مع الإعلان عن مقتله، الاثنين، في مواجهات بين القوات الموالية له وعناصر مليشيا الحوثي على مشارف العاصمة صنعاء، تطوى صفحة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الذي حكم اليمن لعقود طويلة، وظل حتى بعد تركه السلطة عقب الانتفاضة الشعبية ضد نظامه في عام 2011 ، لاعبا أساسيا في المشهد السياسي اليمني بكل تعقيداته حتى الإعلان عن نهايته الدرامية.
فالرجل الذي يتبع مبدأ «ميكافيلي» أو «الغاية تبرر الوسيلة»، شهدت مسيرته السياسية تقلبات كبيرة وتحالفات متناقضة مع أطراف متصارعة، جعلته يتصدر المشهد المشهد اليمني مرة أخرى ليظل لاعبا أساسيا في الساحة السياسية رغم ما شهدته اليمن من أحداث متعددة، في السنوات الأخيرة، قُتل، الإثنين، على يد من كانوا حلفاء له في الأمس القريب.
وفي مشهد نهاية «ميكافيلي»، أعلنت ميليشيات الحوثي الإيرانية أنها قتلت «صالح» قرب صنعاء، فيما قالت مصادر بحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان صالح يقوده، إنه تم إيقاف موكبه وهو في طريقه إلى سنحان مسقط رأسه، واغتيل رميا بالرصاص.
كانت بداية «صالح»، الذي يندرج من عائلة فقيرة، عاملا كسائق مدرعة وشارك في حماية الجيش الجمهوري في صنعاء، وتدرج في الرتب حتى تولى قيادة لواء تعز عام 1975.
ومثل الانقلاب الذي قام به الرئيس اليمني السابق، إبراهيم الحمدي على عبدالرحمن الأرياني، عام 1974، نقطة فارقة في مسيرة «صالح»، فيما عرف بالانقلاب الأبيض أو «حركة 13 يونيو التصحيحية»، بسبب اتهام «الأرياني» بضعف الإدارة وعدم الفعالية.
تولى «الحمدي»، الحكم برئاسة مجلس عسكري، هدف إلى إعادة هيكلة الجيش اليمني وتحجيم نفوذ مشايخ القبائل الذين كان لهم نفوذ واسع داخل الجيش، كان من ضمنها تولي «صالح» قيادة لواء مدينة تعز برتبة رائد، ليلمع نجمه في الحياة السياسية والعسكرية منذ ذلك الوقت.
وفي عام 1978 أصبح رئيسا لليمن الشمالي، بعد سلسلة اغتيالات طالت مسؤولين كبارا في السلطة، وتواجد «صالح» كعضو في مجلس الرئاسة، ساعده في أن يتم انتخابه بالإجماع من قبل المجلس، ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية في 17 يوليو 1978. وظل في منصبه حتى عام 1990 عندما قامت الوحدة بين شطري البلاد، فأصبح رئيسا لليمن الموحد.
وتمكن الرئيس الراحل من إخماد محاولة لانفصال الجنوب عام 1994، وانتصرت قواته على أنصار نائبه على سالم البيض.
وفي السنوات التالية شهد اليمن اضطرابات متصاعدة ومخاطر مختلفة، أهمها تنامي نفوذ الحوثيين وبدء ظهور الجماعات المتطرفة وعلى رأسها القاعدة، استغلالا لانشغال القوات الحكومية في صراعات داخلية. وقام «صالح» بـ6 حملات عسكرية ضد الحوثيين في صعدة بين عامي 2004 – 2010.
وحكم صالح اليمن لمدة 34 عاما، انتهت بإجباره على ترك السلطة عام 2012 على خلفية احتجاجات شهدها اليمن في خضم ثورات«الربيع العربي»، وبموجب مبادرة خليجية نقلت السلطة إلى خلفه عبدربه منصور هادي، الذي ترك البلاد لاحقا مع انقلاب ميليشيات الحوثي ضده في 2014.
إلا أن رحيل «صالح» عن عرش الرئاسة، لم يمنعه من البقاء لاعبا رئيسيا في الساحة اليمنية، إذ ظل رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام، ومارس عمله كسياسي.
ومع اشتداد الاشتباكات بين الحوثيين، المدعومين من إيران، والجيش اليمني الموالي للرئيس «هادي»، عاد «صالح» كعنصر مؤثر في الحرب الدائرة من خلال قوات من الحرس الجمهوري موالية لنجله «أحمد»، التي قاتلت بجانب الحوثيين ودعمتهم بشكل كبير، ورفضوا إطاعة أوامر القادة العسكريين التابعين للرئيس «هادي»، حتى تمكنوا من دخول صنعاء وإجبار «هادي» على الهروب إلى عدن.
وظل التعاون بين الطرفين قائما حتى سادت الأجواء مؤخرا حالة من التوتر منذ أشهر مع اتهام حزب المؤتمر الشعبي للحوثيين باستبعاد عناصره من المناصب القيادية والانفراد بالقرار في المناطق الخاضعة لهم.
وزاد من اشتعال الوضع إعلان الحزب عن خرق الحوثيين للتهدئة بين الطرفين بمهاجمة منازل الموالين لـ«صالح» والانتشار في عدد من بعض شوارع صنعاء.
على الجانب الآخر اتهم الحوثيون «صالح» وأنصاره بتعمد تعطيل عمل الدولة والتثبيط عن القتال والتحريض على الفتنة، منذ التوقيع على اتفاق الشراكة بينهم في يوليو 2016 لإدارة شؤون اليمن.
وبدأ «صالح» حربا حقيقية ضد المتمردين الحوثيين، انتهت إلى مقتله، إذ شهدت الأيام الأخيرة، تغيرًا في موقف «صالح»، إذ شنت القوات الموالية له هجمات على الحوثيين، كان آخرها اندلاع اشتباكات اليوم بين الجانبين في وسط صنعاء، وفقا لـ«سكاي نيوز عربية».
وقال «صالح»، في تصريحات تليفزيونية إنه منفتح على الحوار مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
ورحب التحالف العربي بهذا الأمر، إذ أصدر بيانا قال فيه إن «استعادة حزب المؤتمر الشعبي في اليمن زمام المبادرة وانحيازهم لشعبهم ستخلص اليمن من شرور الميليشيات الطائفية الإرهابية التابعة لإيران».
على الجانب الآخر حذر الحوثيون من أفعال «صالح» واصفين إيها بـ«الانقلاب على التحالف والشراكة»، موضحين أن ذلك يؤدي إلى «إضعاف الجبهة الداخلية». ولم تمر سوى بضعة أيام على هذا التصريح حتى اشتعلت الأوضاع بمقتل «صالح» على أيديهم.