لا نريد أن يتعامل الدكتور عصام شرف معنا على أنه رئيس حكومة تسيير الأعمال، بما فيها الأعمال التى بنيت على أساس خاطئ، بل عليه أن يضع خطة لإدارة البلاد، وكأنه سيرأس الحكومة لسنوات مقبلة ، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتخلى عن الحياد وأن يصبح أكثر حزماً وحسماً، فبيان تغليظ العقوبات على أعمال البلطجة ليس كافياً، كما أن الناس فى الشارع تتحدث عن أن الجيش ليس حاسما، وأخشى أن تضيع هيبته.
هكذا بدأت الدكتورة ميرفت التلاوى، وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية السابقة، حديثها معنا برسالتين، إحداهما للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والثانية لحكومة الدكتور عصام شرف، مؤكدة أنه يجب أن يأتى على قائمة أولويات الحكومة إلغاء جميع القوانين التى أضرت بالبلاد طوال السنوات الماضية، التى كانت سببا فى كون كل فاسد يتمادى فى فساده رافعا شعار «كله بالقانون».. وإلى نص الحوار:
■ دكتورة ميرفت كيف ترين المشهد السياسى فى مصر الآن؟
- رغم كل ما حققناه من إنجاز عظيم خلال ثورة يناير، فإننى أشعر بخوف شديد نتيجة الوضع الأمنى غير المستقر، رغم الاعلان عن نزول الشرطة، فالانفلات أصبح واضحا للعيان، وبصراحة كل الناس فى الشارع تتحدث عن أن الجيش غير حاسم، حتى أننى أخشى أن تضيع هيبته، ولا تنفذ قراراته فى المستقبل، لذا أرى ضرورة إصدار قرارات حاسمة لتهدئة البلد ومواجهة البلطجة والفتن الطائفية، وعقد محاكمات سريعة للخارجين على القانون حتى لا تُسرق الثورة وتنجح الثورة المضادة، كما أتمنى تأجيل الانتخابات لحين استتباب الأمن، لأن إجراء الانتخابات فى هذه الظروف سيؤدى إلى نتائج كارثية.
■ هل قلت نعم أم لا للتعديلات الدستورية؟
- قلت لا.. فأنا كنت معترضة على تعديلات الدستور كمبدأ، لأننا نريد دستوراً جديداً، ولا نريد ترقيع الدستور القديم.. فكيف نستفتى على دستور سيلغى؟ وكيف نجرى انتخابات بناء على دستور مشوب بالعوار، فيوجد فى الدستور مواد تخالف روح المواد التى عُدلت وتناقضها، وهناك مادة لم تُعدل تتحدث عن ست سنوات مدة الرئيس فى حين التعديل يقول إن المدة 4 سنوات، فكيف يستقيم الوضع بهذا الشكل؟
■ هل ترحبين باستمرار الجيش أكثر من 6 أشهر فى إدارة البلاد؟
- نعم، ولكن بشرط أن يشكل مجلساً رئاسياً يدير البلاد فى المرحلة الانتقالية، فلماذا لا نقلد تونس فى تكوين مجلس رئاسى؟، فأنا لا أفهم بالضبط لماذا لم يخرج علينا المجلس الأعلى للقوات المسلحة ببيان يوضح فيه خطة البلاد طوال الأشهر الستة، حتى نفهم ما نحن مقدمون عليه، ولماذا يرفض تكوين مجلس رئاسى أو حتى لجان استشارية معاونة؟!
■ المجلس يعتمد على وجود حكومة يفترض أنها تتولى الإدارة الفنية للبلاد، فى حين يبقى المجلس المراقب العام؟
- هنا تكمن المشكلة الكبرى، لأن الحكومة تعتبر نفسها حكومة تسيير أعمال، وبالتالى هى تسير أمور البلد بما فيها المبنية على أساس خاطئ.. فى حين نحن نريد خطة واضحة ستسير عليها البلاد فى المرحلة المقبلة ومنذ هذه اللحظة، خطة بشأن الأمن والتعليم والاقتصاد إلى آخره.. لكن البلد بهذا الشكل أصبح فى مهب الريح.. سواء سيمكث الجميع ستة أشهر أو ستزيد المدة، يجب أن يتم وضع خطة للبلاد تعلن على الرأى العام ويشارك فيها كل الخبراء المختصين فى جميع المجالات، فالانشغال بالحالة السياسية والدستور لا يعنى إهمال الأمور الحياتية، فنحن نريد خطة لإدارة البلاد وليس مجرد تسيير أعمال.
■ ماذا تقصدين بتسيير الأعمال بما فيها ما بُنى على أساس خاطئ؟
- هناك قوانين كثيرة تم تشريعها فى العهد السابق، وبها الكثير من الأخطاء والثغرات التى أدت إلى فساد فاحش، وفكرة تسيير الأعمال على هذا الأساس فكرة مرفوضة، ويجب أن تضع الحكومة الحالية فى أولوياتها عقد لجان قانونية لدراسة القوانين التى حدث حولها لغط مجتمعى شديد، لإلغاء ما تسبب منها فى إحداث ضرر للبلاد، فكثير من الفساد كان يتم تحت شعار «كله بالقانون».. فبطرس غالى مثلا عمل قانوناً ليأخذ به أموال التأمينات.. لذا أرى أن هناك قوانين تضاهى فى خطورتها قانون الطوارئ.
■ لكن «الطوارئ» هو القانون الأخطر الذى بموجبه كُبتت الحريات وسُجن الشعب بأكمله؟
- أنا أتفهم أن الحديث منصب على قانون الطوارئ لما له من مخاطر سياسية، ولكن هناك قوانين لها خطورة اجتماعية واقتصادية ضخمة، يأتى على رأسها قانون التأمينات الاجتماعية، وقانون الضرائب العقارية، وفى المقابل هناك جهات لا تحكمها قوانين محددة وصارمة مثل البورصة، حيث لا يوجد بها أى قانون يحميها من دخول الأجانب، الذين ينتهزون الفرص ويدخلون لشراء الأسهم والأسعار منخفضة، ثم يخرجون بالمكاسب وقتما يشاءون وكيفما يشاءون، فيتسببون فى خسائر فادحة للبورصة، رغم أنه فى الخارج يتم فرض ضريبة على البيع والشراء فى الأسهم، بما يحقق دخلاً كبيراً للدولة من ناحية، وفى الوقت نفسه لا يشجع الأجانب على الدخول والخروج فى فترات قصيرة فتهتز البورصة.. فعدم وجود ضوابط جعل الكل يستسهل عملية الاستثمار فى البورصة حتى تحولت إلى مقامرة، لأن المستثمر لا يتحمل تأميناً للعمال ولا ضريبة على الإنتاج ولا ما شابه، فلماذا يشغل باله بالاستثمار فى الإنتاج الزراعى أو الصناعى، وهنا يختار الأسهل، والنتيجة تدمير الاستثمار فى الزراعة والصناعة.
■ لنتحدث عن جزئية جزئية.. ما وجه العجلة فى إلغاء قانون التأمينات الذى تم إقراره العام الماضى ولم يدخل حيز التنفيذ بعد؟
- إليك هذا السر الذى لم أعلنه من قبل، وهو أن قانون التأمينات الاجتماعية الذى أصدره يوسف بطرس غالى قبل رحيله، سبق أن عرضه على الأمريكان أثناء رئاستى لوزارة الشؤون الاجتماعية والتأمينات، ورفضته بعنف، ولكن على ما يبدو أن الأمريكان لم ييأسوا ووجدوا فى بطرس غالى الرجل المناسب حتى نفذه لهم وأقره قبل رحيله، مع العلم أن القانون سيطبق فى 2012، لذا لم يكن هناك أى مبرر للعجلة لإقراره فى 2010.
■ وما علاقة الأمريكان بهذا القانون؟
- الأمريكان أرادوا تغيير قانون التأمينات بكل الطرق، وطالما كانوا يهدفون إلى خصخصة التأمينات، فهم يعتبرون صندوق التامينات والمعاشات من الصناديق المالية السيادية الضخمة، وذلك فى كل دول العالم، والسيطرة عليه تعنى السيطرة على جزء كبير من الاقتصاد.
■ الأمريكان كلمة فضفاضة.. من بالضبط الذى التقى بك وطلب منك تغيير قانون التأمينات؟
- أرسلوا إلىّ عدداً من الوفود الأمريكية للتفاوض بشأن هذا القانون، وفود من البنك الدولى، ومنظمة العمل الدولية، وعدد من الهيئات الأمريكية المتخصصة فى مجال التأمينات، وقد فطنت آنذاك أن طلباتهم تدور حول كيفية الاستحواذ على صندوق التأمينات والمعاشات، على اعتبار أنه من الصناديق السيادية فى الدولة وبه مبالغ مالية ضخمة، وذلك بخصخصة هذه الأموال وعدم سيطرة الحكومة عليها.. وقد استعنت بالمرحوم إبراهيم نجيب، وهو اكتوارى عالمى فى مجال التأمين الاجتماعى، ودارت مفاوضات مطولة، وفى النهاية اقتنعت منظمة العمل الدولية بأن نظامنا التأمينى يسير فى الاتجاه السليم، فى حين اعترض البنك الدولى وقال: إن القائمين على التأمين يصعب اختراقهم.
■ وما المنافع التى ستعود عليهم بتغيير النظام التأمينى فى مصر؟
- قتل أى أيدلوجية لا تسير فى الركب، فأمريكا تود أن تكون الدولة الرأسمالية العظمى فى العالم، التى توجه الاقتصاد فى العالم كله، حتى تصبح كل الدول تابعة وتسير فى ركاب أمريكا، فالبنك الدولى يعد روشتات جاهزة للإصلاح الاقتصادى ويعرضها على الدول، ويقولون لنا نفذت فى تشيلى وفى البرازيل وأتت بنتائج جيدة، نعم ولكن هذه الدول أخذت من الروشتات ما يناسبها، وهناك دول اتبعت نظماً تأمينية وفشلت وأفلست، وهنا الأمر يتوقف على مدى قوة الدولة فى الرفض أو القبول، عموما أمريكا تريد أن تتدخل فى جميع الأنظمة الاقتصادية بدعوى الإصلاح والمساعدة، من خلال روشتات البنك الدولى وقروض مالية، ولكن القرار يتوقف فى النهاية على إرادة الدول.
■ وما ملاحظاتك الفنية على القانون؟
- القانون الجديد لم يشمل فى البداية 38 ميزة تأمينية يتمتع بها 8 ملايين مواطن، هم أصحاب المعاشات، واضطر إلى تضمينها فى مرحلة لاحقة، حينما أصر اتحاد العمال عليها، والقانون أصله قانون تأمين تجارى أضيف له هذه الميزات التأمينية، وهنا السؤال: هل القانون بصيغته الحالية تسمح له بالاستمرارية، وهل الأسس التى بنى عليها سليمة، خاصة أنه لم يعرض على اكتواريين متخصصين فى التأمين الاجتماعى، كما أنه يسمح بالاستيلاء على ثلث أموال أصحاب المعاشات، لتداولها فى البورصة وشركات تداول الأوراق المالية، القانون ملىء بالهيئات، وكل موظفى الهيئات يحصلون على رواتبهم من أموال المعاشات، رغم أنها فى البداية كانت من ميزانية الدولة باعتباره موظفاً عاماً، أقر فى عجالة مما يثير الاستفهام لماذا العجالة فى إقراره فى 2010 رغم أنه سيطبق فى 2012؟
■ وهل لديك إجابة عن هذا التساؤل؟
- طبعا.. بطرس غالى أراد الحصول على الأموال بموجب قانون، لوضعها فى ميزانية الدولة، حتى يظهر أن عجز الموازنة بالأرقام قليل، وبالتالى نجاح سياسته الاقتصادية، ولكنه أخذ من هذا الجيب ووضعها فى الجيب الثانى، فهو لم يقلل نفقات الحكومة ولا البدلات التى لم تشهد مصر مثلها من قبل، بدل سفر، بدل اجتماع، بدل حضور مؤتمر، وكلها بدلات بالآلاف، وكما أنه لم يرشد فى الإعلانات التى قامت بها وزارة المالية، حتى إنهم أعلنوا عن العملة الفضة!، وقرر بدلا من ترشيد الإنفاق فى هذه المجالات أن يخفى عجز الموازنة بأموال الـتأمينات.
■ ولكن القانون لم يقدم من قبل بطرس غالى؟
- الوزارة هى المختصة بصياغة القانون وعرضه على البرلمان، ولكن على غير المعتاد تقدم صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى السابق، بعرض مشروع القانون على البرلمان، رغم أنها مهمة الوزير بعدما بالغ صفوت الشريف فى مدحه، بل وقال إنه قانون الريس.
■ وهل للرئيس السابق مبارك دخل بالقانون؟
- على ما أعتقد صفوت الشريف استخدم اسم الرئيس للتخويف وللتحفيز على سرعة إقراره، حيث تم تجاهل عرض القانون على مجلس الدولة أولا لكتابة تقريره فيما هو صالح وما هو طالح فى القانون، كما تم تجاهل الطعن المقدم أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن وجود شبهة عدم دستورية حيال هذا القانون، ولم ينتظر البرلمان قرار محكمة الدستورية العليا.
■ كيف يمكن إدارة أموال التأمينات فى المرحلة المقبلة؟
- أولا يجب تصحيح الوضع غير الدستورى، وفصل أموال التأمينات عن وزارة المالية، لأن أى زيادة فى عجز الموازنة الآن يعنى ضياع أموال الناس، فالمعاش هو الحد الأدنى من الضمان الإنسانى للفرد، فكيف يمكن لشخص كبر فى السن ولم تعد صحته تمكنه من العمل، أن يفاجأ بأن معاشه الاجتماعى، الذى يضمن الحد الأدنى لتلبية احتياجاته الأساسية يضيع، أو أن الدولة لا تستطيع سداده، المسألة فى منتهى الخطورة، لذا يجب فصلها فوراً عن أموال الدولة.
■ وهل هذا ممكن؟
- طبعا ممكن لو حدثت أى أزمة اقتصادية، وارتفع الدين الداخلى وزاد عجز الموازنة، وتابعت: أما عن إدارة هذه الأموال على النحو الأمثل، فليستعينوا بأكبر بيوت الخبرة فى الخارج إذا لم يكونوا على ثقة بأبناء البلد وإدارتهم لها، رغم أننا فى مرحلة ما كنا ندير أموال التأمينات بطرق حققت أرباحاً، واشترينا شركات ناجحة قبل أن يتم التدخل وإجبارنا على عدم الشراء، بل وبيع ما نمتلكه من أسهم فى شركات رابحة، سبق أن أشرت لهذا الأمر فى عدد «المصرى اليوم» بتاريخ 25-1-2010، ولكن أخذ أموال التأمينات من خزينة الدولة الآن قد يعنى خللاً كبيراً، خاصة أننا نعانى من عجز الموازنة، وهناك زيادة فى الطلبات المالية من معاشات استثنائية، وزيادة فى الأجور ورفع العلاوة إلى آخره، هذا سبب أدعى لسحب هذه الأموال من خزينة الدولة، حتى يظهر عجز الموازنة على حقيقته، وبالتالى نبدأ فى علاجه على أسس سليمة، فإخفاء العجز الحقيقى بأموال التأمينات نوع من «الترقيع» وعدم مواجهة الحقائق. والفصل الآن قد يكون إجراء مراً وخطوة قاسية، لكنه إجراء فى الاتجاه الصحيح.
■ أشرت فى البداية إلى خطورة قانون الضرائب العقارية على المجتمع.. فما وجهة نظرك؟
- رغم كل ما قيل عن أن دخل الضرائب زاد فى الآونة الأخيرة، إلا أننى ما زلت أرى أن النظام السابق أغفل فئات كثيرة، كان من الممكن أن تزيد حصيلة الدولة من الضرائب لو أننا وضعنا نظاماً ضريبياً سليماً، فى حين اتبعت وزارة المالية السابقة نهجاً ضريبياً مجحفاً وعلى رأسه تحديد نسبة 20% كنسبة موحدة للضرائب يدفعها من يتقاضى ملايين ومن يتقاضى ألف جنيه وهذا خطأ كبير.. أما بالنسبة لقانون الضرائب العقارية فهو قانون خلق مشكلة فى المجتمع المصرى بل ومشكلة للقائمين عليه أنفسهم، فالطريقة التى حددت لتقييم العقارات وتحصيل الضرائب شديدة التعقيد، حيث سيتم الطعن على التقييم، ومن ثم نذهب إلى المحكمة، ثم إن المحاكم المصرية غير قادرة على تحمل أعباء جديدة، فلدينا ما يكفى من بطء التقاضى.
■ والحل؟
- هناك حلول أسهل بكثير منها أن تقرر الضريبة أثناء الحصول على ترخيص البناء، بناء على الرسومات والمساحات المقدمة وما شابه.
■ وماذا عن العقارات القائمة؟
- نحن ندفع ما يسمى العوائد بالفعل، ورغم كونها مبالغ ضعيفة جدا، ولكن كان من الممكن أن نزيدها عشرة أضعاف.. بدلا من الدخول فى مثل هذه التعقيدات البيروقراطية، التى سيظلم فيها شرائح مجتمعية، وسيفلت منها من يجب أن يدفعوا ضريبة عقارية.
■ ما رأيك فى إضافة «العدالة الاجتماعية» لمسمى وزارة التضامن؟
- أولا أنا سعيدة بتولى الدكتور جودة عبدالخالق هذه الوزارة، لأنه من المؤمنين بحقوق الفقراء وعدالة التوزيع، ولكنى معترضة على مسمى الوزارة، فالعدالة الاجتماعية يفترض أنها سياسة أساسية فى كل الوزارات، التضامن وغير التضامن، وكنت أتمنى أن تسمى وزارة التنمية الاجتماعية، فهذا ما نريده فى اللحظة الحالية.
■ تشهد مصر الآن حالة من تلبية مطالب الجماهير المالية لم تشهدها البلاد من قبل، مثل إقرار معاشات استثنائية وزيادة العلاوة لـ15%، وتعويضات لمتضررين من الثورة.. فهل توافقين على هذه السياسة؟
- التصحيح يجب أن يكون جذرياً، أعلم أن الظروف الحالية ظروف استثنائية، ويجب تهدئة الناس، ولكن فى النهاية مثل هذه القرارات لا تتجاوز كونها مسكنات لن تحل شيئاً، والأهم هو رفع الأجر الأساسى بما يتناسب مع الأسعار.
■ وهل يمكن مراجعة الحد الأدنى للأجور فى هذا الظرف القاسى أم يمكن تأجيله لحين استقرار الأوضاع؟
- لدى حل بسيط وسريع لحل أزمة الأجور، ولن يكلف الميزانية العامة شيئاً ومن الممكن تطبيقه فى الحال، حيث يوجد فى كل مؤسسة فى الدولة شريحة تتقاضى أجوراً خيالية وتحت بنود بدلات وغيرها، وكما نطالب بحد أدنى للأجور نطالب أيضا بحد أقصى للأجور، بحيث يتم أخذ كل ما هو فوق الحد الأقصى ويوزع على العاملين الصغار فى كل مؤسسة، خاصة أن أغلب رؤساء شركات القطاع العام يتقاضون أجوراً ضخمة وليس فقط البنوك والتليفزيون ورؤساء المؤسسات الصحفية، ومثلا لو أخذنا المليون الذى يتقاضاه رئيس المؤسسة ووزعناه على الفئات الأقل سيتحسن الحال كثيرا، وبالتالى أحل أزمة الأجور المتدنية دون أن أكلف الدولة، وفى الوقت نفسه أقضى على الضغينة والبغضاء اللذان يملآن الشارع المصرى تجاه أصحاب الأجور المرتفعة والخيالية، مما أسفر عن طبقية شديدة.
■ ومن يتخذ هذا القرار؟
- رئيس الوزراء.. وهذا قرار يجب أن يكون سريعاً، لأن مشكلة الأجور تفاقمت منذ عدة سنوات ولم يتم اتخاذ قرار بشأنها، وظل الراتب الأساسى بلا تعديل لسنوات طويلة، رغم ارتفاع الأسعار، وبالتالى على رئيس الوزراء اتخاذ قرار بتحديد الحد الأدنى للأجور، وكذلك الحد الأقصى للأجور، حتى لا نسمع عن رئيس مؤسسة يتقاضى مليوناً أو رئيس بنك يتقاضى 2 مليون، وهناك أجور لا تتجاوز الـ400 جنيه، وتوحيد لوائح البدلات لأنها تعد رشاوى مالية أحدثت فروقاً رهيبة فى الرواتب.
■ هل من المفيد التوسع فى الدعم فى المرحلة المقبلة، خاصة أن الوزارة على رأسها وزير يسارى لأول مرة.. أم هناك مسلك آخر لتحقيق العدالة الاجتماعية والتخلص من الفقر؟
- أنا ضد كل المليارات التى تنفق على الدعم وتذهب هباء، والأهم من الدعم هو انتشال الفقراء من فقرهم، ونستبدل الدعم بالتنمية الاجتماعية بمعنى تحسين التعليم، وقروض لعمل مشروعات صغيرة، وبرامج تدريب فى مجالات مختلفة، على أن يبقى الدعم فى أمور محددة مثل رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز، وحتى هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، إنما لحين رفع المستوى الاقتصادى لهذه الطبقات.. على أن يوجه الدعم إلى المشروعات الكبيرة وبرامج التنمية الضخمة والإنتاج الزراعى، وقروض ميسرة للصناعة وامتيازات للاستثمار فى مجالى الصناعة والزراعة، مقارنة بمن يستثمر فى العقارات أو بورصة الأوراق المالية، ولا أقصد أنها قطاعات ليست مهمة، إنما الزراعة والصناعية أهم، لأن تركيبة الشعب المصرى تظهر أن 55% من المواطنين يقطنون الريف، ومعلوماتهم أكبر فى مجال الزراعة.
■ تنهال على الوزارات آلاف الطلبات الخاصة بالتعيينات يوميا.. مع وجود وعود بتثبيت أصحاب العقود وتعيين آخرين، فى الوقت الذى يحذر فيه البعض من ذلك فى وجود 6 ملايين شخص فى الجهاز الإدارى للدولة.. فما رأيك؟
- أى محاولة لتعيين وتوظيف المزيد فى ظل كارثة الجهاز الإدارى سيعد ضرباً من الجنون.
■ والبديل؟
- إعطاء الشباب أراضى بدلاً من توظيفهم، على أن أدعمهم بإدخال المرافق وأدعم الأسمدة والمبيدات والبذور، وهذا سيساعد على الإنتاج من ناحية وتقليل استيراد الغذاء من الخارج وتشغيل البطالة من ناحية أخرى.. الحلول موجودة ولا يوجد أزمة ليس لها حل، المهم أن نحدد أولوياتنا فى المرحلة القادمة ونتحرك سريعا لحلها.
■ وماذا عن حل أزمة الإسكان؟
- أولا يجب أن ننهى أزمة العشوائيات لأنها تدمر النقلة النوعية التى تريدها مصر بعد ثورة 25 يناير، وأنا ضد أن نستجيب لطلبات الناس ونحاول إرضاءهم بإدخال المرافق إلى العشوائيات، لأننا فى هذه الحالة نعطى شرعية لقنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى لحظة، والإعلان الذى قامت به وزارة الإسكان الخاص بطلب السكن هو فى حد ذاته إجراء مهم، لأنه سيظهر بالضبط حجم الأزمة وحجم المطلوب من الشقق، وذلك بعد فحص الطلبات، والتأكد من أحقية الناس، وقتها سيتوافر لدى الوزارة معلومات وبيانات يستطيعون بناء عليها، وضع سياسات على أسس سليمة، والحل هنا يكون بتغيير نظام عمل البنوك التى ظلت لسنوات طويلة تعطى قروضاً للإسكان الفاخر، بإعطاء قروض للإسكان الشعبى، بشروط ميسرة وفوائد بسيطة.