اتهم الكاتب البريطاني روبرت فيسك، رئيس وزراء بلاده الأسبق توني بلير، بأنه إنما اختار الحرب على العراق عام 2003 لأنه لم يقم وزنًا للبشر وإنما أقام للسياسات فقط.
وفي مقال نشرته (الإندبندنت) علق فيسك على تصريحات أدلى بها «بلير» مؤخرًا قال فيها: «أعتذر عن الأخطاء وعن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية كانت خاطئة، فيما أجد أنه من الصعب الاعتذار عن الإطاحة بنظام صدام حسين، وأجد أن ثمة»جوانب من الحقيقة «في الربط بين نشوء تنظيم داعش وحرب العراق 2003».
واستهل فيسك مقاله قائلا: «ها هو توني بلير يعاود الظهور من جديد.. إنه يعتذر، ولكن ليس عن الحرب، وإنما فقط عن الاستخبارات».
وأضاف مستخدمًا نفس تعبير «بلير» بأن ثمة «جوانب من الحقيقة» في وجهة النظر التي تلقي بمسؤولية نشوء داعش على مغامرة «بلير» وجورج بوش الابن في العراق عام 2003، ولربما يواجه «بلير» اتهامًا من البعض بأنه بدأ حربًا إقليمية غطت تمامًا على مأساة الفلسطينيين، الذين لا يزالون يئنون تحت وطأة أطول احتلال عسكري عرفه التاريخ الحديث- وهو الوضع الذي لم يحرك «بلير» ساكنا من أجل إنهائه بعد إيفاده كمبعوث «سلام» إلى القدس.. ولربما يرى «بلير» أن ثمة «جوانب من الحقيقة» في هذا الاتهام، وإن كنت أشك في ذلك.
وأعرب فيسك عن استيائه البالغ من عدم اعتراف «بلير» بكارثية أخطائه، وأكد أن الأخير إنما اضطر إلى تقديم اعتذاره المتواضع في ظل الضغوط التي يفرضها تقرير «تشيلكوت» حول الحرب على العراق، والذي قد يخفي جوانب كثيرة من الحقيقة ومن ثم لا يركز كثيرًا على دور «بلير».
ووصف فيسك زعم «بلير» في تصريحاته بأن الشرق الأوسط مسرح للاضطراب الموروث- بالأمر المروع، وقال إن «بلير» يرى في الشرق الأوسط إقليما ولا يرى فيه بشرًا.
وعن حرب العراق، قال فيسك إن صدام استخدام الغاز «ضد أبناء شعبه»، ولكن عندما كان يفعل ذلك، كان جورج بوش الأب يدعمه عسكريًا في حربه ضد إيران، وعندما أقدمنا نحن على مغامرة 2003 لم يكن معظم مَن سقطوا ضحايا لها من مؤيدي صدام ولا من معارضيه، وإنما هم عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء.
ورأى فيسك أننا إذْ نحدد وصْف هؤلاء الناس بأنهم سُنة أو شيعة أو موارنة فإننا نجردهم من إنسانيتهم حاشرين إياهم في صناديق عليها علامات.
ونبّه فيسك إلى أنه لا يجب أن نتجاهل كيف أسهمت سياسات أمريكا وغيرها من القوى الخارجية في المشاكل التي مزقت قشرة الهدوء الظاهري الذي غلف منطقة الشرق الأوسط على مدار سنوات بعد الحرب العالمية الثانية باستثناء حروب إسرائيل والعرب.
لكننا لا نقيم وزنا للبشر وإنما للسياسات- لهذا السبب اختار «بلير» الحرب، وهكذا كانت الحرب في عين وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، ولهذا السبب ذاته صنع سلاما بين إيران والعراق فيما ضحى بالأكراد، وهذا بالضبط ما فعله الأمريكيون عندما قصفوا العراق مرة تلو الأخرى بين عامي 1991 و2003، رغم مرور سنوات طوال على تحرير الكويت من وطأة صدام.. وهذا ما صنعناه عندما اجتحنا العراق في 2003.
واختتم فيسك قائلا: «أعتقد أن ما فشلنا في فعله هو الاضطلاع بمسؤولية أفعالنا.. نحن لا نخطط، لأنه ليس بجعبتنا خطط طويلة المدى.. لقد بدأ تشرشل التخطيط للاحتلال البريطاني لألمانيا عام 1941 حتى من قبل اجتياح النازيين للاتحاد السوفياتي.. ولكن عندما عبرت الدبابات الأمريكية نهر الفرات عام 2003 لم يكن أيّ من»بلير«أو»بوش«قد فكر في المستقبل؛ لقد كانا مشغولين للغاية في التقارير الاستخباراتية بما تتضمنه تلك من»جوانب من الحقيقة«على حد تعبير بلير.