x

الأزبكية وملحقاتها.. «بهجة» القاهرة الخديوية

الجمعة 27-04-2018 09:40 | كتب: محمد عجم |
الأزبكية الأزبكية تصوير : اخبار

«أريدُ الأزبكية قطعة من باريس.. تجمع بين جمال حدائق الغابة السوداء (غابة بولونيا) فى باريس وبين منطقة أوبرا باريس والأحياء التجارية حولها».

فكان التكليف الذى وجهه الخديو إسماعيل إلى الفرنسى هوسمان، المهندس الشهير فى تخطيط المدن، واضعا رؤيته الخاصة لمنطقة الأزبكية، كجزء من خطة تحويل قلب القاهرة إلى نسخة من أوروبا التى بدأها بعد تولى عرش مصر عام 1863م.

وبهذه الكلمات التى حملت حلمًا خديويًا، تحقق بعدها بسنوات، بعدما أوكل هوسمان مهمة التخطيط والتطوير إلى المهندس باريللى ديشان، الذى تفوق فى مهمته، حيث أصبحت منطقة الأزبكية ومحيطها على يديه إلى أشهر أماكن القاهرة منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر، بعد أن تحولت لـ«حدائق ذات بهجة». ويمكن أن نرى ملامح هذه «البهجة» فيما أرَّخه ببلاغة الكاتب إلياس الأیوبى المتوفى بمصر سنة ١٩٢٧م - فى كتابه «تاریخ مصر فى عهد الخديو إسماعیل»، حيث يصف الأزبكية بقوله «إنها متنزه من أجمل المتنزهات ومكان بدیع یخلب الألباب تنیره الأنوار الغازیة وتزینه الفسقیات الناثرة الماء فى الأعالى لؤلؤا ساطعا والمغائر الصناعیة المنحدر منها الماء بخریر تلذ به الأسماع إلى بحیرة صافیة تجرى الأسماك فیها ملونة». ورغم تلك الصورة «لم يكن هدف الخديو إسماعيل مجرد تجميل الأزبكية.. بل كان يخطط لتحويلها إلى (صرة) لعاصمته التى يحلم بها. كان يريد لها أن تكمل مشروعه الآخر بتخطيط منطقة الإسماعيلية- بين كوبرى قصر النيل وميدان التحرير وشوارع وسط القاهرة كلها»، وفق ما أورده الكاتب عباس الطرابيلى فى كتابه «شوارع لها تاريخ». أما عن تاريخ المنطقة، فینسب اسم الأزبكیة إلى «الأتابك أزبك»، قائد جيوش السلطان قايتباى، الذى أهداه الأخير قطعة أرض ناحية بركة بطن البقرة وكانت حينئذ أرضا جرداء، فبدأ فى تعمیرها، وكانت منطقة خربة، فحفر مجرى لیوصل الماء إلیها وسكنَ بها، بعد أن أزال تلال القمامة ومهد الأرض وجدد حفر البركة.. فتشجع الأهالى، وانطلقوا یبنون حولها بیوتهم لتتحول الأزبكیة إلى حى كبیر عام 1495 ميلادية، وأنشأ بها مسجدا كبيرا، وانتشرت حوله الحمامات والطواحین والربوع، وعندما دخل العثمانیون مصر أقاموا خیامهم حول البركة، وهو ما يذكره أيضا كتاب «شوارع لها تاريخ». وكجزء من تعمير المنطقة ظهرت حديقة الأزبكية، ودار الأوبرا، وأنشئ فندق كونتننتال، وشمل التخطيط ميدان العتبة الخضراء.

وقد ارتبطت قصة إنشاء القديمة بافتتاح قناة السويس، واستغرق تشييدها ستة أشهر وتكلف بناؤها مليونا وستمائة ألف جنيه، وقد تم افتتاحها فى الأول من نوفمبر سنة 1869 مع احتفالات قناة السويس، واعتبرت الأولى فى قارة أفريقيا، واعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة، وعلى الرغم من اهتمام الخديو إسماعيل ورغبته الأكيدة فى أن تفتتح دار الأوبرا الخديوية بعرض أوبرا عايدة حالت الظروف، دون تقديمها فى موعد الافتتاح، وتم افتتاح الأوبرا الخديوية بعرض ريجوليتو، وفى فجر الثامن والعشرين من أكتوبر 1971 احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بالكامل. فى عام 1864 تم ردم البركة التى كانت تتوسط الميدان، وأنشئ فى نفس مكانها حديقة الأزبكية، على مساحة 21 فدانا، أحيطت بسور من البناء والحديد وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع. افتتحت الحديقة فى عام ١٨٧٢ وكانت ثمانية الشكل وكان بها شلالات وبركة صغيرة ونافورة رخامية، وزرعـت المشايات بالزهور، وقـد كانت الأزبكية فى منتصف الستينيات من القرن التاسع عشر واحدة من أجمـل حـدائق العالم وتنافس أشهرها.

وبحسب الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فإن كشك الشاى بحديقة الأزبكية أقيم على ربوة عالية، ليطل على بحيرة للبجع، وحتى يُمكن للخديو مشاهدة الأوبرا الخديوية ومسرح الأزبكية وفندق كونتننتال، وكان تحته كشك للموسيقى.

ورغم أن الحديقة كانت لأعوام طويلة واحدة من أبرز المتنزهات العالمية تقدما وأهمية، فقد شهدت تدهورًا كبيرًا على مدار العقود السابقة. أما مسرح الأزبكية، فقد بدأ الخديو إسماعيل إنشاءه فى 22 نوفمبر 1867، وافتتح فى 4 يناير 1868، وكان يطلق عليه تياترو الأزبكية، وقد تغيرت أحوال المسرح بعد قيام ثورة يوليو 1952، وحمل اسم المسرح القومى سنة 1958.

أما فندق كونتننتال، فقد ذكر الدكتور عبدالرحمن زكى، فى كتابه مدينة القاهرة فى ألف عام، أن الفندق بناه رجل يوغسلافى سنة 1899، وكان يحتل موقعا بارزا فى السياسة المصرية، وكان من رواد بهوه الزعيم سعد زغلول، وأحمد باشا زيور، رئيس وزراء مصر فى عشرينيات القرن الماضى، وعدد كبير من أبرز الساسة فى ذلك الوقت. كما إن إحدى قاعات الفندق أعلن منها الملك فؤاد الملكية واستقلال مصر عن بريطانيا فى مارس 1922. وفق الجهاز القومى للتنسيق الحضارى يشوب تاريخ الإنشاء بعض الالتباس، حيث تتضارب الأقوال بشأن سنة إنشائه، حتى قيل إنه استضاف ضيوف حفل افتتاح قناة السويس فى 1869، إلا أنه بالبحث، تبين أنه بنى فى نفس المكان الذى كان يشغله فندق ضخم آخر هو نيوهوتيل بعد أن تم هدمه.

وفى عام 1873 كما يذكر كتاب شوارع لها تاريخ، أقيم تمثال إبراهيم باشا والد الخديو إسماعيل، ونفذه المثّال كورديه، وتكلف 15430 جنيها، وتكلفت قاعدته 2890 جنيها. وأخيرا يظل سور الأزبكية من أكثر الأماكن التى ترتبط بمنطقة الأزبكية فى العصر الحديث سوق سور الأزبكية، أشهر سوق للكتب المستعملة فى مصر، حيث استخدم تجار الكتب قديما سور حديقة الأزبكية من الخارج المطل على ميدان الأوبرا لعرض بضاعتهم من الكتب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية