في مقاله بصحيفة «اندبندنت» البريطانية، قال الكاتب الصحفي، روبرت فيسك، إن رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، ظهر في مقابلة تليفزيونية غريبة ومتكلفة، من منزله بالرياض، وعلى شاشة قناة «المستقبل» التي يملكها تياره السياسي، وتحت إكراه سعودي.
وأضاف «فيسك» أن المقابلة التي ادعى فيها «الحريري»، الذي قدم استقالته، الأحد، أنه يتصرف بكامل إرادته في الرياض، تمت بعد رفض سعودي لسفر طاقم من قناة «المستقبل» وإصرارها أن يصورها طاقم سعودي خاص.
وتساءل كاتب المقال قائلا إنه طالما كان «الحريري» يعزم تقديم استقالته رسميا عند عودته إلى لبنان، كيف لم يفكر أن استقالته من السعودية ستحدث هذه «الصدمة» للبنانيين؟.
وفي مقاله الذي جاء بعنوان «ليست هذه هي المرة الأولى التي تهدد فيها المملكة العربية السعودية استقرار لبنان»، أوضح «فيسك» أن المقابلة التلفزيونية التي أجرتها المحاورة، بولا يعقوبيان، مع «الحريري» في حضور نديم قطيش مخرج تليفزيون المستقبل اللبناني، عكست آراء الحكومة السعودية الجديدة، تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، لا آراء «الحريري» التي اعتاد الإدلاء بها وهو حر في بيروت.
وأشار إلى أنه كان في استطاعة السعوديين اقتطاع كلمات «الحريري» أو تعديلها إن حاد عما ثبت أنه نص سعودي مكتوب.
ووفقا لما جاء في المقال، فإن الابتسامة المعهودة على وجه «الحريري» أثناء لقاءاته التليفزيونية، غابت في اللقاء الأخير، الذي قال فيه إنه كتب خطاب استقالته بنفسه، بينما لم يصدق أي سياسي لبناني ذلك الادعاء.
كما أوضحت كلماته أنه «سوف يعود إلى لبنان قريباً جداً في غضون أيام»، ما يضيف المزيد من علامات الاستفهام بعد تصريحه «أردت أن أحدث صدمة إيجابية للشعب اللبناني كي يدرك الخطر المحدق به».
وقال إنه سوف يؤكد على استقالته وفق الدستور بعد عودته إلى لبنان، لكن ما لا يعقل أبدا أن صدمته للبنانيين تكون بإعلان استقالته من الرياض.
ويرى «فيسك» أن هذه المعطيات تثير الأسئلة حول علاقتها بالضائقة المالية أو الإفلاس، الذي تواجهه شركة «سعودي أوجيه» المملوكة «للحريري». الشركة التي تدين للحكومة السعودية بـ9 مليارات دولار يحاول موظفوها، بما فيهم العديد من المواطنين الفرنسيين، مقاضاة «الحريري» لعدة أشهر من الرواتب المتأخرة. وعبر وسيط مجهول استلم مسؤولون لبنانيون نسخ من وثائق حكومية سعودية تفيد أن «الحريري»، الذي يملك جنسية سعودية، ينتظر مثوله أمام محكمة سعودية في قضية الرواتب المتأخرة.
وجاء تاريخ المحاكمة، حسب الأوراق، 25 نوفمبر 2016، منذ عام كامل تقريباً، ويمكن للمحكمة السعودية أن تؤجل القضية إلى ما لا نهاية لكنها تستطيع، بالتأكيد، إعادة تفعليها أي وقت، لذا ظل هذا الاستدعاء القضائي معلقاً طيلة عام كامل. ومما لا يبشر بالخير، أن هذه المحكمة نفسها استدعت الأمير السعودي، الوليد بن طلال، قبل يومين فقط، وهو الأمير الثري المعتقل في مزاعم فساد، وحامل الأصول اللبنانية كالحريري.
والمقلق أكثر من ذلك، بحسب «فيسك» أن فندق «ريتز كالتون» بالرياض، المعتقل به الأمراء والوزراء ورجال الأعمال السعوديون، امتلأ عن آخره وطلبت الحكومة السعودية مزيدا من الحجوزات بفندق ماريوت الرياض، أي أن المزيد من الاعتقالات في الطريق، وبلا شك ستضم العديد من خصوم الأمير ولي العهد السياسيين.
لكن لا تزال المكائد تدبر، وفقا لمقال «اندبندنت»، موضحا أن البطريرك الكاثوليكي، بشارة الراعي، الذي زار الرياض، الإثنين، وقابل «الحريري»، لكن الرئيس اللبناني، ميشال عون، قابل البطريرك، الأحد، وأعرب عن مخاوفه أن يعطيه السعوديون استقالة بتوقيع «الحريري» يحملها معه لبيروت فتصبح بهذا استقالة رسمية. و
طلب «عون» من «الراعي» ألا يقبل الورقة إذا أحضرت إليه، لكن أحداً لا يعرف إذا كان «الراعي» سيفعل ذلك أم لا.
وأوضح «فيسك» أن زيارة البطريرك للسعودية، هي الأولى من نوعها، ما يثير التساؤل حول أي من شخصياته ستأخذ الصدارة، الكاهن اللبناني الرئيس أم السياسي المحنك الذي تعرفه البلاد جيداً.
ويرى «فيسك» أنه بينما تزال عودة «الحريري» غير مؤكدة، فإن السلطات اللبنانية ترتبك إزاء احتمالية إنهاء إقامة 200 ألف لبناني يعملون في المملكة، بل وسحب الاستثمارات السعودية من لبنان كذلك. وزيادة على ذلك، تخشى الحكومة اللبنانية من التهديدات القائلة إن السعودية ستعمل على تعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية، وهو ما تصدقه الحكومة اللبنانية وتتخوف منه. لن يسعد هذا المصريين والأردنيين والعراقيين، لكن العالم لم يعرف رقعة خيراً من الشرق الأوسط يثبت فيها الحكمة القائلة «اطعم الفم تستحي العين» ونحن نعلم جميعاً من يطعم الأفواه في المنطقة.