كان يوم الجمعة التاسع من سبتمبر ١٨٨١ هو يوم «جمعة الغضب» للزعيم أحمد عرابي وصحبه، إذ قاد مظاهرته العسكرية حتى بلغ ميدان عابدين في مواجهة سراى عابدين، وكان عرابى قد حدد– بشكل مسبق- مطالبه التي أراد رفعها إلى الخديو توفيق وسجلها في خطاب رسمى بعث به إلى وزير الحربية.
كما أرسل عرابي لقناصل الدول الأجنبية يطمئنهم على استتباب الأمن، وأن المظاهرة تنظم لتسوية شأن داخلي، وأراد الحكم (الخديو توفيق) إجهاض مشروع المظاهرة، وكان الميدان يغص بالجموع الحاشدة من الأهالى الذين جاءوا لمشاهدة المظاهرة، واستبد الفزع بالخديو الذي خرج محتميا بقناصل الدول الأجنبية والوزراء ونصحه نائب القنصل البريطانى بأن يخرج إلى الميدان لتحدث هيبته أثرها في الجنود، فنزل الخديو وصاح في عرابى أن يغمد سيفه ويترجل عن فرسه، ففعل.
ثم سأله الخديو عن بغيته فقالها عرابى وكانت هذه المطالب هي إسقاط الوزارة المستبدة وتأليف مجلس نواب جديد وزيادة عدد الجيش إلى العدد الذي يقضى به الفرمان السلطانى، فرد عليه توفيق بقوله: «هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت حكم هذه البلاد عن آبائى وأجدادى، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا، فرد عرابى عليه قائلا: لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا وعقارا ولن نورث أو نستعبدبعد اليوم»، وكانت نتيجة هذه المظاهرةأن نزل الخديو على بعض مطالبها مع حرصه على كسب الوقت بغرض التحايل على هذه المطالب، وأقال وزارة رياض باشا وكلف شريف باشا بتأليف الوزارة.
وحاول الخديو في ذات الوقت الاستقواء بالباب العالى، لكنه عدل عن هذه المحاولة خوفا من مغبتها في الداخل، وقام شريف باشا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين،وأرسل السلطان العثمانى لمصر لجنة للتحقيق فيما حدث في مصر من تمرد عسكرى وفى أكتوبر من نفس العام ١٨٨١ رفع شريف باشا إلى الخديو توفيق تقريرا بإجابة مطالب الأمة لإقامة النظام الدستورى بإجراء انتخابات لمجلس نواب جديد على أساس اللائحة القديمة لمجلس شورى النواب.
وفى الثامن من يناير عام ١٨٨٢ حضر شريف باشا إلى مجلس النواب، الجديد ليقدم الدستور الجديد إلى المجلس، وألقى خطابا تاريخياً، غير أن إنجلترا وفرنسا حاولا الحيلولة دون وجود حياة برلمانية سليمة وحياة ديمقراطية في مصر دون جدوى، إلى أن قدم شريف باشا استقالته فكلف الخديو توفيق محمود سامى البارودى بتأليف وزارة جديدة فرحت بها البلاد.
و«زي النهارده» في ٨ فبراير ١٨٨٢ اجتمع مجلس النواب الجديد وحضره البارودي، وقدم الدستور الجديد الذي أقره المجلس وصدق عليه الخديو، وألقى البارودى خطابا تاريخيا رائعا حول الديمقراطية وضرورة تعميقها وتأصيلها.