فى الحلقة الأولى من هذا الحوار، استعرض الدكتور محمود شريف بسيونى أستاذ القانون الجنائى الدولى بجامعة ديبول، بشيكاغو، رئيس جمعية المصريين الأمريكيين، رؤيته للمشهد السياسى المصرى، خصوصا ما يتعلق بأجواء محاكمات رموز النظام السابق التى قال إن تحقيقاتها جرت بشكل متسرع، متوقعا حصول كثير من المتهمين على البراءة.
وخصص أستاذ القانونى الجنائى الدولى هذه الحلقة لكشف تفاصيل وأسرار مثيرة فى علاقة رجل الأعمال حسين سالم المحبوس فى إسبانيا، بمؤسسة الرئاسة فى مصر بداية من عهد السادات مروراً برئاسته الشركة التجارية التى تولت شحن المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر، موضحا أن سالم ارتكب طوال هذه الفترة عدداً من جرائم النصب والاستيلاء على المال العام الأمريكى والمصرى.
ويرى بسيونى أن القيمة المتدنية لأسعار تصدير الغاز لإسرائيل، لها تفسيران، الأول أن هناك مقابلا سياسياً غير معلن لهذه الصفقة، والثانى أن إسرائيل كانت تدفع مبلغاً إضافياً على السعر المعلن، لكنه يوزع سراً على شخصيات سياسية بعينها.. ويروى الدكتور بسيونى فى هذا الحوار أسراراً عن مشوار حسين سالم من البداية حتى القبض عليه فى إسبانيا
■ دكتور شريف.. ماذا تعرف عن بدايات حسين سالم؟
- مسيرة انحراف رجل الأعمال الهارب حسين سالم، بدأت منذ نحو 32 سنة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا عقب توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979، تحت إشراف الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، فقد تضمنت المعاهدة اتفاقات جانبية أخرى بين مصر والولايات المتحدة من ناحية وبين إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى، تمنح بمقتضاها الولايات المتحدة كلا البلدين معونة عسكرية وأخرى اقتصادية كل عام، وبينما نالت مصر معونة عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار واقتصادية بقيمة 800 مليون دولار بإجمالى 2.1 مليار دولار سنويًا، فاقت المعونة الإسرائيلية نظيرتها المصرية بمبلغ مليار دولار فضلاً عن معونات أخرى لإسرائيل بعضها كان فى صورة مقنعة.
وفى الوقت الذى خفضت فيه الولايات المتحدة القيود المفروضة على بيع المعدات العسكرية لمصر، قرر وزير الخارجية المصرى آنذاك كمال حسن على والسفير المصرى فى واشنطن أشرف غربال والمشير عبدالحليم أبو غزالة- الملحق العسكرى لمصر فى واشنطن فى ذلك الوقت- إقامة شركة تجارية مسجلة فى الولايات المتحدة تتولى شحن المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر، على أن تستخدم أرباحها فى تمويل لوبى مصرى فى أمريكا إضافة إلى تغطية بعض المصروفات السرية لتحقيق مصالح مصرية فى مجالى الإعلام والعمل السياسى.
وخلال تلك الفترة كانت هناك علاقة قوية تجمع عبدالحليم أبوغزالة وحسين سالم- الذى كان يعمل فى البعثة التجارية المصرية بالولايات المتحدة آنذاك- ومنير ثابت شقيق سوزان مبارك، مدير المشتريات العسكرية فى نفس الفترة، فتقرر وقتها أن يتولى حسين سالم- الذى كان فى السابق يعمل بأحد الأجهزة الأمنية- إنشاء ورئاسة هذه الشركة.
■ ولماذا تم اختيار حسين سالم بالذات لهذه المهمة؟
- كيفية وأسباب اختياره على وجه التحديد لذلك الدور ليست معروفة، وما زال الغموض يكتنفها، ولهذا الغرض طلب حسين سالم من شخصية أمريكية ذات علاقات مهمة مشاركته فى إنشاء تلك الشركة لكنها رفضت، ووجد سالم ضالته فى مسؤول سابق بالمخابرات الأمريكية يدعى توماس كلاينز، كان قد تقاعد من وكالة المخابرات الأمريكية فى أكتوبر 1978.
وبحلول أغسطس 1979، عندما كانت مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية لمصر آخذة فى النمو، أنشأ حسين سالم وتوماس كلاينز الشركة المصرية الأمريكية لخدمات النقلEgyptian American Transport and Services Corporation، فى ولاية ديلاوير ولكن مقرها الرسمى كان فى مدينة فولز تشيرش بولاية فرجينيا كما تأسس مكتب لها فى مصر. وكان حسين سالم يمتلك 51٪ من أسهم تلك الشركة، بينما كان الباقى من نصيب توماس كلاينز علمًا بأنه كان هناك اتفاق سرى بينهما يسمح لحسين سالم بشراء أسهم كلاينز فى أى وقت، وتبين فيما بعد أن عددًا كبيرًا من المساهمين فى تلك الشركة من كبار الشخصيات اليهودية بالولايات المتحدة فضلاً عن عدد من الشخصيات الإسرائيلية، وربما ضمت الشركة كذلك بعض الشخصيات المصرية.
وبعد وقت قصير من تأسيس الشركة منحتها الحكومة المصرية عقدًا حصريًا لتتولى شحن جميع المعدات العسكرية التى تم تقديمها من الولايات المتحدة، باستثناء الطائرات الحربية التى كان ينقلها سلاح الطيران الأمريكى إلى مصر جوًا، فضلاً عن بعض المعدات الحساسة التى كانت الحكومة الأمريكية تتولى نقلها بمعرفتها وكانت تكلفة شحنها وتغليفها تخصم من قيمة المعونة الممنوحة لمصر، ونظرًا لافتقاره إلى الخبرة الإدارية اللازمة، عين حسين سالم فى منصب نائب رئيس الشركة أحد موظفى المخابرات المركزية الأمريكية السابقين يدعى إدوين ويلسون، الذى كان قد ترك الخدمة بالمخابرات الأمريكية بسبب شبهات حول تعاملاته السرية مع الحكومة الليبية وتصدير أسلحة ومتفجرات بصورة غير شرعية إليها، ما أسفر عن محاكمته وصدور حكم بسجنه عام 1983 لمدة طويلة. وبعد فترة شعر سالم أنه لم يعد فى حاجة إلى خدمات توماس كلاينز فاشترى فى مارس عام 1982 حصة الأخير المتمثلة فى حوالى 49٪ من أسهم الشركة ليخرجه منها بموجب اتفاقهما السابق، ولم تكن قيمة الشراء معروفة.
■ إلى أين كانت تذهب أرباح هذه الشركة؟
- لم يُستخدم أى جزء من أرباح الشركة فى عمل سياسى لصالح مصر، بل تم صرفها حسب ما نشر فى الصحافة الأمريكية فى ذلك الوقت على نفقات شخصية لبعض كبار المسؤولين المصريين أثناء زياراتهم للولايات المتحدة. وكانت تلك الشركة تؤدى عملا روتينيا، لأنها كانت فى حقيقة الأمر تتعاقد من الباطن مع شركات أخرى متخصصة فى شحن وتغليف المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر، ما يعنى أن عمل الشركة التى ترأسها حسين سالم كان مقصوراً على دور الوسيط الإدارى والمالى بين وزارتى الدفاع الأمريكية والمصرية.
■ ما تفاصيل وملابسات الحكم على حسين سالم فى قضايا نصب واستيلاء على المال العام فى أمريكا؟
- بموجب المعونة العسكرية الأمريكية، كانت الولايات المتحدة تدفع ثمن مشتريات السلاح لمصر على أن تخصم قيمتها من المعونة، وكانت شروط المعونة تتيح استخدام هذه الأموال لسداد تكاليف الشحن لشركة حسين سالم من خلال الفواتير التى كان يقدمها سالم إلى وزارة الدفاع الأمريكية. وبعد عامين تقريبًا أيقن حسين سالم أن الحكومة الأمريكية لم تكن تعير اهتمامًا كبيرًا للفواتير التى كان يرسلها إليها، لأنها كانت تخصم من قيمة المعونة الأمريكية لمصر، فأخذ يبالغ فى مطالباته المالية بخصوص عقود الشحن والتغليف، إلى أن بلغت مطالباته مستوى يفوق بكثير ما كانت تسمح به إدارة المبيعات بوزارة الدفاع الأمريكية، الأمر الذى دعا الأخيرة إلى فتح تحقيق فى الأمر أسفر عن إحالة القضية إلى المدعى العام الفيدرالى الأمريكى الذى اعتبر بدوره أن عمل تلك الشركة يشكل استيلاء على أموال الدولة «نصب»، بما يعد مخالفة للقانون الجنائى الفيدرالى. وأعقب ذلك إصدار المحكمة الفيدرالية بواشنطن قرار اتهام بحق حسين سالم، وأمرت بالقبض عليه، مقدرة قيمة الأموال المستولى عليها بنحو 8 ملايين دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لتلك الفترة، وصرح مسؤولون بوزارة العدل الأمريكية فى ذلك الوقت بأن شركة حسين سالم قدمت بالفعل 34 فاتورة مزورة بتكاليف مبالغ فيها إلى الحكومة الأمريكية.
■ وهل كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعلم آنذاك أن حسين سالم يعمل لصالح بعض الشخصيات المصرية؟
- لا لم تكن السلطات الأمريكية تتصور ذلك آنذاك.
■ وهل أبلغت الولايات المتحدة مصر بملاحقتها القضائية لحسين سالم؟
- نعم، فقد أبلغت جهة رسمية أمريكية غير معلومة، جهة مقابلة لها فى مصر بنبأ ملاحقة حسين سالم جنائيًا من باب الحرص على المصالح المصرية الأمريكية، وعندما بلغ حسين سالم نبأ صدور أمر بالقبض عليه وتجميد أرصدته، سارع بتحويل أرصدته إلى سويسرا وإسبانيا بينما فر هو إلى إسبانيا ليؤسس هناك شركة للتجارة والاستثمار.
■ وكيف بدأت استثماراته السياحية فى مصر؟
- فى فترة زمنية وجيزة نجح سالم فى الحصول على موافقة وزارة الاستثمار فى مصر على بناء فندق فى منتجع شرم الشيخ، وخُصص لذلك المشروع موقع متميز على خليج نعمة دفع سالم فى مقابله ثمنًا زهيدًا للغاية، واستخدم جزءًا من الأموال التى استولى عليها من أمريكا فى بناء ذلك الفندق الذى أعطى إدارته للشركة السويسرية الشهيرة «موفنبيك». ويقال إن سالم أعطى 19٪ من أسهم تلك الشركة لعلاء مبارك، خصوصا أن سالم دأب فى مشروعاته المختلفة على اختيار شركاء له من الشخصيات النافذة فى الدولة المعنية للتمتع بأكبر قدر ممكن من الحماية فيها، ومنذ ذلك الحين بدأ الرئيس السابق حسنى مبارك فى استخدام ذلك الفندق لعقد جميع اللقاءات والمؤتمرات الدولية بشرم الشيخ، ويمكن لأى سائح الآن أن يرى على الأجنحة المختلفة للفندق لافتات بأسماء رؤساء الدول والشخصيات الكبرى التى استضافها، وهو الأمر الذى زاد من أرباح الفندق وشهرته الدولية وكذلك من أرباح علاء مبارك.
■ وكيف تركت أمريكا حسين سالم يعود إلى مصر ويرتع باستثماراته.. وهل كانت هناك صفقة بين الجانبين المصرى والأمريكى بشأنه؟
- حاولت الولايات المتحدة عام 1983 الضغط على مصر لتسليم حسين سالم لمحاكمته عن جريمة الاستيلاء على المال العام الأمريكى لكن السلطات المصرية تذرعت بأنها لم تكن تعلم عنه شيئًا فى الوقت الذى كان يتردد فيه حسين سالم بكثرة على مصر قادمًا من إسبانيا، وضغطت شخصية مسؤولة فى الحكومة المصرية آنذاك لإقناع الولايات المتحدة بإسقاط الاتهام الموجه لسالم بناءً على دفع من محامى حسين سالم فى أمريكا بأن الاستيلاء على الأموال لم يمس المال العام الأمريكى وإنما المال العام المصرى، باعتبار أن الأموال محل الجريمة كانت مخصصة لمصر. وعلى افتراض صحة هذا الدفع يكون حسين سالم فى حقيقة الأمر ارتكب جريمتين هما الاستيلاء على المال العام المصرى والنصب على وزارة الدفاع الأمريكية، والثانية تعد جريمة فيدرالية وفقًا للقانون الأمريكى. ونتيجة لهذه الضغوط المصرية، وافق المدعى العام الأمريكى ثيودور جرينبرج على مساومة محامى حسين سالم على الاتهام الموجه للأخير- وفقًا لنظام معمول به فى الولايات المتحدة الأمريكية يسمح بالمساومة مع المتهم على الاتهام الموجه إليه مقابل اعترافه بالجريمة ويعرف باسم Plea Bargaining- بحيث يعترف سالم بارتكاب جريمة النصب على وزارة الدفاع. وبالفعل أصدرت محكمة فيدرالية فى مدينة الإسكندرية بولاية فرجينيا Alexandria, VA حكمًا على حسين سالم فى 23 يوليو 1983 وألزمته بدفع غرامة رمزية وتعويض مدنى بقيمة 3 ملايين و40 ألف دولار، بينما دفعت الشركة ذاتها غرامة تقدر بـ20 ألف دولار. واعتبر ذلك الاتفاق سريًا نتيجة للضغوط المصرية فى هذا الشأن، ويشهد بصحة تلك الواقعة صدور حكم جنائى ضد حسين سالم فى أمريكا ووجود تلك السابقة الجنائية فى سجلاته لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى F.B.I، ومُنع سالم على إثر ذلك من العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى.
وانتقدت الصحف الأمريكية فيما بعد تلك الصفقة والمدعى العام الذى أبرمها ثيودور جرينبرج متهمة إياه بالفشل فى تحقيق العدالة، وألمحت إلى أنه كان أداة بيد المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاجون. وعلى الرغم من أن الجهات المعنية فى مصر آنذاك كانت على دراية بتلك المعلومات فإنها كانت تدرك فى نفس الوقت أن حسين سالم المدان أمام القضاء الأمريكى يتمتع بحماية مؤسسة الرئاسة فى مصر، الأمر الذى أدى إلى غل يد تلك الجهات عن المساس برجل الأعمال المدلل.
■ وكيف نشأت شركة شرق المتوسط وصفقة بيع الغاز لإسرائيل؟
- توسع حسين سالم فى أعماله التجارية واستثماراته فى مصر إلى أن اختاره حسنى مبارك الرئيس السابق ليتولى تأسيس شركة لبيع الغاز المصرى لإسرائيل، وكان دعم الرئيس السابق لحسين سالم وراء تبسيط كل الإجراءات الأمنية والإدارية اللازمة لتسهيل أنشطته. وضمت تلك الشركة شركاء مصريين وإسرائيليين وأمريكيين، وأحيطت صفقة بيع الغاز المصرى بالكثير من التعتيم، خاصة بشأن السعر الحقيقى لبيع الغاز لإسرائيل. ومن غير المعلوم ما إذا كانت إسرائيل تدفع القيمة الحقيقية للغاز المصرى من عدمه، خاصة فى ظل السعر المعلن والذى كان طوال مدة التعاقد أقل بكثير من الأسعار العالمية، فإذا كانت إسرائيل تدفع ذلك السعر المعلن بالفعل فلا يفهم معنى هذه المعونة المصرية لإسرائيل، إلا إذا كانت مصر تحصل على مقابل سياسى لا يعلمه أحد يحقق لها مصلحة تفوق الدخل المفقود، أما لو صح الاحتمال الآخر فمؤداه أنه كان هناك مبلغ خارج النطاق التعاقدى الذى كانت تدفعه إسرائيل لحسين سالم يتم توزيعه على أطراف سياسية عليا.
ومن المحتمل أن يكون الاتفاق الخاص بتحديد سعر بيع الغاز، تم فى إطار اتفاق سرى بين مصر وإسرائيل لضمان تدفق الغاز المصرى، ولو أن ذلك الفرض صحيح فربما أُبرم ذلك الاتفاق بين الرئيس الراحل أنور السادات وإسرائيل قبل 1981 أو بين الرئيس السابق حسنى مبارك وإسرائيل بعد وفاة السادات عام 1981. فلا يستبعد أن يكون تصدير الغاز المصرى قد تم الاتفاق عليه ضمن أحد الاتفاقات الثنائية التى أبرمت وقت معاهدة السلام عام 1979 والتى ربما لم يعلن عنها لأسباب سياسية لا تستدعى الشرح. وحتى لو كان هناك مثل ذلك الاتفاق السرى فمن غير الممكن أن يشمل تحديدًا لسعر بيع الغاز لأنه لا يتصور أن يكون الالتزام المصرى بتوريد الغاز لإسرائيل يعتمد على معيار آخر غير الأسعار العالمية. ومع هذا فيبقى احتمال آخر هو أن سعر الغاز لم يكن نتيجة لأى أسباب سياسية وإنما نتاج لامبالاة المعنيين بالأمر بمن فيهم حسين سالم نفسه طالما كان ربحه متحققًا فى جميع الأحوال.
■ لكن عقد الامتياز المبرم بين الحكومة المصرية وشركة حسين سالم- والذى حصلت بمقتضاه الأخيرة على حق تصدير الغاز إلى إسرائيل- ينص على تطبيق القانون المصرى حال وقوع أى نزاع قانونى بين الطرفين وأن تكون هيئة التحكيم المختصة بنظر النزاع فى القاهرة؟
- نعم ولكن منذ عام 1981 يقيم حسين سالم بصفة رسمية فى إسبانيا وتحصن بالجنسية الإسبانية ضمانًا لعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو مصر فى أى مطالبة مرتبطة باتهام أو حكم جنائى، إذ إن إسبانيا من بين الدول التى لا تسمح بتسليم مواطنيها.
■ إذن كيف تم القبض عليه لمحاكمته مؤخرا وما تردد عن نية تسليمه لمصر؟
- بعض الأفعال التى ارتكبها حسين سالم تعتبر مخالفة للاتفاقية الدولية المعنية بمكافحة الفساد، كما أن تعاملاته المالية فى إسبانيا تعد غسلاً للأموال وهى بالتالى تعد جريمة دولية تجوز محاكمة مرتكبها فى مصر أو فى إسبانيا. وفى هذه الحالة تستطيع مصر أن تطالب السلطات الإسبانية بتسليم حسين سالم ليس فقط لارتكابه جريمة وفقًا للقانون المصرى مثل الاستيلاء على المال العام أو إهداره وإنما لارتكابه جرائم دولية أخرى مثل غسل الأموال وربما الرشوة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تستطيع محاكمة حسين سالم وفقًا لما ورد باتفاقية مكافحة الفساد التى صدقت عليها كل من مصر وإسبانيا والتى تتضمن نصًا يجب بمقتضاه تسليم المطلوبين للمحاكمة أو لتنفيذ أحكام جنائية فى الدول الأطراف. وبالنظر إلى حساسية القضية، لم تتح الظروف بعد للنيابة العامة الكشف عن تفاصيل طلب تسليم حسين سالم والسند القانونى الذى يتضمنه ذلك الطلب وطبيعة الخطوات المتخذة لتجميد أرصدته وأموال شركاته فى إسبانيا وسويسرا وأى بلد آخر قد تظهر فيه تلك الأموال.
وجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى ملاحقة حسين سالم جنائيًا تستطيع الحكومة المصرية إقامة دعوى مدنية ضده لمطالبته بدفع الفارق بين الأسعار العالمية لبيع الغاز والسعر الفعلى الذى حصلت عليه الحكومة المصرية، ويمكن للحكومة المصرية أيضا فسخ عقد الامتياز لمخالفته شرط حسن النية المنصوص عليه فى ذات العقد.
■ نشرت «المصرى اليوم» مؤخرًا خبر تناول خطابات منسوبة إلى اللواء عمر سليمان الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة المصرية قدمها وزير البترول السابق سامح فهمى إلى النيابة العامة المصرية أثناء التحقيقات ومفادها أن الجهات الأمنية المعنية منحت كل الموافقات اللازمة لتصدير الغاز المصرى لإسرائيل، فما تعليقك على ذلك؟
- لا أتصور أن يقوم اللواء عمر سليمان بإعطاء هذه الموافقات من تلقاء نفسه، فكل من يعرف عمر سليمان عن قرب يوقن أن سمعته تمتاز بالنزاهة والإخلاص الوطنى. وربما كان المفهوم العسكرى الذى نشأ فى ظله عمر سليمان فرض عليه إطاعة أوامر رئيس الجمهورية فى هذا الخصوص، ولمعرفتى به طوال سنوات عديدة فإننى أؤمن بنزاهة ووطنية عمر سليمان ولا أتصور أن تكون له أى مصلحة شخصية فى تلك الصفقة. وربما هذا ما يفسر أن الخطابات المنسوب صدورها إليه كتبها بخط يده إما خشية أو خجلاً من أن يتم تسجيلها رسميًا فى سجلات الجهاز وذلك من باب الحرص على الرئيس السابق وليس تغطية على أى مصلحة شخصية لعمر سليمان نفسه، كما أعتقد أن ولاءه للرئيس السابق وشعوره بالواجب الوطنى والتزامه العسكرى لن يسمح له بالبوح بالتعليمات التى أعطاها له الرئيس السابق، رغم أنه من المصلحة القومية أن يكون هذا الأمر معروفًا للجميع، لأن أى مكاسب مادية تحصل عليها الرئيس السابق أو أفراد عائلته نتيجة صفقة الغاز لابد أن تكون معروفة للنيابة العامة لارتباطها بالتحقيق فى الذمة المالية للرئيس السابق وأسرته وأى شخص آخر انتفع من هذه الصفقة المهدرة لأموال الدولة.
إن العدوان على المال العام بغية تحقيق مصالح خاصة، أمر لا تستطيع مصر أن تتغاضى عنه بأى شكل من الأشكال، ويتعين أن تكون متابعة الشارع لهذه القضايا وفقًا للمعايير التى ينص عليها القانون المطبق على الجميع بمساواة كاملة ودون ضغوط سياسية من الرأى العام، لأن تحقيق العدالة من أسمى وأهم الأهداف التى تتطلع إليها مصر خلال المرحلة الراهنة. ولابد أن يكون الإعلام المصرى مسؤولاً فى تصويره لتطورات هذه القضايا أمام النيابة والقضاء إنصافًا لحقوق جميع الأطراف بما فى ذلك حق المتهم لأنه حق مضمون فى القانون والدستور والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان فى الإجراءات الجنائية الداخلية، وكثير من الشكاوى والقضايا التى يجرى التحقيق فيها وأحيلت إلى القضاء قد تبدو جلية فى نظر الرأى العام من ناحية استحقاق المتهمين فيها للعقاب، لكن هذه القناعة العامة لا تكفى لإدانة أى متهم أمام القضاء، فلابد لبلوغ الإدانة أن تتوافر لكل متهم الفرصة الكافية للدفاع عن نفسه. وأخيرًا، فإن ما تمر به العدالة الجنائية المصرية فى هذه الفترة الحرجة هو ما سيسطر تاريخ الثورة المصرية الحديثة وسيشهد بمدى تحول مصر إلى دولة ديمقراطية يسود فيها القانون وتحترم فيها حقوق كل إنسان بصرف النظر عن مكانته أو مدى استياء الرأى العام منه، وبقدر ما سيظهر القضاء المصرى من عدالة خلال هذه المرحلة الانتقالية بقدر ما سيرسم ذلك ملامح العدالة الجنائية فى المستقبل.
وعلى أى حال سوف أحرر مقالاً شاملاً عن ظروف وملابسات نشاط حسين سالم بالتفصيل فى أمريكا لنشره فى الإعلام، ولكن يبقى لـ«المصرى اليوم» السبق دائماً