(عزيزى نيوتن؛
فور نشر تعليق الكاتب أحمد سعيد المصرى فى عمودكم تحت عنوان: الديمقراطية أساس الجمهورية، طالبنى البعض بالرد الفورى. وغضبوا حينما قلت لهم إننى حينما أجد تعليقا على كلامى يغلب عليه استخدام كلمات عاطفية مثل «الانتصار للديمقراطية» (وكأننا فى حرب وليس نقاشا) أفضل الانسحاب، لأنه يتحول إلى جدل كما أن الأستاذ نيوتن لن ينشره حتى لا يتحول عموده إلى منبر صراع. فكان ردهم «اعمل اللى عليك ولا تفترض الرفض».
أبدأ ردى بأن تعليقى لم يكن به سجن للحقيقة، ولا ابتسار لمقولات آباء الدستور الأمريكى كما قال الأستاذ أحمد، بل إن كل ما نقلته عنهم حقائق مجردة موجودة بالكتب ويعرفها كل طالب يدرس التاريخ أو السياسة فى أى جامعة أمريكية. فلا خلاف على أن آباء الدستور الأمريكى فعلوا كل ما بوسعهم لكى لا تقع دولتهم فريسة للديمقراطية قصيرة العمر، والتى تتحول بسهولة إلى أوليجاركية أو حكم جماعة أو فئة. لقد أرادوا لدولتهم أن تكون جمهورية أساسها «سيادة القانون» وحماية الحقوق المعطاة من الخالق (God given rights) وعلى رأسها الحق فى الحياة. الحق فى الحرية. الحق فى البحث عن السعادة، والحق فى الملكية. ولا يحق لأى حكومة أتت عن طريق أغلبية أن تهدر هذه الحقوق وبالذات للأقليات. طبعا حاول البعض، مثلا، منع تحرير العبيد، ونجحوا لبعض الوقت ولكن مبادئ الجمهورية انتصرت. وتمت إضافة ملحق يقر بحرية العبيد تحديدا. يقول ناعوم تشومسكى، أستاذ الأساتذة عن الديمقراطية، إنها طغيان الأغلبية. فمن يفوزون ولو بنسبة ١٪ هم أصحاب القرار، كما حدث فى حالة هتلر وغيره كثيرون. فقد أثار أتباعه الفوضى فصوّت الناس لمن يقدر على وقفها وكان هتلر الأقدر فصوّتت الأغلبية له. إذاً هى مسألة حظ.
أما ديمقراطية الحضارة اليونانية القديمة فأقدر من يصفها هو من عايشها وخبرها وهو أرسطو. لقد وصف نظام الانتخابات فيها بمجموعة من الناس مسافرين على مركب. تم منحهم الحق فى اختيار قائد المركب وطاقمه. وغالبيتهم لا يفقهون شيئا عن متطلبات وظيفة القبطان والطاقم. وعندما تواجه السفينة أول عاصفة حتمية تحدث الكارثة. إنها كارثة أن تعطى العامة من الناس «بلا ضابط» حق اختيار الذين يديرون الدولة ويغيرون القوانين. خاصة أن العامة سهل التأثير عليهم بل غسل عقولهم وتخويفهم، وإطلاق الوعود التى حتماً ستجتذبهم. ففى كل دول العالم الأغلبية الساحقة من الشعب من الطبقة المتوسطة والفقيرة. عادة ما تكون الطبقة الغنية أقلية ولكن فائدتهم عظيمة. فلا يختلف اثنان على أن فورد ملك السيارات ومورغان ملك الكهرباء وفاندربيلد ملك السكك الحديدية وكارنيجى ملك الحديد وروكفلر ملك البترول- هم ركائز حضارة وقوة أمريكا وتفوقها على مدى ١٢٠ عاما. ولولا النظام الجمهورى الذى حماهم لصوتت الأغلبية على تأميمهم فى مراحلهم الأولى بدعوى أنهم مصاصو دماء ومحتكرون وفاسدون. وقد أتى من بعدهم عظماء أفراد كثيرون أمثال بيل جيتس وستيف جوبز اللذين غيرا وتيرة التقدم.
أستاذى نيوتن، الديمقراطية شر مستطير، والجمهورية ليست الكمال أيضا ولكننا ذقنا شرور الديمقراطية من داخلنا ومن خارجنا. أرجو ألا ننسى أن مصدر المعلومات الأكبر الذى شكل عقول الناس فى ٢٠١١ وقبلها وسبب خراباً وقتلاً وما زلنا نعانى منه- كان قناة الجزيرة التى لوّثت بالكذب سمعة كل الأفذاذ من السياسيين ورجال الأعمال الذين نحتاج لعشرات السنوات لاستنساخهم. لو سألنى أحد بعد كل هذا الكلام: هل نلغى الانتخابات؟ يكون لم يفهم ولن يفهم شيئاً مما كتبته.
م. صلاح حافظ)
نيوتن: ونحن فى مرحلة تأسيس دولة المستقبل. موضوع كهذا يستحق أن يكون محل جدل ونقاش. ويمكن النظر إليه من زواياه المختلفة. فالأمر يستحق.