذى كنا نراه فى الماضى كبطولة كروية جميلة وممتعة لا نملك إلا الفرجة عليها والاستمتاع بالانتماء الحقيقى أو المزيف لأحد الفريقين فى كل نهائى.
لكننا فى هذا النهائى المقبل سنجد نجما مصريا على أرض الملعب الأوليمبى فى مدينة كييف عاصمة أوكرانيا.. وبالتالى أصبح من حق كثيرين منا تشجيع ليفربول يومها، حبا واحتراما لمحمد صلاح.. ومن بين هؤلاء الكثيرين من كانوا يشجعون ليفربول أصلا حتى قبل أن يذهب إليه محمد صلاح.. ومن لايزالون عشاقا لبرشلونة ويعنيهم كثيرا وجدا ألا يفوز الريال بأى بطولة جديدة.. وأيضا من لا يهتمون بكرة القدم نفسها لكنهم يهتمون كثيرا وجدا بمحمد صلاح ولا يعنيهم مركزه فى الفريق أو كيف يلعب، لكن المهم أن يبقى منتصرا وقادرا على تسجيل هدف بعد هدف لتزداد مكانته ومساحة الإعجاب به فى العالم كله.
وفى مقابل كل هؤلاء سنجد عشاق الريال الذى سيشجعونه حتى وهو يلعب أمام الفريق الذى يلعب له محمد صلاح.. وسيتمنى معظم هؤلاء التألق والإجادة لمحمد صلاح واللقب والكأس للريال.. وليس فى ذلك أى تناقض.. وبالتأكيد هؤلاء ليسوا خائنين لوطنهم أو أنهم تنازلوا عن مصريتهم من أجل عشق الريال الساكن فى العاصمة الإسبانية مدريد.. وفى كل الأحوال هى فرصة للجميع للهدوء والفرجة بعيدا عن هذا الاندفاع الكروى المجنون.