x

عبد المنعم سعيد قانون الأعداد الكبيرة عبد المنعم سعيد السبت 16-09-2017 21:24


وصلت إلى الولايات المتحدة بينما بدأ العد التنازلى للحظة الصدام بين «إعصار هارفى» والشاطئ الأمريكى عند مدينة جالفستون بولاية تكساس على خليج المكسيك. المدينة لا تبعد كثيرا عن مدينة هيوستون المشهورة أولا بأنها المدينة التى تضم مؤسسة «ناسا» لصناعات الفضاء، وربما يوجد فيها أكبر المدن الطبية فى الدولة كلها، خاصة تلك المتعلقة بأمراض السرطان. ورغم أن محطتى هذه المرة كانت لمدينة بوسطن فى الشمال الشرقى بغرض التدريس، وتبعد آلاف الأميال عن واقعة الصدام فى الجنوب الشرقى أيضا، إلا أن دراما الطبيعة، وما ولدته على مدار الساعات والدقائق والثوانى من أخبار ومتابعات وصور جعلنى لا أكف عن المتابعة بقدر غير قليل من اللهفة والقلق على أهل ومعارف وأطباء. وفى العادة فإن ما يروع فى الأعاصير هو توقع ما سوف يأتى بعدها من مشاهدة آثار الدمار، وتعداد الضحايا، وفى أحيان فإن الحالة النفسية تكون مضاعفة عندما يتلو إعصار إعصارا آخر، كان هذه المرة باسم «إرما»، والصدمة سوف تكون فى الطرف الجنوبى لولاية فلوريدا التى هى شبه جزيرة ممتدة إلى داخل المحيط الأطلنطى، ومن ثم فقد بات يقينا أن المياه سوف تغمرها من الشط إلى الشط الآخر فى الناحية الأخرى من البر.

لم يكن فى حياتى معرفة مباشرة بالأعاصير اللهم إلا من مرة وحيدة حينما كان على «إعصار ساندى» منذ سنوات أن يضرب سواحل الشمال الشرقى مع نقطة الصدام الرئيسية فى مدينة نيويورك، ولكن بعضا من تبعاته وصلت إلى بوسطن. كانت التحذيرات قد توالت من قبل بكل الوسائل المرئية والمسموعة والاتصالية المباشرة وفيها وقت الصدمة بدقة مثيرة، مع طلبات بالثبات وعدم الذعر، وتجنب الخروج إلى الشارع أو استخدام السيارة حتى تبقى الشوارع مفتوحة لوسائل الإسعاف والإنقاذ. نفذنا أنا وزوجتى التعليمات بحذافيرها مع الأدعية المناسبة لمقتضى الحال، وعندما جاءت اللحظة المرتقبة بدا وكأن الكون قد توقف عن الدوران، ومرت بعد فترة لم تكن طويلة. المتابعة أشارت إلى أن الخسائر الكبرى كانت فى نيويورك ونيوجيرسى وكنيتيكيت، أما مساشوستيس حيث توجد بوسطن فلم يصبها إلا القليل. كانت شجرة وحيدة أمام منزلنا قد انكسرت وسقطت على الطريق لكى تعطينا قدرا مباشرا من العلم عن تلك القوة القاهرة التى تكسر شجرة كبيرة الجذع، باسقة الارتفاع. لم يكن فى ذلك خسارة كبرى، ولكن الصور حملت إلى الذهن ما جرى من دمار فى مناطق أخرى أعاد ذكريات «إعصار كاترينا» الذى عصف بمدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا فدمرها تدميرا، وكنا أيضا فى أمريكا فى ذلك الوقت.

«الإعصار» أو «الهيروكين» وأحيانا يقال عنه «سيكلون» أو «تيفون» مع بعض الفروق بينها، إلا أنه يجمعها أن نقطة البداية فيها تكون فى المنطقة الاستوائية من محيط، فى الحالة المشار إليها هو الأطلنطى، حيث ترتفع حرارة المياه فى نهاية الصيف فتصعد المياه الساخنة إلى السطح فتحتك بالهواء فتبرد فتعود مرة أخرى إلى المحيط. هذه الحركة من السخونة إلى البرودة تولد دوامة سريعة تصاحبها رياح عنيفة تدور بقوة لا تلبث أن تصبح أيضا محملة بالأمطار الثقيلة، وهكذا فإن الأمواج الكبرى والرياح والمطر وبسرعات كبيرة تجمع قوة هائلة تنجذب إلى الشواطئ فتجتاحها كانسة كل ما يقف أمامها من مبان ومنشآت. ما جرى فى إعصارى «هارفى» و«إرما» أن عمليات الاستعداد والتحذير والتخطيط المسبق نجحت بحيث كانت الخسائر فى الأرواح عند حدها الأدنى، ولكن الكهرباء انقطعت عن ملايين، ومعها مصانع ومنشآت باتت فى حاجة إلى إصلاح أو إعادة البناء.

كان واضحا أن الولايات المتحدة تتعلم، فالفارق كان كبيرا منذ إعصار كاترينا حتى الأعاصير الحالية، ومن يرِد أن يتعلم عن دور الإنسان وصموده وشجاعته وتفاؤله فى القدرة على البناء مرة أخرى فعليه أن يقرأ ما كتبه الزميل العزيز محمد أمين عن الموضوع. وما أضيفه هنا نقطتان: أولاهما التنظيم القائم على اللامركزية الفيدرالية التى تتكاتف فيها الولايات ساعة الإعصار فى نجدة ومعاونة الولايات المصابة فى جانبى الأمن وإعادة البناء. وثانيتهما نظام التأمين المحكم الذى تقوم فيه شركات التأمين التى تؤمن فيها العائلات على منازلها وسياراتها وممتلكاتها الأخرى بتوفير التمويل اللازم لإعادة البناء فورا. هذه الشركات تواجه حقيقة صعبة، وهى أن عليها أن تدفع مليارات من الدولارات، ولكنها هى الأخرى تقوم بما يسمى إعادة التأمين لدى شركات تأمين متخصصة فيأتيها تمويل ساعة الكوارث، بالإضافة لما هو لديها من تأمين يضعه مواطنون فى ولايات أخرى لم يصبها الإعصار.

النتيجة هى أن مواجهة الإعصار وآثاره لا يضيف هما ثقيلا على الحكومة الفيدرالية، وأكثر من ذلك فإن شركات البناء والسيارات والأجهزة المنزلية وتمهيد الطرق ترتفع أسعار أسهمها فى البورصة لأنها سوف تدخل فورا إلى الاستثمار ليس لكى تعود المدن إلى ما كانت عليه، أو لكى تعود الشواطئ إلى السائحين كما عرفوها، وإنما لكى يكون الحال أفضل بكثير مما كان. لم تصبح المصيبة مصيبة وإنما فرصة لبناء ما هو أجمل وأفضل وأكثر أمانا وانتعاشا اقتصاديا. ما يفعل ذلك هو قانون الأعداد الكبيرة التى تدفع تأمينا تقريبا على كل شىء، فتتحول الكوارث إلى فرص عظمى. ترى ماذا يحدث لدينا وكيف حال شركات التأمين، وهل تقوم بتطبيق قانون الأعداد الكبيرة على الشعب المصرى؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية