يمثل الخطاب الشهير للرئيس الراحل السادات فى الكنيست مرحلة فارقة فى تاريخ مصر وإسرائيل ومثل تعبيرا عن النوايا المصرية للرغبة فى سلام حقيقى وإن لم تلتزم إسرائيل بما ورد فى الخطاب ويعد هذا الخطاب روشتة سلام لو التزمت بها إسرائيل بما جاء فيها لتعايشت مع جيرانها العرب.
قبل 41 عاما وقف السادات، على منصة الكنيست، وألقى هذا الخطاب، كما كانت زيارة السادات لإسرائيل بحدّ ذاتها بعد 30 عامًا من العداء بين إسرائيل العالم والعربى مفاجأة لكل العالم ووضعت إسرائيل على المحك إذا ما كانت تريد سلاما بحق أم لا؟.
وكان السادات فى 9 نوفمبر 1977، قد فجّرقنبلة دبلوماسية لا للغرب فقط بل لكل العرب حين كان يخطب فى مجلس الشعب وقال: »ستُدهش إسرائيل عندما تسمعنى أقول الآن أمامكم إننى مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم»، وقد كان هذا الخطاب ومن بعده زيارة إسرائيل سببا فى قطيعة عربية لمصر أسفرت عن نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وكان ممن أصيبوا بالذهول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذى كان حاضرا فى مجلس الشعب أثناء إلقاء الخطبة التى لم تتأخر بعدها دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك مناحم بيجن، وفى 20 نوفمبر هبطت طائرة السادات فى إسرائيل وفى اليوم التالى ألقى خطابه هذا فى الكنيست.
وكان مما قاله السادات: «هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية»، ورغم ذلك لم تلب إسرائيل جميع المطالب التى طرحها السادات فى خطابه وانسحبت حتى حدود 1967 على الحُدود مع مصر، وواصلت احتلالها لباقى الأراضى العربية.
ومما جاء فى خطاب السادات: «السلام لنا جميعا على الأرض العربية وفى إسرائيل وفى كل مكان من أرض العالم الكبير المعقد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادة، والمهدد بين الحين والآخر بالحروب المدمرة، تلك التى يصنعها الانسان ليقضى بها على أخيه الانسان، وفى النهاية، وبين أنقاض ما بنى الانسان وبين أشلاء الضحايا من بنى الانسان فلا غالب ولا مغلوب بل إن المغلوب الحقيقى دائما هو الإنسان، وقد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين، لكى نبنى حياة جديدة، لكى نقيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمون ومسيحيون ويهود».
إلى قوله: «إن الروح التى تزهق فى الحرب، هى روح الإنسان سواء كان عربيا أو إسرائيليا‘ إن الزوجة التى تترمل.. هى إنسانة من حقها أن تعيش فى أسرة سعيدة سواء كانت عربية أو إسرائيلية‘ إن الأطفال الأبرياء الذين يفتقدون رعاية الآباء وعطفهم هم أطفالنا جميعا، على أرض العرب أو فى اسرائيل.. لهم علينا المسؤولية الكبرى فى أن نوفر لهم الحاضر الهانئ والغد الجميل من أجل أن تنتج مجتمعاتنا وهى آمنة مطمئنة».
إلى قوله: «لماذا نورث هذه الأجيال نتائج سفك الدماء، وإزهاق الارواح، وتيتيم الأطفال، وترمل الزوجات، وهدم الأسر، وآنين الضحايا؟.
إن الانسحاب الكامل من الأرض العربية المحتلة بعد ١٩٦٧، أمر بديهى لا نقبل فيه الجدل ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد، ولا معنى لأى حديث عن السلام العادل ولا معنى لأى خطوة لضمان حياتنا معا فى هذه المنطقة من العالم فى أى أمن وأمان، وأنتم تحتلون أرضا عربية بالقوة المسلحة، فليس هنالك سلام يستقيم أو يبنى مع احتلال أرض الغير، نعم، هذه بديهية لا تقبل الجدل والنقاش إذا خلصت النوايا لإقرار السلام الدائم العادل لجيلنا ولكل الأجيال من بعدنا. أحمل إليكم رسالة السلام رسالة شعب مصر الذى لا يعرف التعصب والذى يعيش أبناؤه من مسلمين ومسيحيين ويهود بروح المودة والحب والتسامح، فيا كل رجل وامرأة وطفل فى إسرائيل شجعوا قياداتكم على نضال السلام ولتتجه الجهود إلى بناء صرح شامخ للسلام، بدلا من بناء القلاع والمخابئ المحصنة بصواريخ الدمار، قدموا للعالم كله، صورة الانسان الجديد، فى هذه المنطقة من العالم، بشروا أبناءكم أن ما مضى، هو آخر الحروب ونهاية الآلام، وأن ما هو قادم هو البداية الجديدة للحياة الجديدة حياة الحب والخير والحرية والسلام، ويا أيتها الأم الثكلى ويا أيتها الزوجة المترملة ويا أيها الابن الذى فقد الأخ والأب، يا كل ضحايا الحروب املأوا الأرض والفضاء، بتراتيل السلام، املأوا الصدور والقلوب، بآمال السلام.