أن يجىء الإنصاف متأخراً.. خير من ألا يجىء أبداً!!
هكذا بعض ما قلته مساء أمس، الأول، وأنا أعقب على كتاب أراه ضرورياً فى معركة تصحيح بعض ما علق بشخصيات عامة كان لها دورها الخطير فى تاريخ مصر الحديث، وأقصد به كتاب العزيز «قوى» الأستاذ محمد السيد صالح «أسطورة القصر والصحراء، أحمد حسنين باشا».. الصادر منذ أيام.. وهذه قضية أراها ضرورية جداً هذه الأيام ونحن نحاول تسليط الضوء على شخصيات نالت من التشهير أكثر مما نالته من تقدير.. وفى مقدمتها سيرة الملك فاروق.. وقبله سيرة والده السلطان، الملك فيما بعد، فؤاد الأول.. بل شخصية عباس حلمى الثانى، آخر خديو لمصر.. والمناسبة، دعوة كريمة من سعادة السفير عبدالرؤوف الريدى «إمبراطور» مكتبة مصر العامة بقصر الطحاوية، الذى تضم جدارنه حكايات وقصصاً ليست فقط فى عصر الباشوات.. ولكن فى الفترة التى أقام فيها المشير عبدالحكيم عامر، بين جدران هذا القصر، والسفير الريدى، أشهر من مثل وطنه مصر سفيراً فى واشنطن لسنوات طويلة، وهو الذى جعل من المكتبات - فى الزمالك والجيزة ومصر الجديدة وغيرها من مدن مصر - قلاعاً للعلم والمعرفة، وأعاد للمكتبة - عامة - دورها الأساسى فى «تقويم» العقل المصرى.. وكانت المناسبة هذه المرة مناقشة كتاب الصحفى الكبير محمد السيد صالح عن تلك الشخصية شديدة الغموض، المعروفة باسم أحمد محمد حسنين باشا.. ومن كلمات السفير الريدى وتعقيبات الدكتور أحمد الشربينى، عميد آداب القاهرة.. ثم ردود المؤلف محمد السيد صالح.. أرى أن الهدف الأول لهذا الكتاب هو «تصحيح صورة أحمد حسنين» أمام الرأى العام.. حتى وإن جاء التصحيح بعد حوالى قرن من الزمان.
ومما قلته، فى تعقيبى، إن هذا الكتاب جاء فى وقته تماماً.. حتى وإن كان أستاذنا محمد التابعى - وكان الأقرب من أحمد حسنين - حاول تصحيح صورة الباشا، رجل الديوان الملكى الأول، ولكن التابعى قال، فى مقدمة كتابه عن أحمد حسنين بعنوان من «أسرار الساسة والسياسة»، الصادرة طبعته الأولى - الأساسية عام 1953، إنه من الصعب أن يذكر المؤلف كل ما يعرفه عن الرجل.. وهل من حقه أن يروى كل شىء، وما الذى يجب أن يحجبه.. وأجاب التابعى بنفسه عندما قال إن «الإنسان هو الذى يتغلب».. ويتساءل «التابعى» يومها: هل حسنين باشا بطل قومى أم خائن، وأنه المسؤول الأول عن انحرافات الملك فاروق؟.. ولكننا لا ننسى أن حسنين ابن شيخ أزهرى.. ورغم ذلك درس بجامعة أوكسفورد، أعرق جامعات بريطانيا.
إلى أن جاء محمد السيد صالح ليروى كل ذلك.. ليس فقط كمؤلف يهوى التاريخ، ولكن ليبحث عن الحقيقة، وميزة هذا الكتاب أن مؤلفه تعامل مع القضية كصحفى.. أى كما يجرى «تحقيقاً صحفياً» يتناول كل جوانب الشخصية أو القضية، ولذلك جاء كتابه بعيداً عن أسلوب أستاذ التاريخ الأكاديمى، الذى يعتمد فقط على الوثائق.. وعلى ما سبق نشره.. وانطلق المؤلف يغوص فى أعماق الشخصية إلى حيث المواقع التى عمل فيها وعاش.. والتقى - فى عمق الصحراء - بأحفاد الذين قابلهم أحمد حسنين.. والتقى مراراً مع أحفاد الباشا وأبناء أحفاده.. بل ذهب إلى مقبرته الرائعة هندسياً، التى صممها معمارى مصر الحديث حسن فتحى.
وقرأ من الوثائق والمعلومات ما جعله يقدم لنا سيرة متكاملة للرجل الذى اختلف عليه كل المصريين.. وكيف كان متنوع الهوايات من رياضة الشيش إلى الطيران إلى غزو الصحراء، وكيف أنه - فى نظرى - أول وآخر مستكشف مصرى للصحراء الغربية.
■ ■ والكتاب - بحكم أن مؤلفه زاول العمل الصحفى لسنوات طويلة - جاء بطريقة مشوقة للغاية.. أسلوباً وإخراجاً.. بل وما يحويه من صور عصرية لأسرة الرجل، الذى «ناسب» الأسرة العلوية الحاكمة مرتين، الأولى بزواجه من السيدة لطفية، ابنة الأميرة شويكار، حفيدة محمد على.. والثانية عندما تزوج من الملكة نازلى، أم الملك فاروق، وهو الرجل الذى وصفه البعض - زمان - بأنه دونجوان عصره.
■ ■ وأرى أن هذا الكتاب - وهذا يحمد لمؤلفه محمد السيد صالح - بداية لتصويب تاريخ مصر والمصريين وإزالة ما علق بسيرهم وتاريخهم بالذات فى عصر يوليو 1952.
■ ■ ولكننى أرى - أيضاً - أن الرحالة أحمد حسنين برحلتيه الشهيرتين عامى 1922 و1923 سلط الضوء على منطقة مجهولة وبالذات منطقة العوينات، حيث أحلى مياه عذبة فى مصر كلها.
شكراً - زميلنا العزيز - محمد السيد صالح فقد أحسنت وأديت واجباً كان مطلوباً.