x

شريف بسيونى: ضغط الشارع أدى لتسرع التحقيقات.. وغالبية المحاكمات ستنتهى لصالح المتهمين

الإثنين 17-10-2011 15:20 | كتب: رانيا بدوي |
تصوير : أدهم خورشيد

يجيب الدكتور محمود شريف بسيونى، عن جميع الأسئلة ببساطة شديدة، وابتسامة هادئة، لكن إجابة كل سؤال تفجر عشرات علامات الاستفهام، وتستحضر أسئلة أخرى.

ورغم شهرته العالمية ومكانته الدولية، فإن غالبية الشارع المصرى لا تعرف شريف بسيونى، أستاذ القانون الجنائى بجامعة ديبول بشيكاغو، ورئيس مجلس إدارة المعهد العالى للعلوم الجنائية بساريكوزا بإيطاليا، ورئيس الجمعية الدولية لقانون العقوبات، والمحكم الدولى.

وفى حواره مع «المصرى اليوم»، يؤكد «بسيونى» أن المؤسسة العسكرية لا تنتوى ترك السلطة التنفيذية التى هيمنت عليها لستة عقود، مشيراً إلى أن المجلس العسكرى يريد أن يضمن عدم وجود حركات ثورية تحشد ضده حال اتخاذه قراراً بترشيح أحد أبناء المؤسسة العسكرية للرئاسة.

ويكشف «بسيونى» عن مطالبته اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، وعدداً من المسؤولين، بتشكيل لجنة للتحقيق فى جرائم أمن الدولة طوال الثلاثين عاما الماضية.. ورفضهم جميعاً لهذا المقترح.

وإلى نص الحوار..

 

بداية.. هل عرفت نفسك للمواطن المصرى منذ البداية، وحتى الوصول إلى هذه المكانة الدولية؟

- ولدت فى القاهرة، وكان والدى سفيراً فى السلك الدبلوماسى المصرى، وجدى محمود بسيونى، الذى يحمل أحد شوارع وسط البلد اسمه، كان رئيساً لأول مجلس للشيوخ، وشارك فى تحرير دستور 1923، وكان قائداً لثورة 1919 فى منطقة الصعيد، وحوكم أمام محكمة عسكرية، وحكم عليه بالإعدام لدوره فى هذه الثورة. كان جدى لا يتماشى مع الإنجليز، كما كان صعب المراس مع السرايا، وكان يتطلع مبكراً لنظام جمهورى، ورغم أنه لم يكن ملكياً لكنه أصبح رئيساً لمجلس الشيوخ حتى توفى سنة 1948.

أما جدى من ناحية الأم، أحمد خطاب، فكان محامى القصر الملكى، ولما حدثت المواجهة بين الخديو وعرابى كان جدى يتحرك سراً لجمع التمويل والمساعدات لدعم عرابى، وشارك معه فى معركة التل الكبير. وأنا نشأت على هذه الروح الثورية الوطنية، ولأن والدى كان دائم السفر بسبب العمل الدبلوماسى ألحقت بالقسم الداخلى بمدرسة الجزويت، كما وفقت فى الحصول على البكالوريا بالفرنسية، ومنحتنى الحكومة الفرنسية بعثة لدراسة الحقوق، فسافرت إلى فرنسا عام 1955، وفور اندلاع حرب 56، سارعت بالعودة وانخرطت فى صفوف الفدائيين ضمن الحرس الوطنى، وكنت ضمن خريجى أول فرقة التى سميت بعد ذلك الصاعقة.

وكنت ضمن وحدة الحرس الوطنى التى تمركزت فى الكيلو 12 خارج بورسعيد. كان قوام الفرقة 70 فرداً استشهد منهم حوالى 56 فى المواجهة مع العدو، وأصبت فى الحرب وحصلت على نوط الجدارة العسكرية، وأسند لى اللواء أحمد فؤاد تدريب الفرقة الجزائرية، التى جاءت للمشاركة فى الحرب لإجادتى الفرنسية، وبعد انتهاء المعركة عدت إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، لكن سرعان ما تم إلقاء القبض على لنشاطى وسط الطلاب الجزائريين.

فى هذه الأثناء كان والدى سفيراً فى الهند، واتصل بنهرو لحل المشكلة، وكانت علاقته به حسنة، واتصل نهرو بأمين عام الأمم المتحدة حينذاك، داج همرشولد، الذى اتصل بدوره بوزير خارجية فرنسا، فأفرج عنى بعد أربعة أيام، وطردت إلى سويسرا ثم عدت إلى مصر.

ولماذا اخترت العمل فى مجال حقوق الإنسان؟

- علمت عقب العودة إلى مصر عام 1957 أننى مرشح للعمل فى رئاسة الجمهورية، ولكى يختبروا قدرتى على العمل فى الرئاسة أخضعونى لاختبار غريب وقاس، إذ عرضوا على صورة فوتوغرافية لأحد المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، طوقت جمجمته بطوق حديد أدى إلى انفجار الجمجمة.

بعد هذه الواقعة بأيام دعيت لاجتماع برئاسة كمال الدين حسين، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، الذى كان قائداً لمنطقة السويس وقت الحرب، وحدثته- قبل بداية الاجتماع - عن الصورة التى عرضوها على، وقلت له إننى أعتقد أن الرئيس عبدالناصر لا يعرف بهذا ولا يوافق عليه، وفوجئت بتدخل الضابط أحمد أنور، وكان أحد ضباط الحرس، الذى قال لى بصوت غاضب «اخرس»، فانفجرت فيه، وقبض على ووضعت فى غرفة حتى يتقرر مصيرى.

وحددت إقامتى فى شقتى بجاردن سيتى، سمروا النوافذ وقطعوا التليفون والراديو، وعرفت مبكراً معنى تقييد الحرية؟ كان عمرى وقتها 21 عاما. مارسوا معى كل أنواع التهديد، أول أسبوع كنت أتجول فى الشقة، وفى الأسبوع الثالث بقيت فى السرير، ومكثت على هذه الحالة 7 شهور، صادروا خلالها أملاكى وأملاك والدى ووالدتى. وعندما أنهوا تحديد إقامتى كنت بلا عمل وبلا جواز سفر وخاضعاً للمراقبة، ورغم ذلك التحقت بكلية حقوق القاهرة وتخرجت فيها وعملت فى القطاع الخاص وبقيت فى مصر حتى عام 1962، ثم لحقت بوالدتى، التى كانت سافرت إلى أمريكا للعلاج من السرطان، وبقيت إلى جوارها حتى توفيت.

وفى عام 1977 عينت هناك ضمن لجنة خبراء لوضع مشروع اتفاقية دولية لمنع التعذيب، وكنت أحد نواب رئيس اللجنة وحررت نصوص الاتفاقية.

هل كانت تلك المحنة وراء اهتمامك بحقوق الإنسان؟

- نعم. إلى جانب تلك التجربة عرفت أيضاً الحرب مبكراً عام 56 وكان سنى وقتها 19 سنة، وعايشت حروباً كثيرة بعد ذلك وأعرف الأحاسيس التى يشعر بها من قدر عليهم المرور بتجربة الحرب.

وهل ترى أن ثورة 25 يناير كانت انتصاراً لحقوق الإنسان فى مصر؟

- ثورة يناير، حركة عفوية بلا قيادة، وتحرك سلمى ذكرنا بالحركة السلمية التى قادها غاندى فى الهند، وحركة حقوق الإنسان التى قادها مارتن لوثر كنج فى الولايات المتحدة الأمريكية، والحركة ضد العنصرية التى قادها نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا. عظمة هذه الثورة تكمن فى كون المجتمع المدنى كله تواجد فى ميدان التحرير، المرأة مع الرجل، العامل مع رئيس العمل، الشباب مع الشيوخ، المحجبة مع غير المحجبة، لكن حلت حالة من القلق السياسى والاقتصادى العام بعد حالة الارتياح التى عمت الشارع المصرى بعد رحيل مبارك.

ما سر حالة القلق هذه؟

- عدم وجود توازن قوى فى المشهد السياسى الحالى، الأمر الذى يعطل أحلام وأهداف القوى الثورية بعد إزاحة نظام مبارك، وهو ما يوحى بأن الثورة تم اختطافها.

هناك ثلاث قوى سياسية فى مصر، على رأسها المجلس العسكرى الأكثر قوة، لأن العسكرية المصرية تتمتع بالثقة الشعبية كما أشادت بذلك منظمات أمريكية ووصفت المجلس العسكرى بالوطنية وعدم الفساد. القوة الثانية هى الإسلاميون، رغم تباين التيارات الإسلامية مثل «الإخوان، والسلفيين، والصوفيين» فى القدرات التنظيمية والخطاب الدينى الذى يلقى صدى لدى المجتمع المصرى المحافظ بطبعه. أما الفريق الثالث الذى يعد صاحب الفضل الرئيسى فى قيام الثورة، فهو تيار الجماعات الليبرالية واليسارية، الذى يعتمد بالأساس على فئة الشباب من الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة المتعلمة، لكنه يعانى من الانقسام والتشتت إلى عشرات الأحزاب والائتلافات.

وما أسباب اختلال توازن القوى فى المشهد السياسى.. وهل ساهم المجلس العسكرى فى الأمر؟

- الغموض فيما يتعلق بالعملية السياسية ثم التشتت والانقسام بين فريقى الليبراليين واليساريين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى منذ إجراء الاستفتاء مروراً بقضية الانتخابات أولا أم الدستور أولا، ثم الجدل حول المبادئ فوق الدستورية وغموض موقف المجلس العسكرى من هذه التطورات حول حالة الوحدة والتضامن التى كانت سائدة فى الأيام الأولى للثورة إلى حالة من التشكك وانعدام الثقة والتخوين المتبادل بين الفريقين، بما أوحى للبعض بأن المجلس العسكرى كان الفائز الوحيد من هذه الحالة، وأنه اتبع سياسة فرق تسد لضمان أن أحداً من القوى السياسية الناشطة حالياً على الساحة لن يكون قادراً على تحدى سيطرته السياسية.

البعض يرى أن المجلس العسكرى فقد جزءاً من ثقة الشارع فيه جراء عدد من الممارسات.. هل تتفق مع هذا الرأى؟

- استمرار المحاكمات العسكرية، ورفض انتقاد المجلس إعلاميا، واستمرار الغموض بشأن المرحلة الانتقالية، والكثير من الخطوات التى اتخذها المجلس العسكرى، لاسيما اتهامه لحركة 6 أبريل بإفساد العلاقة بين الجيش والشعب كلها أمور وترت العلاقة مع الشباب، ورغم أن المجلس العسكرى التزم بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة لكنه على الأرجح لن يترك السلطة التنفيذية التى هيمن عليها لستة عقود أن تنسل من يده أو يتم تغيير النظام القائم منذ ثورة يوليو 52 وهو ما يزيد من إحباط الشباب، وفى تقديرى فإن المجلس العسكرى يعتبر نفسه الضامن الرئيسى للاستقرار فى مصر وفى الأغلب لا يملك الثقة فى قدرة العملية الديمقراطية على إفراز قيادة سياسية موثوق فيها وقادرة على حفظ النظام فى مصر، ولهذا فهو حريص على ألا تقوى شوكة أى قوة سياسية على الساحة لتهديد هيمنته السياسية على الأوضاع، ولهذا يستهدف القوى الأكثر تهديداً أو اعتراضاً على استمرار هيمنته على الحكومة، وخصوصا أنه إذا انتوى ترشيح أحد أعضاء المؤسسة العسكرية للرئاسة، فيجب أن يضمن ألا تقف فى طريقه جماعات مثل 6 أبريل.

كيف تقيّم طريقة إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية؟

- تقديرى أنه لا توجد جهة فى مصر عندها نظرة مستقبلية، فمصر حاليا «معصوبة العينين»، الكل غارق فى تكتيكات، ربما لقلة الخبرة السياسية أو لتحقيق أغراض معينة.

نحن بلد عدد سكانه وصل إلى 84 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى أكثر من 120 مليوناً فى الـ20 عاماً المقبلة، ونصف السكان تحت سن الـ30 وبينهم 60% يعانون من البطالة- أى أنه لدينا أكثر من 20 مليوناً على حافة الجوع- ومهددون بعد الثورة بالنزول إلى القاع.

أريد أن يقول لى أحد كيف يتم التفكير على الأقل فى الـ6 أشهر المقبلة. لا أحد ينظر إلى الحالة الاقتصادية، رغم أن احتياطى العملة الصعبة هبط من 39 ملياراً إلى 27 ملياراً، وقيمة الجنيه فى هبوط والتضخم فى ارتفاع. ماذا نفعل؟ كلنا معترفون بأن هناك انفلاتاً أمنياً، إلى متى نستطيع الاحتمال وشبح نزول 2 مليون يعيشون تحت خط الفقر إلى الشوارع ليكسروا ويدمروا يلوح فى الأفق. إلى متى ننتظر ثورة جياع. نحن نحتاج إلى حزمة مشاريع تعيد البنية الأساسية للبلد وتهيئه للانطلاق، ونحتاج لأن تكون لدينا خطة اقتصادية نوفر عبرها فرصاً لتشغيل 10 ملايين شخص.

وكيف ترى مستقبل حقوق الإنسان فى مصر بعد الثورة؟

- مصر لن تستطيع الوقوف على قدميها إلا إذا عرفت الاهتمام بكرامة المواطن. إسرائيل فقدت فى حرب 73 إحدى غواصاتها قرب شواطئ الإسكندرية وظلت تبحث طوال 30 سنة عن رفات 3 من بحارة تلك الغواصة. عندما تكون للفرد قيمة تكون للدولة أيضاً قيمة.

هل تعتقد أن حل جهاز أمن الدولة خطوة كافية من وجهة نظر حقوقية؟

- كلنا نعرف أن جهاز أمن الدولة طوال الـ30 عاماً الماضية كان يمارس التعذيب، لذلك يجب أن يتم التحقيق وتقصى ذلك عبر لجنة تحقيق مصرية، مجرد محاكمة بعض المسؤولين لن يعطى صورة كاملة عما كان يحدث، يجب أن يجرى تحقيق شامل يتقصى ما جرى طوال السنوات الماضية.

هل تحدثت فى هذا مع اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، عندما التقيته مؤخراً؟

- فاتحت الكثير من المسؤولين الذين التقيتهم فى الأمر، ولم أتلق رد فعل واضحاً. هناك ترابط وتشابك مصالح اعتمدت على وسائل الدولة وأجهزتها، فى المجلس التشريعى وفى الجهاز التنفيذى، وحتى القضاء كان يتم التلاعب به. حالة التعذيب الوحيدة التى تم التحقيق فيها كانت عندما كان المستشار عبدالعزيز الجندى نائباً عاماً، حيث أحال 35 ضابطاً للتحقيق لتورطهم فى قضايا تعذيب، ولم يحدث شىء ذو شأن بعد ذلك.

ما تقييمك للجنة تقصى الحقائق، التى شكلت بعد الثورة، للوقوف على ما حدث فى تلك الأيام؟

- اللجنة عملت لفترة قصيرة وكان هدفها مؤقتاً، ولا يمكن للجنة كهذه مع قصر مدة عملها وضعف الإمكانيات المتاحة لها أن تخرج بنتائج، أى أن دور اللجنة كان مجرد دور سياسى لا أكثر.

أنت الآن رئيس لجنة تقصى الحقائق حول ما حدث فى ليبيا والبحرين.. ألم يطلب منك تقصى الحقائق فى الأحداث التى واكبت ثورة 25 يناير فى مصر؟

- لا.. إطلاقاً.

وما تقييمك للجدل السياسى الدائر فى المجتمع الآن حول الانتخابات والدوائر الانتخابية والدستور وغيرها؟

- علينا أن نتوقف عن الجدال، وخلق حوار حقيقى، ما تم حتى الآن مجرد حوار مصالح بين قوى سياسية تتطلع للوصول إلى الحكم، فمثلاً نتكلم عن لجنة لوضع الدستور كل الكلام حول كيفية اختيار أعضاء اللجنة، ولا أحد يتكلم عن صميم الموضوع، وهو نوع النظام، هل هو رئاسى، أم برلمانى. وهذا ينطبق على كل الموضوعات لا أحد يتحدث عن الموضوعات المهمة فى البلد.

هل أنت مع أم ضد المبادئ الحاكمة للدستور؟

- لا أعتقد أن هذه المبادئ التى يجرى الكلام عنها كافية وحدها، كما أن الخبرة المصرية فى الديمقراطية غير كافية، نحن نحتاج إلى ممارسة. فى معظم الدول الديمقراطية فى أمريكا وأوروبا الذى يجرى العملية الانتخابية موظف، ونحن نحتاج إلى قاض وضابط، لأننا لا نضمن أن يجرى الموظف العملية بشكل سليم، وهذا معناه أننا بحاجة إلى وقت للوصول إلى الصيغة المناسبة وهذا يحتاج إلى وقت. أمريكا مثلا بعد 250 سنة ديمقراطية «لسه ماعندهاش ديمقراطية»، ونحن نحتاج إلى فترة طويلة لنصل إلى ممارسة ديمقراطية سليمة.

كنت رئيساً للجنة صياغة الاتفاقية الدولية للمحكمة الجنائية.. ما كواليس نشأة هذه المحكمة؟

- كنت أستاذاً فى الجامعة، وكنت أعمل مع الأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان، فى عام 1992، وعيننى مجلس الأمن رئيساً للجنة تقصى الحقائق فى جرائم الحرب التى جرت فى يوغسلافيا السابقة، ولمدة عامين قمت بجمع الأدلة التى دفعت مجلس الأمن إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجرائم الحرب اليوغسلافية، وكنت أول من حقق عبر التاريخ فى جرائم الاغتصاب أثناء الحرب، وكشفت عن أكثر من 4200 حالة اغتصاب. جمعنا أدلة هائلة واكتشفنا 151 مقبرة جماعية و200 ألف قتيل وأثبتنا سياسة التطهير العرقى هناك.

وكيف تعاملت الدول الكبرى مع هذه التقارير؟

- لم تكن إنجلترا وفرنسا متحمستين للجنة تقصى الحقائق ولا للمحكمة الدولية، لأنهما كانتا تتفاوضان بشكل منفرد مع صربيا وكرواتيا على السلام، ربما لأن الدولتين لا تريدان تعريض قواتهما فى قوات حفظ السلام هناك للخطر (30 ألف جندى من إنجلترا وفرنسا) والضحايا كانوا من البوسنة والهرسك. والتقرير الذى كتبته بخصوص تلك الانتهاكات هناك كان أكبر تقرير فى تاريخ مجلس الأمن، 3500 صفحة ومرفق به 72 ألف وثيقة و3 آلاف صورة و300 ساعة فيديو، وكان هو الأساس الذى قامت عليه المحكمة.

وعلى غرار النظام الأساسى لمحكمة يوغسلافيا كوّن مجلس الأمن محكمة خاصة لجرائم الحرب فى رواندا عام 94، بعد ذلك اتجهت الجمعية العام للأمم المتحدة لإنشاء محكمة جنائية دولية، ورشحتنى مصر للجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة، وانتخبت رئيسا لهذه اللجنة، وتوقفت اللجنة بعد سنتين، وتكونت لجنة أخرى مثلت مصر فيها وانتخبت نائباً لرئاستها، وعندما انعقد المؤتمر الدبلوماسى لوضع النظام الأساسى انتخبت بالإجماع رئيساً للجنة الصياغة للاتفاقية الدولية للمحكمة.

لماذا لم تنضم مصر لهذه المحكمة؟

- كان هناك اعتراض من وزارة الداخلية خوفاً من كشف عمليات التعذيب، ومن جهة سيادية أخرى خوفاً من القيود التى كانت موجودة فى تعريف جرائم الحرب، وبعد الانتهاء من تحرير الاتفاقية تكونت لجنة فى مصر عام 98 بعضوية مندوبين من الوزارات المختلفة، وكان للوزارات السيادية بعض الاعتراضات، وحاولت إقناع الرئيس السابق مبارك، وبعض المسؤولين فى الوزارات المختلفة، لكن الأمريكان ضغطوا على مصر حتى لا تنضم للاتفاقية وقبل مبارك هذا الضغط، ثم ضغط الأمريكان لتوقيع اتفاقات ثنائية بعدم تسليم مجرمى الحرب للمحكمة الجنائية الدولية، ووقع حسنى مبارك على اتفاقية سرية بين مصر وأمريكا فى هذا الشأن.

هل يمكن تقديم الرئيس السابق مبارك للمحكمة الجنائية الدولية؟

- نعم، ولا. المحكمة الجنائية الدولية تعمل وفق اتفاقية فيها دول أطراف، ومصر ليست دولة طرف، ولكى تكون دولة طرفاً لابد من أن تنضم للاتفاقية. لكن ممكن لمصر أن تقدم مبارك للمحكمة الجنائية الدولية كدولة غير طرف بأن تنضم لفترة محددة، فى هذه الحالة لابد أن تكون الجرائم المنسوبة للأشخاص جرائم داخلة فى اختصاص المحكمة، ومن ضمنها الجرائم ضد الإنسانية، ومنها جرائم التعذيب، شرط أن تكون الجرائم وقعت بدءاً من عام 2000 عام سريان الاتفاقية.

وكيف تتقدم مصر بطلب العضوية المؤقتة، وهل هذا ممكن أثناء المرحلة الانتقالية مع عدم وجود رئيس للجمهورية؟

- نعم ممكن، ولكن لابد أن يكون ذلك بطلب من الحكومة المصرية نفسها، وليس من المجلس العسكرى، فهو لا يمكنه ذلك، لأنه يفتقد للشرعية الدولية، هو يعمل بحكم الواقع السياسى فقط.

كيف تقرأ إجراءات محاكمة النظام السابق فى مصر؟

- فى رأيى كان هناك ضغط شعبى أدى إلى التسرع فى التحقيق، ولم تأخذ التحقيقات زمنها الكافى للتحقق من الأدلة، لذلك سوف تنتهى أغلب هذه المحاكمات لصالح المتهمين، ويمكن أن تنتهى بالبراءة، أيضاً هذا الخلط فى المحاكمات بين جرائم الفساد والقتل خطأ.

هل ترى أن هذا الخلط كان مقصوداً؟

- احتمال وارد. ولكننا تعودنا فى مصر على البحث عن المؤامرة فى كل شىء، لذا نتشكك دائماً فى أى إجراء، والمواطن المصرى لا يطمئن إلى أى تدابير أو إجراءات لأنه تعود أن أجهزة الدولة كان يتم استخدامها لمصالح شخصية وضد المصلحة الوطنية.

والإجراءات غير السليمة والضغط الشعبى سيدفعان القضاة، إما إلى تسييس الأحكام لإرضاء الرأى العام بالمخالفة للإجراءات القانونية، وهذا خطر كبير لأنه يهدد استقلال القضاء مستقبلا، ويمكن استخدامه مرة ثانية بنفس المنطق فى المستقبل، أو إصدار الحكم بالبراءة نتيجة التعجل فى التحقيق، وهو أيضا يهدد بخطر كبير ورفض من الرأى العام

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية