x

«زي النهارده».. وفاة المؤرخ اللبناني المهاجر فيليب حتى 24 ديسمبر 1978

الأحد 24-12-2017 06:12 | كتب: ماهر حسن |
فيليب حتي - صورة أرشيفية فيليب حتي - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

ظل القراء بل والمؤرخين والكتاب ينظرون بعين الريبة إلى كتابات المستشرقين عن الإسلام وتاريخة وبخاصة فيما يتعلق بتحليلاتهم ورؤاهم النقدية إلى أن ظهرت في الأفق بعض الكتابات الموضوعية والمحايدة، ومن هؤلاء المؤرخ اللبناني فيليب حتي، الذي عاش في الولايات المتحدة الأمريكية وحاضرفي جامعاتها.

ولا تخلو كتاباته من إنصاف ملحوظ، وميل للموضوعية حتى وإن اتهمه بعض الباحثين العرب بغير ذلك وفليب حتي مولود في بلدة شملا التابعة لمحافظة جبل لبنان في 22 يونيو 1886 وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية، ثم التحق بمدرسة سوق الغرب الأمريكية الثانوية، وبعدأن تخرج فيها التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت، وحصل على البكالوريوس في العلوم في 1908، وعمل بالتدريس فيها بعد تخرجه لمدة ثلاث سنوات ثم سافرإلى أمريكا في 1913 والتحق بجامعة كولومبيا وحصل منها على الدكتوراة سنة 1915، وعينته الجامعة مدرسا في قسم الدراسات الشرقية، وظل يعمل بها أربع سنوات ثم عاد إلى لبنان في1921، وعمل في الجامعة الأمريكية ببيروت أستاذا للتاريخ العربي.

ولما رغبت جامعة برنستون وهي من أقدم الجامعات الأمريكية أن تؤسس قسما لدراسات الشرق الأدنى استدعت فيليب حتي لهذا الغرض سنة 1926 ووفرت له كل أشكال الدعم فأقام مركزا للدراسات العربية وما يتصل بها من تاريخ وآداب واقتصاد وعلوم، وأنشأ مكتبة عربية إسلامية في جامعة برنستون تضم الكثير من المخطوطات والوثائق العربية.

وظل «حتى»، يعمل بالجامعة حتى تقاعد سنة 1954 بعد أن عمل بها 28 عاما، ثم عمل أستاذا غير متفرغ، ومشاركا في العديد من النشاطات العلمية والأكاديمية، وتفرغ للبحث العلمي، والكتابة في تاريخ العرب وحضارتهم وقد تميز فيليب حتي بأنه كان مؤرخا غزير الإنتاج ملتزما بالموضوعية وأسس المنهج العلمي، ودار إنتاجه حول عدة محاور رئيسية، فأفرد للتاريخ العربي العام كتابيه: «تاريخ العرب» و«صانعو التاريخ العربي».

ويعد كتابه «تاريخ العرب» أشهر مؤلفات فيليب حتي وأكثرها رواجا، والذي تناول عصرما قبل الإسلام والمجتمعات العربية القديمة وممالكها وظهور دولة الإسلام وقيام الخلافة الراشدة وانتشار الفتوحات الإسلامية ثم عرض للدولتين الأموية والعباسية وازدهار الحضارة الإسلامية، ثم حضارة المسلمين في الأندلس وصقلية، ثم تاريخ الفاطميين والسلاجقة والزنكيين والأيوبيين والمماليك وما تخلل ذلك من الحروب الصليبية وصولا للحكم العثماني في شمال إفريقيا ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق.

وقد لقي هذا الكتاب تقديرا واسعا من المتخصصين في أمريكا غيرأن الكتاب على أهميته قد وجه إليه بعض الباحثين كثيرا من النقد واتهموا صاحبه بعدم الحيدة في عرض بعض الموضوعات وإساءةاستخدام بعض المصطلحات، من ذلك استعماله ألفاظ: الغزووالاستيلاء والاكتساح عند تناول الفتوحات الإسلامية، في حين يستعمل كلمة فتح مع ما له من دلالات حضارية في الحروب الصليبية، مثل قوله: «ولما فتح الفرنجة بيت المقدس، وتم للصليبيين فتح بيروت وصيدا«وقد ظهر هذا الكتاب لأول مرة باللغة الإنجليزية في1937، ثم تعددت طبعاته بعد ذلك، وترجمه إلى العربية كل من جبرائيل جبور وإدوارد جرجي وقد صدر لهذا الكتاب طبعة موجزة صدرت سنة 1943 كما عني فيليب حتي بتاريخ بلاد الشام، فأفرد للبنان كتابه «لبنان في التاريخ».

وتناول في القسم الثالث لبنان في العصرين الإغريقي والروماني وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أنه أول محاولة يقوم بها مؤرخ بجمع تاريخ لبنان عبر خمسة آلاف سنة في دراسة متسلسلة وعميقة ومركزة وعلى الرغم من ذلك فقد قوبل الكتاب بنقد شديد من بعض الباحثين، واتهم صاحبه بأنه يكرس للقومية اللبنانية، ويبتعد بلبنان عن تاريخه الإسلامي.

وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية أنيس فريحة ونشره في بيروت سنة 1959وفي مجال بلاد الشام أسهم حتي أيضا بعدة مؤلفات، من أهمها «تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين»، وترجمه إلى العربية جورج حداد وعبدالكريم رافق، ونشر في بيروت سنة 1958 «وسورية والسوريون من نافذة التاريخ»، كما كان فيليب حتي في طليعة من عملوا في تحقيق التراث وإن لم يستمر فيه، وإلى جانب ذلك ترك فيليب حتي عددا ضخما من المؤلفات العربية والإنجليزية، ترجم معظمها عدد من تلاميذه وأصدقائه، ومنها «الإسلام في نظر الغرب» و«الإسلام منهج حياة» ولم يقتصر نشاط فيليب حتي على العمل الأكاديمي بل امتد إلى النشاط العام وتعريف الغرب بالعرب والإسلام والحضارة العربية، منذ الثلاثينيات من القرن العشرين كماكان من أشد المدافعين عن الحق العربي في فلسطين، ودحض أقوال الأساتذة اليهود في المحافل الدولية.

ويذكر له المناظرة الشهيرة التي جرت بينه وبين العالم الشهير آينشتين اليهودي الديانة وقد نجح فيليب حتي في الانتصار للحق، وكشف زيف ما يدعيه العالم الشهير، بالحجة البالغة والدليل الدامغوقد حظي فيليب حتي بتقدير العالم العربي فمنحته لبنان في 1956 أعلى وسام مدني، ومنحته سوريا في 1954 وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وكان آخر وسام حصل عليه من مصر في 1978، وبعد أن تقدمت به السن أقام في مدينة برنستون بجوار الجامعة التي قدم فيها خير أعماله، وأفنى فيها عمره حتى وفاته «زي النهارده» في 24 ديسمبر 1978.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية