x

عزيز فهمي عزيز فهمي يكتب من واشنطن: تداعيات كتاب «نار وغضب» على مستقبل «ترامب» (2-3) عزيز فهمي السبت 20-01-2018 00:28


يبدو المستقبل السياسي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على المحك، بسبب الأحداث المتسارعة منذ وصوله إلى المكتب البيضاوي، قبل نحو عام. فيما الرجل الذي جاء رئيسًا وسط عاصفة غير مسبوقة من الرفض في الشارع الأمريكي، خاصة النخبة منه، ما زال يمارس «ثقافة الإنكار» غير عابئ بالنار المشتعلة من حوله محليًا، والنار التي يود إشعالها من أدنى الكوكب في كوريا الشمالية إلى أقصاه في فنزويلا، فضلا عن «قرارات لا تغتفر» مثل قراره بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة.

«نار وغضب.. داخل بيت ترامب الأبيض»، يبدو عنوان الكتاب في نصفه الأول من نوعية الكتب المثيرة، لكن المثير في الأمر حقا هو أن يتوقف مصير رئيس أكبر دولة في النظام العالمي على كتاب، في قضية تشبه فضيحة «ووترجيت»، فقبل حوالي 44 عامًا، أطاح تحقيق صحفي بـ«واشنطن بوست»، أعده الصحفيان «كارل برنستين» و«بوب وود ورد»، بالرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، ريتشارد نيكسون.

«المصري اليوم»، تحاول في سلسلة من المقالات يكتبها الإعلامي المصري المقيم في أمريكا، عزيز فهمي، قراءة ما بين سطور الكتاب، آملة أن تقدم للقارئ عرضًا وافيًا لـ«محنة» الرئيس الخامس والأربعين، فضلا عن الأسئلة التي يطرحها الكتاب واستقبال المواطن الأمريكي لما ورد به من اتهامات تخص «ملياردير العقارات» والانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى سدة الحكم في أمريكا، ومدى تأثيره على تحقيقات المدعي العام روبرت مولر، في دعاوى التدخل الروسي في انتخابات 2016.

بوابة «المصري اليوم»

عزيز فهمي يكتب من واشنطن: تداعيات كتاب «نار وغضب» على مستقبل «ترامب» (2-3)

ادعى مايكل وولف أن كتابه «نار وغضب داخل البيت الأبيض» سيقضى على حكم الرئيس ترامب وهو إدعاء ترويجي لتسويق الكتاب، ومع ذلك فإن الكتاب قد يلعب دورا هاما في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لأنه ألقى أضواء جديدة على قضية التواطؤ المحتمل بين المجهود الروسي وحملة ترامب الرئاسية، وأشرنا في المقالة السابقة إلى وصف ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب في الكتاب اجتماع ابن الرئيس ترامب مع محامية روسية في يونيو 2016 أثناء الحملة الانتخابية بأنه كان خيانة للوطن، فسارع المحقق المستقل روبرت موللر هذا الأسبوع باستدعاء ستيف بانون للإدلاء بشاهدته في قضية التدخل الروسي في الانتخابات لأن ستيف كان رئيس الحملة الانتخابية في نهايتها، وبهذه الصفة كان من أهم المسؤولين المقربين للرئيس ترامب اثناء الحملة الانتخابية ثم أصبح كبير مستشاريه في البيت الأبيض. وفي نفس الوقت استدعت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، التي تحقق أيضا في التدخل الروسي في الانتخابات، ستيف بانون للإدلاء بشهادته، وهذه الشهادات يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية في إثبات تواطؤ حملة ترمب مع المجهود الروسي للتدخل في الانتخابات.

ومما يزيد خطورة الوضع الآن أن الرئيس ترامب حول ستيف بانون إلى عدو بعد نشر الكتاب، حيث هاجمه الرئيس ترامب وقال إنه فقد عقله، وأكد أنه بكى يوم طرده من البيت الأبيض. ثم قام ترامب بالضغط على البليونير روبرت ميرسر صاحب المؤسسة الصحفية اليمينية المحافظة «بريت بار نيوز» ودفعه لطرد ستيف بانون من منصبه كرئيس تحرير لهذه المؤسسة.

وبذلك دمر الرئيس ترامب كل الجسور بينه وبين رئيس حملته وكبير مستشاريه السابق ستيف بانون. والسؤال الأكبر الآن هل يرد ستيف بانون الصاع صاعين للرئيس ترامب ويقدم معلومات سرية تثبت التواطؤ بين حملة الرئيس ترامب والمجهود الروسي للتدخل في الانتخابات الرئاسية لمصلحة ترامب؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال الآن لأن بانون أثناء الإدلاء بشهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الثلاثاء 16 يناير، رفض الإجابة على كثير من الأسئلة مؤكدا أن البيت الأبيض يمنعه من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بعمله كرئيس للحملة الانتخابية وأثناء عمله في البيت الأبيض. وقد أغضب ذلك المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين، فأصدرو مذكرة استدعاء رسمية بدلا من الشهادة الاختيارية، لأن الشاهد في حالة الاستدعاء الرسمي يُجبر على الإجابة على كل الأٍسئلة، وإذا رفض يحق للجنة الاستخبارات أخذه للمحكمة وإجباره على الإجابة على كل الأسئلة. أما في حالة استدعاء المباحث الفيدرالية والمحقق المستقل فإن الشاهد يُجبر على الإجابة على كل الأسئلة، ومن غير المعروف الآن متى سيمثُل ستيف بانون للمرة الثانية أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب أو أمام المحقق المستقل موللر. ولذلك فإن الشهادات التي سيقدمها ستيف بانون قد تلقي مزيدا من الأضواء على إمكانية تواطؤ حملة ترمب مع المجهود الروسي للتدخل في الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي أنكره الرئيس ترامب من أول يوم لتقلده السلطة، ولكن ستيف بانون الذي كان من أقرب المسؤولين للرئيس ترامب قد يغير كل ذلك.

إن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس ترامب هو تحقيق المحقق المستقل روبرت موللر، فلا أحد يعرف حتى الآن حجم الأدلة التي نجح في جمعها ولم يكشف موللرمن أوراقه إلا القليل ولكن هذا القليل قد يكون كافيا لإثبات تورط حملة الرئيس ترامب في التواطؤ مع المجهود الروسي. وأخطر ما كشف عنه موللر حتى الآن هو إدانة الجنرال مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق، بالكذب على المباحث الفيدرالية واعترافه بذلك. وهي جريمة يُعاقبُ عليها بالسجن من ستة أشهر لخمس سنوات. ورغم أن الجنرال فلين ارتكب عدد كبير من المخالفات مثل تقاضيه 40 ألف دولار من شبكة تلفزيون «أر تي» الروسية لحضور المؤتمر السنوي العاشر بدون الحصول على إذن مُسبق من الجيش أو ذكر هذا المبلغ في إقراره الضريبي، بالإضافة إلى تقديم خدمات للحكومة التركية بدون ترخيص أو ذكر الأموال التي تقاضاها في إقراره الضريبي. ورغم كل هذه المخالفات التي يمكن أن يعاقب عليها بالسجن خمسين عاما فإن المحقق المستقل اكتفى بتوجيه إتهام واحد للجنرال فلين بإنه كذب على المباحث الفيدرالية ووقع عليه عقوبة السجن لمدة ستة أشهر فقط في مقابل أن يتحول إلى شاهد في التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، ويعد إتهامه بالكذب على المباحث الفيدرالية في قلب موضوع التدخل الروسي، لأن فلين أنكر للمباحث أنه بحث العقوبات التي فرضها الرئيس أوباما على روسيا في ديسمبر 2016 عقابا على التدخل في الانتخابات الرئاسية.

وبما أن القانون الأمريكي يسمح بالتصنت على هواتف السفراء العاملين في واشنطن عرفت المباحث الفيدرالية بتفاصيل هذا الإتصال وواجهت به الجنرال فلين فأعترف بكذبه. وحقيقة ما جرى في هذا الإتصال أن فلين طلب من السفير الروسي عدم رد الرئيس بوتين على الإجراءات العقابية التي اتخذها الرئيس أوباما بطرد 35 ديبلوماسيًا روسيًا وإغلاق مبنيين تابعين للسفارة الروسية يستخدمان في التجسس على الولايات المتحدة، ووعد فلن السفير الروسي في هذه المحادثة بأن الرئيس ترمب سيلغي هذه الإجراءات بعد تقلده السلطة. وبالفعل استجاب الرئيس بوتين لهذا الطلب ولم يطرد ديبلوماسيين أمريكيين، وهو الرد الديبلوماسي المعتاد طوال تاريخ العلاقات الروسية الأمريكية، بل أن بوتين زاد على ذلك بدعوة كل الديبلوماسيين الأمريكيين وأطفالهم لحضور احتفالات الكرملين بأعياد الكريسماس وكأن ذلك مكافأة يقدمها بوتين للرئيس القادم ترامب الذي سيلغي قرارات أوباما، وبالفعل مدح الرئيس ترامب المنتخب في ديسمبر 2016 قرار الرئيس بوتين.

ومن ثم فإن ما قام به فلن يُعد تدخلا سافرا من السلطة المنتخبة قبل استلام الحكم بهدف تقويض سياسة الرئيس أوباما الخارجية وعقابه لروسيا على تدخلها في الانتخابات الرئاسية. ولذلك فإن نجاح المحقق المستقل في تحويل فلين إلى شاهد في مصلحة التحقيق يعكس أن لديه من الأسرار ما يقدمه للمحقق المستقل مقابل تخفيف عقوبته من خمسين سنة إلى ستة أشهر فقط. وفلين ليس الشخص الوحيد الذي نجح المحقق المستقل في تحويله إلى شاهد للمباحث الفيدرالية في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، حيث اعترف مسؤول آخر في الحملة الانتخابيه اسمه جورج بابادوبلوس بأنه أيضا كذب على المباحث الفيدرالية بخصوص علاقة الحملة الانتخابية بالمجهود الروسي للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ومن ثم فإن ما أعلن عنه المحقق المستقل موللر حتي الآن أقل بكثير من الإدلة المتوفرة لديه عن التواطؤ المحتمل بين حملة ترامب والمحاولات الروسية للتدخل في الانتخابات الرئاسية لمصلحته. فإذا زدنا على ذلك ما قد يقدمه ستيف بانون إلى المحقق المستقل نجد أن السحب السوداء تتكاثف فوق البيت الأبيض مما ينذر بقرب التصادم بين الرئيس ترامب والمحقق المستقل.

وسنبحث غدا الخيارات المتاحة أمام الرئيس ترمب للتعامل مع هذه المخاطر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية