ربما يكون من الصحفيين من هو بلا قلب.. ربما يكون ذلك بسبب الغيرة.. والخوف على الموقع والمكانة التى وصل إليها، حتى وإن نسى «بعضهم» أن القمة تتسع للكثير من الناجحين.. ولكن هناك من يرفض أن يشاركه أحد فى التربع فوق القمة.. والتاريخ الصحفى ملىء بمثل هؤلاء، من ناكرى الجميل.
ولكننى أرى فى «الأستاذ» إبراهيم نافع غير ذلك.. بل أراه إنساناً غير عادى صنع كثيراً من النجوم، ووقف مع آخرين وصنع منهم نجوماً.. ولكن هؤلاء «المستفيدين» من إبراهيم نافع هم أول الذين تخلوا عنه- فى محنته- بل هم من ساهم فى صنع المأساة التى عاشها إبراهيم نافع فى سنواته الأخيرة.. ولذلك أصف كل هؤلاء بأنهم من ناكرى الجميل، وكانوا الأسبق فى «عض اليد» التى مدها لهم هذا الرجل، وكان فوق القمة بينما كانوا هم أسفل السفح.. بل تحت التراب.. والكلام بمناسبة رحيل «الأستاذ» إبراهيم نافع وهو فى بلاد الغربة.. منفياً ولو بإرادته.. ولكن ما سبب ألماً رهيباً لهذا الراهب فى ميدان الصحافة هو أن الطعنات جاءته من الذين ساعدهم حتى صعدوا.. وما تخيلوا أن ما قدموه من «خوازيق» فى حق هذا الرجل سوف يتكرر معهم، وربما من أقرب الأقرباء.
نعم كان إبراهيم نافع من رجال الرئيس مبارك.. ولكننا نسينا أن لكل حاكم رجاله وأدواته.. ورغم قربه من الرئيس مبارك إلا أننا- نحن كل الصحفيين- لن ننسى وقفته ضد مبارك ونظام مبارك ورجال مبارك الآخرين الذين حاولوا تكميم الصحافة فانحاز إلى المهنة وحقوقها وحريتها، فكانت وقفته غير العادية ضد القانون 93 لسنة 95 وكان يبيت فى مقر النقابة أو يقف صامداً إلى أن سقط هذا المشروع، فهل ينسى أحد الصحفيين هذا الموقف لهذا الرجل؟!.. ولكن بعضهم سرعان ما نسى... ومنهم من دخل السجن فكان إبراهيم نافع أول من يدافع عنه.. ولا ينام إلا بعد أن يتم الإفراج عنه.. وإذا كانت تهمة الرجل الأساسية هى حكاية «هدايا الأهرام» نقول إن هذا الأسلوب كان هو أسلوب العصر.. حتى قالوا إن النبى عليه الصلاة والسلام قبل الهدية!!، فالدولة كلها كانت «تتهادى» تأخذ وتقدم، فهل نحاكم كل الدولة المصرية؟!، وكم من مواقف إنسانية اتخذها هذا الفقيد الغالى الذى فقدته ليس فقط أسرة الأهرام، ولكن المهنة كلها.. إذ كان يتدخل لإنقاذ الكثير من الصحفيين، ومساعدتهم، وكم من صحفى تم فصله من جريدته فكان هو المنقذ له ولأسرته وكم مد يده للكثيرين، ولكن لم تكن يده اليسرى تعلم ما قدمته يده اليمنى للعديدين من الصحفيين.. وكانت له معى- عندما كنت رئيساً لتحرير الوفد- الكثير من المواقف الإنسانية، وكم أعطى دون طلب للكثيرين.
ولكن ما يحز فى النفس أننا تركنا الرجل «يجتر أحزانه» فى منفاه الاختيارى ولم نجد من يذكره ولو بكلمة خير خلال سنوات محنته.. حتى الدولة نفسها نسيته ونسيت ما قدمه.. وما قدمه كثير.. ولم تفكر الدولة يوماً، ليس فقط فى العفو عنه، ولكن بعد أن برأه القضاء العادل.. وأتذكر هنا أن الخديو عباس حلمى الثانى سمح بعودة قادة الثورة العرابية من منفاهم فى سيلان، رغم أنهم ثاروا على أبيه وحاولوا عزله وحاربوه.. ورغم ذلك.. عفى عنهم وسمح لهم بالعودة للوطن، وهذا هو السلطان قابوس- سلطان عمان- عفى عن زعماء ثورة ظفار الذين ثاروا وحملوا السلاح ضد والده سعيد بن تيمور.. عفى عنهم وسمح لهم بالعودة ليساهموا فى إعادة بناء الوطن.
■ ■ وسوف نجد من اليوم مقالات عديدة تمجد إبراهيم نافع.. وتذكر حسناته.. ولكننى أسألهم: هل حاولوا يوماً الاتصال بالرجل والتخفيف عنه.. فى منفاه؟!.
■ ■ وهل نسينا «الأهرام الثلاثة» التى أقامها الرجل فى مصر: اثنين بشارع الجلاء مع الهرم الأول.. والثالث عندما أقام المبنى الرائع لنقابة الصحفيين بشارع ثروت.. أليست أهراماً مازالت باقية؟.
■ ■ حقا كم كنت أتمنى أن يكحل إبراهيم نافع عينيه وهو حى يرزق بتراب الوطن ليعود إليه على قيد الحياة.. وليس جسداً بلا روح.
ورحم الله إبراهيم نافع الذى قدم لمصر ما لم يقدمه الذين هاجموه.. وصنعوا مأساته.