تعقد الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم برئاسة فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية مؤتمرها العالمى الثانى فى ١٧-١٩ من أكتوبر الجارى وينعقد هذا المؤتمر بحضور ممثلين من أكثر من ستين دولة من دول العالم الإسلامى من العلماء المختصين بشأن الفتوى، ويهدف هذا المؤتمر إلى الحد من فوضى الفتاوى التى تصدر لها غير المتخصصين، وللعام التالى على التوالى تستضيف مصر برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا المؤتمر، مما يؤكد ريادة مصر وأهليتها لعقد مثل هذه الملتقيات ذات التأثير الهام فى كل ما يخص قضايا تجديد الخطاب الدينى.
ولاشك أن موضوع الفتوى من الموضوعات التى استحوذت على مساحة كبيرة من نقاشات وحوارات الرأى العام العالمى على المستوى الأكاديمى والإعلامى بل العام، فما من بيت ولا أسرة ولا مجتمع ولا دولة إلا وتتأثر بقضية الفتوى الدينية، إما إيجابا أو سلبا بحسب انضباط هذه الفتوى بالمعايير العلمية ومقاصد الشريعة السمحة أو انحرافها وبعدها عن هذه المعايير والمقاصد، ولاشك أن اجتماع هذا العدد الكبير فى مصر وهى مقصد العلماء من قديم له أعظم الأثر فى الخروج بنتائج مرضية تواجه فوضى الفتاوى، السبب الأول فى ظاهرة الإرهاب والعنف. إن اصطفاف العلماء وأهل الفتوى للتصدى لهذه الظاهرة أمر تأخر كثيرا وكان لزاما على الأمانة أن تتخذ هذه الخطوة الجريئة فى هذا الوقت، فكل الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب لم تكن لتؤتى ثمارها لو لم يتصد العلماء لفوضى الفتاوى التكفيرية، وإن لم تستعِد الهيئات الدينية الرسمية دورها العالمى فى تجديد الخطاب الدينى ومحاربة الإرهاب على المستوى الفكرى فإن العواقب ستكون وخيمة.
إن الملاحظ فى هذا المؤتمر تزايد أعداد المشاركين فيه والمقبلين عليه، ومعنى هذا زوال حالة التوجس والترقب التى كان يتخذها البعض موقفا للتعاطى مع الحالة المصرية نتيجة للشائعات الكاذبة التى يروجها المتطرفون عن الوضع فى مصر، ولاشك أن هذه الأكاذيب كادت أن تروج وتصدق فى الأوساط العلمية والدينية لولا الرحلات المكوكية التى كان يقوم بها فضيلة المفتى ومعاونوه لتصحيح الصورة والرد على مفتريات الجماعة المحظورة، لقد بذلت دار الإفتاء فى هذا المضمار مجهودا كبيرا، فقامت برصد هذه الأكاذيب أولا ثم قامت بتفنيدها بطريقة علمية صادقة.
وليست جهود الأمانة مقصورة على عقد هذا المؤتمر العالمى فقط، بل إنها تعمل على ترجمة هذا المؤتمر إلى برامج عملية تستفيد منها كافة المؤسسات، ومن أهم هذه البرامج برامج تدريب الكوادر من أئمة العالم الإسلامى على كيفية التصدى لشبهات الإرهاب والتطرف الدينى، فهذه الوظيفة لم يعد من السهل على الداعية أن يمارسها بشكل عفوى أو بمجرد خبرات ذاتية، بل لابد من الإحاطة والرصد بحيل هذه الجماعات وأسلوبها الخبيث فى نشر الشبهات والفتن التى قد لا يلتفت إليها البعض، وهذا ما تقوم به الأمانة على مستوى الرصد والتحليل والنقد ومن ثم تدريب الأئمة والدعاة بطريقة علمية صحيحة.
وثمة مشروعات طموحة سوف تعلن عنها الأمانة فى مؤتمرها العالمى الثانى، وبالنسبة لهذا المؤتمر فهو حدث تاريخى بالفعل وطفرة على مستوى دور الإفتاء العالمية وخطوة ستتلوها خطوات كثيرة فى مشروع تفكيك الخطاب التكفيرى والإرهابى، إن مؤسساتنا الدينية حينما تتوحد صفا واحدا فى محاربة الإرهاب والفتاوى الشاذة فلاشك أن هذا سيصب مباشرة فى مصلحة وأمن المجتمعات واستقرارها، ومن ثم فإن الواجب والرسالة التى تحملها الأمانة على عاتقها وتأمل أن تصل رسالتها إلى علماء العالم أجمع أن تتوحد كلمتهم وجهودهم فى محاربة فوضى الفتاوى ونشر الوسطية والتسامح.
* مستشار مفتى الجمهورية