لا الأيام ولا الأعوام تطوي الأحداث. نكبر عاماً، نغير الروزنامة، ولا نستطيع تغيير الكثير من القضايا التي تؤرقنا أو تعيق تطورنا وتشكل خطراً على حياتنا ومستقبلنا.
لا الأيام ولا الأعوام السبع التي مرت على ولادة ما يسمونه «الربيع العربي»، استطاعت أن تنقل الدول التي زرعوه فيها إلى حال أفضل، وحدها السياسات تبدلت والخرائط تشوهت والمجتمعات اغتصبت وانتهكت، والبشر تشتتوا في بقاع مختلفة، وكاد الخراب أن يعم، وصار المشهد سوداوياً تارةً ورمادياً طوراً، مع تزايد في أعداد الراحلين والمشوهين والمصابين.
بعد سبعة أعوام من انطلاق الشرارة في تونس الخضراء، تعود إليها من جديد لتشعل تظاهرات وتفتح الأبواب أمام الفوضى لتسود. هل المقصود تكملة المخطط التدميري ليتطابق المشهد في جزئه الثاني مع ما هو مرسوم للمنطقة، وتسعى الدول الكبرى إلى تنفيذه رغم أنف المقاومين له والصامدين؟ من تونس بدأت وإلى تونس تعود، إنما هذه المرة لن يتمكنوا من إشعال فتيل الفتنة، لأن اللعبة انكشفت، ومن صدق سابقاً أن الربيع يزهر حرية وعدالة، تأكد أنه خريف يحمل زوابع وزلازل ويفتح القبور ليدفن الحريات والأصوات والعدالة، فيسود الإرهاب ويعلن العالم الحداد على الحضارات والتراث والتاريخ. من هذا الخريف تولد ديكتاتورية جديدة، شعوب مشوهة، أفواه مكممة، وأشلاء مجتمعات تقاوم لتبقى حية على وجه الأرض.
تونس، ليبيا، سوريا، اليمن،.. حيثما مر «الربيع العربي» تشققت الأرض وصار للإرهابيين وخصوصاً الدواعش أوكار وأتباع وأصوات.. هل العراق كانت البداية الأولى للخريف العربي ولم ننتبه أن بلاد الرافدين تسقط في فخ الإرهاب والتفتيت، وأن دولاً أخرى ستلحق بها؟
مصر لم تكن مستثناة من هذا الطوفان، لكنها عرفت كيف تقاوم، وكيف تتعلم الدرس مبكراً وتتيقظ فتحتاط وتدافع لتقف بجرأة في وجه المخطط، وتصمد في وجه الإرهاب الذي لم ييأس بعد من محاولة إيقاعها في حبال الفتنة الطائفية، وزعزعة ثقة الشعب بجيشه ومؤسساته الأمنية، ونشر الذعر في أماكن مختلفة لقتل السياحة، والتأثير سلباً على الحياة الاجتماعية واقتصاد الدولة.
أليست مصر «الجائزة الكبرى» لـ«الربيع العربي» وفق المخطط الذي قدمه السياسي اليهودي الأمريكي ريتشارد بيرل إلى بنيامين نتنياهو عام 1996 لتغيير السياسة في المنطقة بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل، وكان من ضمنها إزاحة صدام حسين، واستكملها بسلسلة تغييرات في الدول العربية على أن تكون مصر هي الجائزة الكبرى في النهاية؟
يتآمرون، إنما مصر لن تكون لقمة سائغة لهم ولعرّابي الخراب، فهي تواصل معركة البناء والتعمير جنباً إلى جنب مع معركة محاربة الإرهاب، وتقف في وجه استكمال المخطط داعمة كل بلد شقيق.
تلك النبتة الشيطانية التي زرعوها في العالم العربي، لم تعد محصورة فيه، ويبدو أن جذورها تتمدد بسرعة لتحاول تغيير ملامح وخريطة وأنظمة دول أخرى، حيث تابعنا خلال الأيام الماضية مشاهد «الربيع الإيراني». ما يحدث هناك يثير فينا تساؤلات كبيرة حول ما إذا كانت تلك المظاهرات ستقف عند حدود إيران فقط، أم أن شرارتها ستطال دولاً أخرى في أكثر من منطقة حول العالم؟!
هناك من يتحدث باسم الفقراء، إنما الفقراء لا يتحدثون. هناك من يدافع عن المقهورين، والمقهورون لا صوت لهم. وهناك من يقيم حرباً وثورة باسم الجياع بينما الجوع يقض مضاجع الأطفال. فأي عدالة هذه وأي وهم يبيعونه للشعوب من أجل أن تسود إسرائيل ويفنى العالم؟