مزقت الحرب في اليمن، إحدى أكثر الدول العربية فقراً، منذ بدأت الصراعات بين الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وأولئك المتحالفين مع الحركة الحوثية المتمردة، وعلى رأسهم الرئيس اليمني السابق، على عبدالله صالح، الذي تواردت أنباء، الاثنين، عن مقتله على يد حلفائه قبل أيام «الحوثيين» أنفسهم، بعدما انقلب عليهم.
وتدور الحرب الأهلية اليمنية بين جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح المدعومين من إيران من طرف، والقوات الحكومية الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي المدعومين من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والمغرب وقطر، التي استبعدت من التحالف بسبب خلافاتها مع دول الخليج، ومصر والسودان والأردن من طرف آخر، فيما يهاجم مسلحو تنظيم القاعدة الطرفين السابقين على حد سواء.
ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، فإنه منذ مارس 2015، قُتل أكثر 20 ألف شخص وأُصيب 270 ألف شخص آخر، وقد قتل أغلبهم جراء القصف الجوي للتحالف الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس اليمني.
وأدى الصراع والحصار الذي فرضه التحالف إلى كارثة إنسانية، تركت نحو 80% من سكان اليمن في حاجة ماسة إلى المساعدات الانسانية.
اندلاع الحرب
تمتد جذور الصراع في اليمن إلى الفشل في إتمام الانتقال السياسي الذي كان من المتوقع أن يحدث استقرارا في البلاد عقب قيام الانتفاضة التي أجبرت الرئيس السابق الذي حكم البلاد لعقود عديدة، على عبدالله صالح، على تسليم السلطة لنائبه «هادي» في نوفمبر 2011.
وحاول «هادي» جاهدا التعامل مع مجموعة من المشكلات، أبرزها هجمات تنظيم القاعدة في اليمن، والحركة الانفصالية في الجنوب، واستمرار موالاة عدد كبير من قيادات الجيش اليمني للرئيس صالح، فضلا عن الفساد، وارتفاع معدل البطالة، وغياب الأمن الغذائي.
واستغلت حركة الحوثيين، التي تنتمي إلى طائفة الشيعة الزيديين في اليمن والتي خاضت غمار تمردات عدة ضد الرئيس السابق صالح، ضعف الرئيس هادي للسيطرة على مناطقهم في شمال البلاد في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها.
واستجاب العديد من اليمنيين ومن ضمنهم سنة، إلى مزاعم الانتقال السياسي التي كان الحوثيون يرددنوها، وساندوهم في اجتياح العاصمة صنعاء في 2014، وإقامة معسكرات ووضع حواجز في طرق المدينة.
وفي يناير 2015، عزز الحوثيون وجودهم المسلح في العاصمة اليمنية، وحاصروا القصر الرئاسي والمناطق الحيوية، ووضعوا الرئيس هادي ووزارته قيد الإقامة الجبرية.
وتمكن الرئيس هادي من الفرار إلى مدينة عدن جنوب البلاد.
وحاول الحوثيون والقوات الأمنية الموالية لصالح إحكام السيطرة على عموم البلاد، ما أجبر الرئيس هادي إلى الفرار خارج البلاد في مارس 2015.
وشنت السعودية و8 دول أخرى ذات أغلبية سنية حملة جوية تستهدف إعادة حكومة هادي إلى حكم البلاد، مدفوعة بمخاوفها من بروز هذه الجماعة التي يُعتقد أنها مدعومة عسكريا من القوة الشيعية في المنطقة، إيران.
وتلقى التحالف دعما لوجستيا واستخباراتيا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
تطورات الأحداث
وبعد أكثر من سنتين من القتال، لا يبدو أن أحد الخصمين قد اقترب من تحقيق الانتصار في هذه الحرب.
وفي أكتوبر 2016، نجحت قوات الجيش الموالية للحكومة، المؤلفة من جنود موالين لهادي مع مقاتلين من القبائل السنية في اليمن وانفصاليين من الجنوب، في منع المتمردين من السيطرة على عدن، لكن بعد قتال دامي استمر أشهر وخلف آلاف القتلى.
ومع دخول عام 2017 كانت الاشتباكات لا تزال مستمرة في جبهات متعددة منها محافظة شبوة، ومنطقة باب المندب جنوبي محافظة تعز، ومنطقة نهم شمال شرق صنعاء، ومنطقة صرواح التابعة محافظة مأرب جنوب شرق صنعاء، ومحافظة البيضاء، ومحافظة صعدة، ومحافظة حجة، ومحافظة الجوف.
منذ تمكن القوات الحكومية من إخراجهم منها، تعتبر مدينة مأرب الأكثر استهدافاً بالصواريخ البالستية من مليشيا الحوثي وصالح، حيث بلغت عدد الصواريخ التي أسقطتها الدفاعات الجوية في مدينة مأرب خلال الفترة من 20 أكتوبر وحتى 30 أكتوبر 2016، 13 صاروخاً بالستياً حسب القوات الحكومية.
وفي 7 يناير، أطلق الجيش اليمني عملية عسكرية واسعة أطلق عليها «الرمح الذهبي» بمساندة طيران التحالف من 3 محاور للسيطرة على منطقة باب المندب في مديرية ذباب لإخراج الحوثيين وحلفائهم. وفي نفس اليوم قتل العميد الركن عمر سعيد الصبيحي، قائد اللواء الثالث حزم في جبهة ذوباب في باب المندب.
توجه وفد للحوثيين وصالح إلى مسقط في 8 أغسطس للقاء المبعوث الأممي لليمن، الذي يبحث وقف إطلاق النار، وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه سيطرة الحوثيين وصالح على مناطق واسعة جنوب ووسط اليمن.
من يسيطر على اليمن؟
وبعد الحصول على موطأ قدم على ساحل عدن في أغسطس 2016، دخلت قوات التحالف البرية المدينة ونجحت في طرد الحوثيين وحلفائهم من أغلب المناطق في الجنوب على مدار شهرين. وعاد هادي وحكومته من المنفى، وأسسوا مقرا مؤقتا لهم في المدينة.
ورغم الضربات الجوية للتحالف والحصار البحري الذي استمر على مدار عام 2015، لم تتمكن القوات الموالية للحكومة من طرد المتمردين من معاقلهم القوية في الشمال، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والولايات المجاورة لها.
كما ظل الحوثيون قادرين على فرض حصار على مدينة تعز جنوب البلاد، واطلاق الصواريخ والقذائف عبر الحدود مع السعودية بشكل يومي تقريبا.
واستغل مسلحون إسلاميون متطرفون من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ونظراؤهم الموالون لتنظيم «داعش» الفوضى التي تعم اليمن للسيطرة على مساحة من الأراضي في الجنوب اليمني، وصعدوا هجماتهم على مدينة عدن التي تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
التأثير على المدنيين
يتحمل المدنيون في اليمن العب الأكبر في القتال ويصبحون باستمرار ضحايا لما يصفه ناشطون بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي من قبل كل أطراف الصراع.
وصفت الأمم المتحدة الأوضاع الإنسانية في اليمن بـ«الصادمة»، في أكتوبر 2017، وذلك في ختام مهمة استمرت 5 أيام للوقوف على ما آلت إليه الأوضاع في اليمن في ظل الحرب، التي دخلت عامها الثالث.
ومع إشارة إحصائيات سابقة إلى أن نصف سكان اليمن في سن يقل عن 18 سنة، وبلغت نسبة الأطفال بين ضحايا الحرب في السنة الأولى من الصراع حوالي الثلث.
وأدى الدمار الذي حل بالبُنى التحتية المدنية والقيود المفروضة على واردات الغذاء والوقود إلى حرمان 21 مليون يمني من السلع الضرورية والخدمات الأساسية.
وتقول الأمم المتحدة إن 3.1 مليون يمني قد نزحوا بعيدا عن بيوتهم، بينما يعاني 14 مليونا من نقص في امنهم الغذائي ويواجه 370000 طفل، بعمر أقل من خمس سنوات، خطر الموت جوعا.
وثمة أكثر من 1900 منشأة صحية، من إجمالي 3500 منشأة صحية، قد توقفت عن العمل أو تعمل جزئيا، الأمر الذي ترك نصف السكان من دون خدمات رعاية صحية كافية، ما دفع الأمم المتحدة للإعلان أن حالات الكوليرا هناك قد تصل إلى مليون حالة بحلول نهاية 2017.
فشل جهود السلام
ظهر شعاع من الأمل في انطلاق الجولة الثانية من المحادثات بوساطة الأمم المتحدة بين جانبي الصراع، التي بدأت في الكويت في إبريل 2016، وأبدى كل من الحوثيين والسعوديين رغبة في التفاوض بعد ان تعرض كلاهما على ما يبدو إلى ضغوط.
لكن المفاوضات انهارت تماما بعد 3 أشهر، ما أدى إلى تصاعد حدة الصراع وخلف زيادة هائلة في أعداد الضحايا من المدنيين بحسب الأمم المتحدة .
تقول حكومة هادي إن العملية السياسية لا يمكن تفعيلها إلا من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يطالب المتمردين بالانسحاب من جميع المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتسليم أسلحتهم.
تأثير الحرب على الأوضاع العالمية
ما يجري في اليمن يؤجج التوترات الإقليمية في المنطقة بشكل كبير. كما أنه يشكل مصدر قلق للغرب بسبب تهديد هجمات التي من المحتمل أن تنتشر من هذه البلاد كلما ازدادت الاضطرابات فيها.
وتعتبر أجهزة المخابرات الغربية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أخطر الجماعات المسلحة في المنطقة، نظرا لما لديه من خبرات فنية وقدرات تقنية وقدرة على الوصول إلى مواقع في مختلف أنحاء العالم لتنفيذ هجمات، علاوة على مخاوف تلك الأجهزة الغربية من ظهور عناصر تنظيم الدولة في اليمن في الفترة الأخيرة.
ويرى البعض الصراع بين الحوثيين والحكومة المنتخبة جزءا من من صراع إقليمي أكبر بين إيران، ذات الأغلبية الشيعية، والسعودية ذات الأغلبية السنية.
واتهمت دول الخليج إيران بتوفير الدعم العسكري والمالي للحوثيين، وهو ما تنفيه طهران في الوقت الذي يدعمون هم فيه الرئيس هادي.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لليمن في إطلالها على مضيق باب المندب، وهو مضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن تمر عبره أغلب شحنات النفط في العالم.