دخلت الأزمة السياسية فى اليمن نفقاً مظلماً مع رفض المعارضة والثوار خططاً للوساطة التى تقوم بها جهات سعودية ويمنية للوصول إلى حل مع الرئيس على عبدالله صالح، فيما يصر الرئيس على البقاء فى السلطة حتى إجراء انتخابات برلمانية فى يناير المقبل، مهدداً باندلاع حرب أهلية بعد إعلان قيادات كبرى فى القوات المسلحة والعديد من سفراء صنعاء فى الخارج وقيادات بالحزب الحاكم انضمامهم للثوار.
ومع تهديد الرئيس اليمنى بإمكانية اندلاع حرب أهلية فى البلاد فى حال أى محاولة انقلابية على الحكم، وبعد أول شرارة لهذه الحرب باندلاع اشتباكات بين قوات الحرس الجمهورى وقيادة الدفاع الجوى التى أعلنت انضمامها للثوار فى الحديدة أمس الأول، فإن الخبراء يرون أن الوضع لا ينذر بخير ما دام الرئيس صالح متمسكاً بالحكم رغم تآكل شعبيته وتزايد عزلته بدرجة غير مسبوقة وتخلى العديد من أنصاره السابقين عنه، فيما وصفت المعارضة الحديث عن الوساطة بأنها «نكتة سخيفة» بعد أن سالت دماء الشهداء.
وأكد المتحدث باسم تحالف المعارضة اليمنية رفضها عرض صالح البقاء فى السلطة حتى يناير 2012، منبها إلى أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة للبلد، وقال الناطق الرسمى باسم أحزاب اللقاء المشترك المعارض محمد قحطان إن شباب الثورة يرفضون أى دعوة للتفاوض مع النظام، وقال، موجها حديثه إلى الرئيس اليمنى «الجمعة القادم سيكون جمعة الزحف، ستزحف مئات الآلاف بصدورها العارية إلى قصرك الرئاسى اقتل من شئت اسفك دم من شئت سيصلون إلى غرفتك سيصلون إلى مكانك وسيخرجونك من مخبئك».
وأضاف قحطان إن «صالح لم يعد يسيطر إلا على 8 كيلومتر من العاصمة صنعاء عززها بالدبابات وراجمات الصواريخ لكى يواجه بها شباب الثورة»، وأضاف: «فليقتل صالح من يقتل من الشباب لكنهم سيصلون إلى غرفة نومه لكى يحاكموه على ما ارتكبه بحق الشعب اليمنى من ويلات».
بدوره، قال ياسين نعمان الذى يتولى الرئاسة الدورية لتحالف المعارضة: «سيتم السماح للرئيس صالح بأن يعيش حياة كريمة وآمنة فى اليمن إذا تنحى بشكل سلمى، وطالب نعمان الرئيس اليمنى بتجنب القتال من أجل البقاء فى السلطة، الأمر الذى يهدد بتمزيق اليمن».
وحذر الشيخ عبدالرحمن البراك، عالم الدين السعودى، شعب وحكومة اليمن من التمادى فى الاقتتال والنزاع الذى وصفه بـ«الطريق المدمر» الذى لا تصلح به دنيا ولا دين. وفى تلك الأثناء أقر البرلمان اليمنى، أمس، بإجماع النواب الحاضرين سوى نائب واحد، حالة الطوارئ التى أعلنها الرئيس لمدة 30 يوماً، وسط تعاظم الحركة الاحتجاجية المطالبة بتغيير النظام وتقلص الأغلبية الداعمة للرئيس فى البرلمان، وهو ما أثار غضب الثوار والمعارضة الذين طالبوا البرلمان برفض إقرار الطوارئ، معتبرين أن «من يصوت يكون مشاركا فى قتل الأبرياء»، ويأتى ذلك بعد حدوث انشقاقات داخل حزب المؤتمر الشعبى العام الحاكم من قبل بعض قيادات الحزب التى أعلنت تشكيل حزب جديد ومساندتها للثورة.
ويرى محللون أن الثورة اليمنية اتبعت خطى سابقتها المصرية فى بداية الأمر بالتظاهر والاحتجاج سلمياً فى الميادين الكبرى للمطالبة بسقوط النظام، إلا أن هجمات قوات الأمن على المحتجين، خاصة يوم الجمعة الماضى، أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء وأدت إلى تغيير مواقف جميع القوى المعارضة والثوار، ودعمهم فى ذلك العديد من السفراء وقيادات الجيش والشرطة التى أعلنت انضمامها للثورة وانشقت عن النظام فى استنساخ أقرب للثورة الليبية التى غلب عليها طابع الاقتتال الداخلى بين الثوار وقوات الزعيم الليبى معمر القذافى.
ومما يؤزم الوضع فى البلاد إمكانية اندلاع مواجهات عسكرية جديدة بين الجيش اليمنى والحوثيين فى شمال البلاد بعد اشتباكات الأحد الماضى التى أسفرت عن سقوط عشرات القتلى فى معارك للسيطرة على أحد المواقع، وتهديد تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية بفتح جبهة جديدة للحرب ضد الجيش بما يعرض القوات المسلحة لمزيد من الضعف وتشتيت جهدها ــ بحسب محللين ــ مما يصعب من مهمتها فى مواجهة كل تلك الجبهات، إضافة إلى جبهة الجنوبيين المطالبين بالانفصال.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إنه على الغرب وقف دعمه للرئيس اليمنى، وأشارت إلى احتمال حدوث اقتتال فى صفوف الجيش بين مؤيدى صالح ومعارضيه، مما يعطى الفرصة لازدهار الإرهابيين، ونصحت الصحيفة الرئيس اليمنى بأن الحل الأمثل له هو نقل سلطته لحكومة وحدة وطنية تضع جدولاً لانتخابات حرة ونزيهة ويكون للحركة الطلابية المعارضة دور فى هذه العملية، فيما قالت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية إن عزلة الرئيس اليمنى تتزايد فى خضم حركة الانشقاقات وقرارات التنحى بين القيادات اليمنية والعسكرية والدبلوماسية.