500 متر فقط تفصل بين مدرسة عباس زاهر بمنطقة ميناء دمياط ومبنى مصنع «موبكو» للكيماويات.. المدرسة التى يدرس فيها ما يقرب من 200 تلميذ، هى الأقرب إلى المنطقة، يعانى فيها الصغار من أمراض الحساسية الصدرية، وهو ما أكده غالبية أولياء الأمور فى المنطقة، وأكدوا أن المصنع يهدد هيئة التدريس والطلاب بالإصابة بالأمراض.
حتى الأشجار التى حرص التلاميذ على زراعتها، أعلنت عجزها عن الحياة فاصفرت أوراق شجرة الموز، التى تتصدر مشهد المدرسة، وأصيبت باقى الأشجار بالعجز عن النمو ونضوب الثمار.. المشهد يعتبره محمد الصياد، أحد أولياء الأمور، دليلاً قوياً على أن أولادهم فى خطر بسبب ما يبثه المصنع من انبعاثات غازية، ولفت إلى أنهم ليس لديهم مدرسة بديلة تغنى أولادهم عن التعرض لهذه الانبعاثات وتحميهم من الإصابة بالأمراض.
المصنع الذى يفصله عن المدرسة بعض المساحات الزراعية، التى أصابها التلف، لا يكف عن العمل حتى فى أوقات الإجازة، فالغازات تنبعث من مداخنه بشكل مستمر، ما دفع الصياد ليقول: «الخطر الحقيقى الذى يخشاه أغلب الدمايطة، هو أن أقل خطأ أثناء عملية التشغيل، وما قد ينتج عنه من انبعاثات غازية سامة، لن يؤثر فقط على المنطقة المحيطة بالمصنع وإنما سيشمل مساحة كبيرة تزيد على 40 كيلومتراً تقريباً» وأضاف: إن هذا الخطر الذى يحاول المسؤولون تخديرنا بأنه لن يحدث، وقع فى الهند منذ سنوات وتسبب فى تدمير مناطق بشرية بأكملها وهو ما نخشاه جميعاً.
المنشورات التى تندد بـ«أجريوم» صارت لغة حوار بين المواطنين، تحثهم جميعاً على رفض المصنع ونبذه، وهو ما حمله أحد المنشورات بعنوان: «أجريوم لم يرحل عن دمياط بعد» وأوضحوا من خلاله أن الدول الأوروبية احتفلت خلال 2010 برحيل آخر مصانع للأسمدة، واعتبروا القرارات الصادرة عن الحكومة المصرية خلال 2008 التى تحدثت عن نقل المصنع من دمياط «خدعة كبيرة» أوهم بها المسؤولون الشعب الدمياطى بأنهم نجحوا فى حملتهم ضد «مصنع الموت» إلا أن الحقيقة التى اكتشفوها هى استحواذ مصنع أجريوم على «موبكو»، ونقله من خارج ميناء دمياط إلى داخله، واستمرار التوسعات به لحين اكتمال جميع مراحل المشروع القديمة بالشكل الذى يضر بالصالح العام للمواطنين.
وقال عمر عبدالسلام، رئيس مجلس إدارة المجمع الإسلامى بقرية السنانية، أحد أبرز المحاربين ضد مصنع الموت وفق وصفه ـ إن اختيار الشركة الكندية لدمياط من أجل إنشاء المصنع، جاء لأن فيها جميع التسهيلات التى يحتاجونها من كميات للمياه، حصلوا عليها بتسهيلات وتوقيعات لمسؤولين سابقين، إلى جانب الميناء والأراضى، التى حصلوا عليها دون وجه حق، موضحاً أن هذه الأمور تثير حفيظة المواطنين. ولفت «عبدالسلام» إلى أن ثورة الدمايطة ضد المصنع لم تكن مفاجأة لأننا نددنا باستمرار المصنع طوال الفترة الماضية من خلال وقفات احتجاجية كثيرة، إلا أن المسؤولين داخل مصنع الموت استغلوا أحداث ثورة 25 يناير، وقاموا بعمل توسعات كبيرة داخله، تمهيداً لتدشين مصنعى «موبكو 2 و3»، وهو ما اكتشفه المواطنون، لكن الأمر الذى ضاعف من غضبهم وفق قوله، هو القرارات الوزارية الأخيرة، التى تخص إنشاءات مصنع موبكو، التى وافقت على اكتمال المشروع دون أن تصدر قرارات بوقفها، نتيجة لعدم التزامه، ودون أن تطالبه الحكومة بعمل محطات التحلية المطلوبة، وعدم الاعتماد على مياه النيل، التى يحصلون عليها من حصة المواطنين دون وجه حق.
التصعيد الذى تحدث عنه «عبدالسلام» يعتبره أمراً متوقعاً، فى ظل غياب رد فعل قوى من قبل المسؤولين الحكوميين لطمأنة الشارع الدمياطى وإعادة الثقة لهم. كما اعتبر أن خروج المواطنين من بيوتهم والاحتجاج والاعتصام فى الشارع هو الطريق الوحيد لتأمين أرواح أبنائهم وحياتهم فى مواجهة الخطر.
الدكتور عبده البردويل، أحد أعضاء لجنة تقييم الأثر البيئى، يؤكد أنه تم تشكيل لجنة من قبل وزارة البيئة بالقرار رقم 126 لسنة 2011 من أجل معرفة الحمل البيئى للمنطقة، وتحديد ما إذا كانت المصانع مخالفة أم مطابقة للاشتراطات البيئية. وتابع: لكن النتائج التى توصلت إليها اللجنة، أثبتت وجود مخالفات لمصنع موبكو ما دفع اللجنة إلى تقديم توصيات تطالب فيها المصنع باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذه المخالفات، ومنها: «عدم سحب مياه من النيل، وإقامة محطات لتحلية مياه البحر والاعتماد عليها فى عملية التشغيل». ولفت إلى أن الشركة تسحب نحو 2 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، رغم شح المياه ونقصها فى المحافظة، لدرجة أن هناك مساحات زراعية لا تصلها المياه.
وأضاف: «طالبنا بعمل محطة صرف صحى وصناعى، خاصة بالمصنع، حتى لا يقوم بإلقاء مخلفاته داخل الصرف الخاص بمنطقة رأس البر، إضافة إلى مطالبتنا بالتعاقد مع شركات للتخلص من المخلفات الخطرة والصلبة، حتى لا يتم إلقاؤها فى مياه البحر، وإعداد فلاتر خاصة لعوادم المداخن، حتى لا تؤثر الغازات المنبعثة على القرى القريبة». وأوضح «البردويل» أن وجود عدد كبير من المصانع فى المنطقة أدى إلى زيادة الحمل البيئى، بدرجة أصبحت لا تتحمل معها البيئة نسبة العوادم والكبريتات الناتجة فى المنطقة ما أثر سلباً على بعض المناطق. وطالب الشركة بالالتزام بالتعاقد مع شركات متخصصة لإعدام النفايات المشعة، لحين توفيق أوضاعها.
وأضاف: إن مجلس الوزراء صدق على جميع التوصيات عدا اثنتين، تم تغييرهما، فبدلاً من وقف سحب المصنع كميات كبيرة من مياه النيل، وإلزامه بعمل محطات تحلية، وافق على عدم أخذ نسب تفوق الـ2 مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى أن التوصيات طالبت بوقف التوسعات الخاصة بالمصنع، لحين توفيق أوضاع المبنى الرئيسى له، إلا أن المسؤولين عدلوا هذا البند، بالسماح لهم بعمل التوسعات مقابل وقف منحهم ترخيص العمل لحين توفيق الأوضاع. وأضاف: كان أهم شروط نقل المصنع خلال حكم النظام السابق إنشاء محطات للصرف خاصة بالمصنع، ومحطات لتحلية المياه وزراعة غابة شجرية تحيط به من كل جانب، وعدم الصرف فى محطات صرف «رأس البر» وهو ما لم يحدث حتى الآن.
فيما ذكر على مطاوع، مهندس استشارى، أحد ممثلى المجتمع المدنى فى لجنة تقييم الأثر البيئى، أن هناك أناساً لديهم مصالح شخصية يحركون الأمور ويدفعون الموقف إلى التصعيد غير المبرر، وأن بعض قاطعى الطريق ليسوا من السنانية ولهم أغراض غير معلومة. وبرر اشتداد الأزمة وتفاقم الأمور بأن هناك صلة وثيقة بقرب موعد الانتخابات، وهو الحال الذى يرغبه البعض من أجل عدم استقرار البلاد.
من جانبه قال المهندس مدحت يوسف، العضو المنتدب لشركة موبكو، إن شركة أجريوم لا وجود لها منذ 2008 وأنها أصبحت شريكاً مساهماً فى رأس البر بشركة «أبيكورد» السعودية بنسبة 26٪، ولفت إلى أن تقارير أساتذة كلية الزراعة أكدت عدم وجود تأثير على الزراعات من «موبكو». وتابع: زرعنا مساحات داخل «موبكو» من الأزهار الرقيقة ولا يوجد تأثير عليها من الملوثات. ولفت إلى أنه لو أن هناك ضرراً ما من المصنع، فإنه سيضر المنطقة بأكملها وليس أجزاء منفردة من المساحات المجاورة.
وأوضح أن المصنع يضخ فى السوق المصرية ما يقرب من 30 ألف طن خلال العام الجارى فى السوق المحلية، ويوجد تهافت كبير من المزارعين على إنتاجه، مؤكداً أن المصنع يعتمد على 808 عمال من محافظات مختلفة بينهم 381 عاملاً دمياطياً، وجميعهم لا يجدون حرجاً فى العمل داخل المصنع ويعتبرونه مكاناً آمناً للعمل. وحول مطالبة المحتجين بنقل المصنع، أكد «يوسف» أن قرار النقل لن يحدث إلا بقرار من قبل مجلس الوزراء، ولفت إلى أن نقله سوف يتكلف 700 مليون دولار، وقال يجب ألا نتحدث عن النقل لأنه لو كان ضاراً لما تم إنشاؤه من الأساس، لافتاً إلى أن جهاز الدولة لشؤون البيئة يوافق على إنشاء مثل هذا النوع من المصانع.