x

إبراهيم نجم نحو فكر جديد فى الإفتاء.. قضية تنظيم الفتوى إبراهيم نجم الأربعاء 29-11-2017 21:30


تعد الفتوى أمرا ضروريا فى حياة كل مسلم، ويمتد أثرها ليشمل المجتمع برمته، حيث يحتاج المسلمون إلى معرفة أحكام دينهم فى قضايا العبادات والمعاملات من خلال سؤال من يظنون أنهم من أهل العلم والفتوى، وبقدر ما تنضبط آليات الفتوى بالقواعد والضوابط وروح الشرع الحنيف ومقاصده السامية، اقتربنا من الصورة المثلى لحياة اجتماعية آمنة يقوم كل فرد فيها بما ينبغى عليه تجاه وطنه ودينه، والعكس بالعكس بطبيعة الحال.

ولقد انتشرت فى الآونة الأخيرة ظاهرة غير صحية بالمرة نستطيع أن نطلق عليها فوضى الفتاوى وتضاربها بسبب تجرؤ غير المختصين على الخوض فى أمور الدين وقضايا العقيدة على شاشات الفضائيات، وقد تسببت هذه الظاهرة السيئة فى انتشار الأمراض الاجتماعية الخطيرة وعلى رأسها العنف والإرهاب والفوضى التى وصلت فى بعض الدول من حولنا إلى حد تدمير البلاد والسقوط فى براثن الحروب الأهلية وتدمير البنى الأساسية وإيقاف عجلة الإنتاج وتدهور حركة التنمية وتقويض حالة السلم والأمن تماما فى هذه البلاد، ولا يمكن أن يدعى من له أدنى نصيب من العقل أو المعرفة بأن الإسلام يأمر أويرضى بمثل هذا الخراب والدمار، بل إن الأديان جميعا وعلى رأسها الإسلام ما أنزلها الله- تعالى- إلى لتحقيق الأمن والأمان لكل من آمن وحتى لمن لم يؤمن بأى دين فهو آمن على نفسه وماله وعرضه ما لم يعتد على أحد، فليس الاختلاف فى العقيدة مسوغا لاستباحة الدماء ونشر الخراب وهذا أمر معروف ومتفق عليه، فأين نظام الأديان الذى يحقق السعادة والخير للبشرية جمعاء من الهمجية والفوضى التى تسببت فيها فوضى الفتاوى، ومن ثم فقد أصبحت قضية تنظيم أمور الفتوى بقانون أو حتى ميثاق شرف أمرا ملحا وضروريا لا ينبغى تأجيله أو التراخى فيه بأى حال من الأحوال، ونحن لا نقبل بحال من الأحوال أن يمارس الطب أو الصيدلة أو الهندسة غير المتخصص وغير الخبير بها، فكيف بأمور الدين التى هى أخطر وأعظم وأكبر أهمية من أى شأن آخر، وقد ينظر البعض إلى قضية تنظيم الفتوى على أنها تكميم للأفواه وعودة إلى الوراء وجعل أمور الدين كهنوتا تأباه مبادئ الإسلام وحرية الرأى، ومن ثم فلابد من إتاحة الحرية للجميع وترك الحرية للناس لتميز الخبيث من الطيب... إلخ.

ولا شك أن هذا كلام لا يصدر إلا من غير مسؤول وغير مدرك لعواقب ومخاطر ترك الكلام فى أمور الدين خاضعا لمبدأ الحرية التى تصل إلى حد الفوضى، ولا شك أن مبدأ الحرية المطلقة لا يقوم عليه أى مجتمع متحضر فنحن مع الحرية المقيدة بمبدأ المسؤولية والحفاظ على الأمن والتنمية، ونحن هنا لابد أن نفرق بين أمرين مهمين الأول عموم الكلام فى أمور الدين على المستوى العلمى والدعوى كشرح الأحاديث النبوية أو الكلام فى السيرة النبوية أو التفسير أو غير ذلك من العلوم الدينية فهذا أمر فيه سعة وإن كان من الضرورى أن يمارس بواسطة المتخصصين كل فى مجاله، ولا شك أن مصر بها من أهل التخصص فى علوم الشريعة الغراء ما ليس موجودا فى أى بلد آخر بفضل وجود مؤسسة الأزهر الشريف منارة العلم وقبلة العلماء، وعلى كل حال فالمسؤولية هنا فى حالة الخطأ مسؤولية فردية ومحدودة، ثانيا الأمور المتعلقة بالفتوى وهى القضايا الخاصة والقضايا العامة وهذه تحتاج إلى تنظيم أدق وأقرب إلى التقنين ذلك أن لمفتى ليس فقط متخصصا فى علوم الشريعة، بل لابد أن تتوافر فيه مهارات زائدة تتعلق بإدارك دقيق للواقع من كافة نواحيه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأمور التقنية الحديثة وكيفية التعامل مع الإنترنت ومواقع التواصل بالإضافة إلى فهم مآلات الفتوى.

فالإفتاء صناعة دقيقة خاصة تحتاج إلى مهارات تفوق المعرفة النظرية بعلوم الشريعة، وكلما كان ممارس الفتوى متعمقا فى إدراك الواقع كلما حققت فتواه مقصدها الصحيح من معرفة حكم الشريعة والبعد عن البلبلة والفوضى، والأمور المتعلقة بالإفتاء تتفاوت فى أهميتها وخطورتها، فهناك فتاوى متعلقة بالعبادات وهناك فتاوى متعلقة بالأحوال الشخصية وهناك فتاوى متعلقة بالمستجدات الثقافية والاقتصادية والسياسية وهناك فتاوى تتعلق بالشؤون العامة للدول والشعوب وهكذا ونحن نأمل من عملية التنظيم هذه أن تضع كل مجال من هذه المجالات فى حجمها وإطارها الصحيح بحيث لا يشق على الناس معرفة الفتوى فى أمورهم الحياتية اليومية، كذلك فى فتاوى المستجدات الثقافية والاقتصادية لابد من إحياء مفهوم الاجتهاد الجماعى كما هو المعمول به فى دار الإفتاء المصرية تلك الهيئة الدينية العريقة التى تخضع الأمور والقضايا لدراسات معمقة تتداخل فيها كثير من التخصصات والعلوم وهى الهيئة التى أخذت على عاتقها تدريب وإعداد الكوادر الإفتائية على مستوى العالم، وهى الهيئة التى تمتلك مواصفات المرجعية الصحيحة لمن يريد أن يمارس الإفتاء على نحو صحيح.

باختصار شديد: هى الهيئة التى تمتلك المواصفات الفنية الدقيقة التى يجب الرجوع إليها عند ممارسة الإفتاء، وقد يكون الأمر أكثر أهمية وخطورة وتكون القضية أكثر اتساعا وشمولا على المستوى الدولى والإقليمى، فنحتاج عندها إلى تضافر جهود المؤسسات الإفتائية والمجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامى، ومن أجل ذلك كان التعاون الدولى فى إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم فهى الهيئة العالمية التى تنظم هذه الأمور، وأخيرا لابد أن تتوافر فى شخصية ممارس الإفتاء الانتماء الصادق إلى الوطن والحرص الدائم على مصالحه العليا والبعد بفتواه عن كل ما يثير الفتن، ويؤدى إلى الفوضى ويعرقل مسيرة التنمية، تنظيم الفتوى بقانون أو ميثاق شرف ليس فيه أى تقييد للحريات ولا حجر على رأى المفكرين والعلماء ولا دعوة لكهنوت رجال الدين، بل هو وضع للأمور فى إطارها الصحيح.

* مستشار مفتى الجمهورية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية