وسط حشود أهالى قرية ناهيا احتفالا بعودته بعد سجن ثلاثين عاماً لإدانته فى قضية اغتيال الرئيس السادات، التقت «المصرى اليوم» الدكتور طارق الزمر، الذى أكد، فى أول حوار له عقب خروجه، أن الجماعة الإسلامية لن تدخل فى أى حوارات مع قوى وطنية قبل إعادة هيكلة وتشكيل التنظيم المطارد طيلة هذه الفترة، وأنها سوف تدعو إلى إقامة جمعية عمومية يتشكل من خلالها مجلس شورى يختار مجلساً تنفيذياً يدير «الجماعة».
وقال إنه نال حظا كبيراً من التعذيب أثناء التحقيقات، وأضاف أن الجماعة قبلت الوساطة إزاء وقف العنف والمقاومة المسلحة إلا أن الدولة كانت ترفض فى كل مرة، مؤكداً أن مشروع الدولة الإسلامية مازال قائماً إلا أنه كانت تثار قضايا مفتعلة ضد الجماعة الإسلامية، وأكد أنه لابد من الاحتكام إلى صندوق الانتخابات والديمقراطية.
■دخلت السجن وأنت فى سن الثانية والعشرين والآن أنت فى الثانية والخمسين، ومر خلال هذه الفتره الكثير من الأحداث السياسية والدينية والعربية والعالمية والمحلية فضلاً عن أحداث ما بعد الثورة، والأحداث الخاصة بالأسرة.. كيف تعاملت مع هذه الفترة؟
- التعامل مع قضية السجن بشكل عام هو إحدى المآسى الإنسانية، إلا أن التعامل معها كصاحب عقيدة وقضية يعتبر صورة من صور المتع الإنسانية، بمعنى أن صاحب القضية، خاصة محنة الأسر كنا نتعامل معها بتلذذ شديد، لأننا نعلم أننا كنا ندافع عن قضية وأن كل من يبذل فى سبيل هذه القضية يعلم أنه على حق، وكل من يبتلى من أجلها يزداد إصراراً ودفاعاً عنها وهذه خاصة بالثلاثين سنة، بالإضافة إلى أن صاحب القضية يكون ذهنه متصلاً بكل ما يتعلق بقضيته والبحث عن كل ما هو متعلق بها ويثريها ويدافع عنها، ولهذا فإن الأعوام الماضية مرت بهذا الشكل فى الدفاع عن القضية ومتابعة تطوراتها على المستوى العربى والدولى والإقليمى والبحث عن كل وسائل المساندة لهذه القضية والمساهمة فى إحيائها.
■قلت إنك خدمت قضية الإسلام؟
- قال مقاطعاً: سعيت إلى خدمتها.
■ما الخدمة التى سعيت لتقديمها إلى الإسلام، خاصة أن مقتل السادات كان من أجل إقامة الدوله الإسلامية، التى لم تقم بمقتله.. ما تقديرك؟
- مقتل السادات جاء فى سياق خروج السادات على كل الخطوط الحمراء، بداية من اتفاقية السلام مع إسرائيل، ثم هجومه ومحاصرته واعتقاله لكل قوى المعارضة، لأنها عارضت هذا التوجه، وخروجه على كل الخطوط الحمراء فى النواحى السياسية، وكانت طبيعة الشباب الموجود وقتها تبحث عن مجال ومناخ للدعوة، فوجد أن السادات أغلق كل طرق الحوار فكان التفكير فى الاغتيال ليس مقتصراً على الجماعة الإسلامية، أو تنظيم الجهاد فحسب، بل كان تفكيراً سائداً فى كل الشارع المصرى.
■قبل 1997 هل كانت هناك مبادرة لوقف العنف؟
- نعم كانت هناك مبادرات، ففى 1987 تدخل الشيخ الشعراوى عن طريق الوالد الحاج عبدالموجود فى هذا الأمر، وقبلنا هذه الوساطة لكن الحكومة رفضت وكانت هذه مبادرة لإيجاد صيغة للتعايش ووقف العنف من الشيخ الشعراوى إلا أن الحكومة رفضتها.
■هل مازلتم، حتى اللحظة، تحلمون بدولة دينية بالشكل الذى كنتم تتمنونه، أم من الممكن أن تقبلوا بدولة مدنية بمرجعية دينية.. وما تصوركم لشكل الدولة بعد الثلاثين عاماً التى قضيتموها فى السجن بسبب عزمكم إقامة الدولة الإسلامية؟
- مشروع الدولة الإسلامية مازال قائماً ولم يتغير فمازلت أحلم بهذه الدولة على غرار دولة الخلفاء الراشدين العادلة، فى ظل كل التغيرات التى حدثت سواء فى ظل العمل المسلح أو تركه ويبقى المشروع الثابت هو العمل على إقامتها وفى رسالة دكتوراه ناقشتها 2007، تحدثت فيها عن وجوب إقامة الدولة الإسلامية، لكن المشكله ما هو شكل الدولة الإسلامية وطبيعتها فى الداخل والخارج ونحن نرى أن هذا النموذج هو أرقى من الليبرالى والديمقراطى وإذا كانوا يرون أن الليبرالية عقيدة تؤسس دولة فإن الإسلام يقيم دولة أكبر وأقوى من الدولة الشيوعية وأقوى من الدولة الليبرالية، وفى رسالة الدكتوراة الخاصة بى ناقشت بمقارنة تفصيلية نموذج الدولة الدينية ونموذج الدولة الليبرالية، الذى يعبر عن عقيدة تحررية ذات طبيعة مادية بحتة. فهى ليست حركة إصلاحية كما يدّعى البعض، وفى الوقت نفسه فإن الدولة الدينية تعترف بالآخر وهى أول دولة فى تاريخ النظم الدبلوماسية تعترف بالآخر وتقر له حقوقاً تلزم الدولة وتحاسبها عليه.
■كيف ستعامل الدولة الإسلامية الأقباط وأصحاب الديانات الأخرى؟
- بعض الأقباط قالوا إن الإسلام أعطاهم أكثر مما أعطاهم القانونى المصرى، والمثال فى قضايا التطليق بأمر الكنيسة الذى حرمهم منها القانون، فى حين أباحتها لهم الشريعة الإسلامية «دعوهم وما يدينون»، لهم حق فى هذا الإطار، وقضايا أخرى كثيرة، أن يحكموا عقيدتهم دون تدخل الدولة.
■هل كان التعذيب أثناء فترة التحقيقات فقط ولم يمارس ضدكم فيما بعد؟
- قبل التسعينيات كان التعذيب لأنتزاع المعلومات أما فى فترة الستعينيات فقد كان التعذيب والانتهاكات بجميع أشكالهما بهدف القتل المعنوى وتدميرنا من الداخل.
■ألم تكن طرفا فيه؟
- كنا نشاهد، فضلا عن أننا كنا معنيين بهذا التعذيب، كانوا يأتون بالشاب بعد تحطيم عموده الفقرى أو فقئت عيناه ويقولون: «شوفوا تلاميذكو بيتعمل فيهم إيه؟!» وكان المقصود هو كسر شوكتنا وأن نقول «والله تبنا»، ونعلن بيعتنا للنظام البائد.
■تحدثت عن الضغوط الأمنية، فعلى الجانب الآخر هل كانت هناك ضغوط أسرية بمعنى أن الأسرة تطلب منك أن تكتفى بما قضيته من جهاد وكفاح من سجن ثلاثين عاماً؟
- أذكر لك موقفا تحدث فيه بعض الإخوة بكلمات كان يفهم منها أن بها تأييداً للنظام الحاكم، قالت لى والدتى: «أن تموت فى السجن أحسن ما تقول الكلام ده»، القانون كان يسمح لى بزيارة المنزل مرة أو مرتين، إلا أنه لم يحدث عمدا للتضييق علينا.
■كانت هناك تصريحات لبعض قيادات الجماعة بأن ثورة 25 يناير علمانية، وأنكم تريدون إعطاءها الشكل الإسلامى.. فكيف ترى الثورة؟
- أنا أرى أنها ثوره شعبية صادقة، وهى من أفضل الثورات التى شهدتها مصر بل شهدها العالم وأنها من الممكن أن تغير وجه الحياة وتغير مصر فى المستقبل وتضعها على خارطة المنطقة والنظام الدولى بشكل غير مسبوق، بمعنى أن تصبح مصر دولة إقليمية كبرى ثم تكون لها مكانة دولية كبرى فى السنوات المقبلة، إذا تم استغلالها بحق لأننى أرى أن الشعب المصرى يستحق وضعية أفضل بكثير من التى كان يصر عليها النظام السابق.
■الثوار يرفضون الدولة الدينية ويطالبون بدولة مدنية، الشعب فيها هو مصدر السلطات وهذا ما يتنافى مع ما طرحته الآن.. ما تعليقك؟
- من أهم نتائج الثورة وأفضل نتائجها أنها ستعيد دولة القانون والحريات، وأن الأغلبية هى التى ستحكم، فإذا اختار الشعب من يحكمه بمنهج الإسلام فلا نستطيع أن نقول «الصندوق كذاب» أو «الديمقراطية خداعة» كما يقول البعض، لذا فإن هذا التوجه هو توجه إقصائى سيعيد مصر إلى ما كانت عليه قبل الثورة وسيضع مصر فى ديكتاتورية جديدة أسوأ من السابقة لأنه من الطبيعى طالما احتكمنا إلى الصندوق والديمقراطية فينبغى أن نسلم بنتائجها، ودون ذلك سوف لا يكون هناك فرق بين نظام مبارك وما بعد نظام مبارك.
■ما موقفكم حال صعود العلمانيين.. وهل ستقبلون ذلك فى حال صعودكم الافتراضى للسلطة؟
- أذكر فى ذلك تجربة الجزائر 1991، عندما نجح الإسلاميون بنسبة 85% من البرلمان.. انتفض العالم كله بحجة أن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة فلن يتركوها، فى حين أن العلمانيين يحكمون منذ 50 سنه فى المنطقة ولا يتركون السلطة.. فلماذا لم ينتفض الغرب لاستئثار العلمانيين بالسلطة لمدة نصف قرن كاملة؟! وفى النهاية تنتصر الدبابة ويسحق صندوق الانتخابات، وتتدخل فرنسا، وألغيت نتائج الانتخابات، وكانت الجزائر بالشكل الذى نراه الآن حتى هذه اللحظة.
■نفهم من كلامكم أنكم ستسمحون للعلمانيين إذا أتوا عن طريق انتخابات نزيهة حال وصولكم الافتراضى للسلطة؟
- إذا سمح للإسلاميين بالوصول للسلطة فهذا أمر «سنفكر فيه بعدين».
■ولكنك ذكرت أن لديكم مشروعاً كاملاً لإقامة دوله إسلامية.. ما تصوركم لهذه النقطة تحديداً؟
- إذا سمح دوليا، فسيكون محل تقدير وقتها.