x

أزمة المساواة بين المرأة والرجل فى الميراث مستمرة

الإثنين 21-08-2017 18:52 | كتب: أحمد البحيري, غادة محمد الشريف |
احتفالات العيد الوطنى للمرأة فى تونس احتفالات العيد الوطنى للمرأة فى تونس تصوير : اخبار

أثار إصرار الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى على الاستمرار قدماً فى إصدار قانون يساوى بين المرأة والرجل فى الميراث، الغضب الشديد فى أوساط علماء ورجال الدين الذين أعلنوا تأييدهم بقوة للبيان الذى أصدره الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، للرد على الرئيس التونسى وتأكيده أن «المواريث» من النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة والتى لا تقبل الاجتهاد.

وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إن فتنة المزايدة بالمرأة ظهرت منذ عقود من الزمان يخطط لها فى بعض دول شمال أفريقيا «تونس والمغرب» بالإضافة إلى جمعيات ومنظمات نسائية فى مصر قرابة نصف قرن أو يزيد وجمعية أخرى بماليزيا ولها تواصل مع هذه الجمعيات.

وأضاف «كريمة» لـ«المصرى اليوم»: «والغرض كله تطويع الشريعة الإسلامية للأهواء ولو على حساب الإسلام نفسه وباستقراء فى غايات من هؤلاء اتضح للأسف العدوان الأثيم على ذاتية الشريعة الإسلامية، ولا يمكن لهؤلاء المساس بأحكام ورؤى عند أهل الكتاب».

وتابع: «ولتفويت المزايدات والافتراءات للذين لا يقيمون للاستقرار المجتمعى وزناً، ينبغى العلم أن هناك فروقاً بين القطعى والظنى فى الأحكام الشرعية، فالقطعى الورود والدلالة ثوابت الإسلام وتسمى المعلوم من الدين بالضرورة لا تقبل أى تغيير أو تبديل أو اجتهاد، فهى مسلمات شرعية لا تقل قوة عن مسلمات عقلية هكذا فى شتى الأزمنة والأمكنة وما يتصل بالمواريث فهى من هذا الجانب ثوابت ومقادير ومقدرات قال الله عنها «يوصيكم» و«وصية من الله» و«فريضة من الله» و«تلك حدود الله» وحسم النبى أمور المواريث بقوله (إن الله تعالى أعطى لكل ذى حق حقه)».

وأشار إلى «الادعاءات» مؤكدا أن للذكر مثل حظ الأنثيين فى 4 حالات من 30 حالة فى المواريث، فمسألة أن الأنثى ترث نصف الذكر فى حالات البنت مع الابن، والأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق، والأخت لأب مع الأخ لأب، وبنت الابن مع ابن الابن، أما ما عدا هذه الحالات الأربع فالأنثى تساوى الذكر بأحوال الإخوة والأخوات لأم، والأب والأم إذا كان للميت فرع وارث مذكر، وهناك حالات ترث الأنثى فيها أكثر من الذكر مثل البنتين، والأختين الشقيقتين، والأختين لأب، وبنتى الابن عند الانفراط.

أحمد كريمة - صورة أرشيفية

وواصل: أما تزويج المسلمة بغير المسلم فهذا لا يجوز شرعا ويخالف صراحة الشريعة الإسلامية لقول الله تعالى «ولاتنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» وقوله تعالى أيضا «ولاتمسكوا بعصم الكوافر» وفى التطبيق العملى فإن النبى صلى الله عليه وسلم فرق بين ابنته السيدة زينب، رضى الله عنها، وبين زوجها الذى كان مشركا إلى أن أسلم هذا الرجل فجمع بينهما مرة أخرى، ثم نقول لهؤلاء هل من المقبول أو المعقول لو تزوجت المسلمة بغير المسلم أن تشاركه فى تعظيم شعائر غير الإسلام أو تفعل ما حرم الله فى شريعتنا، مثل أكل لحوم الخنازير وشرب الخمور».

وأضاف: «هذه الثوابت بالنص الشرعى المقدس، وإننا فى الأزهر حراس على ثوابت الإسلام ولن نقبل أى مساس بهذه الثوابت».

وقال الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر: مطالب المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث «عبث» لأن الله سبحانه وتعالى، قال لنبيه الكريم «قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى» وكلام الله تعالى لا يلحقه تبديل أو تغيير إلى أن تقوم الساعة، ومسألة المساواة بين الرجل والمرأة من الممكن أن تكون فى الحقوق والواجبات، مؤكدًا أن المرأة لها حقوق عند زوجها ولزوجها حقوق عليها، كما قال الله «وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم»، وقال تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا».

وأشار «الأطرش» إلى أن المساواة بين الرجل والمرأة يطبقها الإسلام فعلاً فى الحقوق وحصولها على حقها فى المواريث، كما حدد الله «ولا يوجد دين سماوى كرم المرأة كما كرمها الإسلام»، مؤكدا أن من يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة فى المواريث فى حين أن الله يقول «يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين»، فهم يعترضون على حكم الله وعلى قضائه وهذا لا يجوز، لأن العلم الوحيد الذى لا يوجد فيه خلاف ولا اجتهاد بين الفقهاء هو علم المواريث أنزله الله، فلا يجوز فيه أى تحريف أو تغيير أو تبديل، مضيفًا أن الله وضح أحكام المواريث مفصلة فى سورة النساء ولا أحد يملك أن يغير حرفًا واحدًا، لأن الذى فرضها هو أعلم بما فى قلوب العباد.

المصري اليوم تحاور«الدكتور هدى بدران »،رئيس الاتحاد النسائى المصرى - صورة أرشيفية

وقالت هدى بدران، رئيس اتحاد نساء مصر والنسائى العربى، إن خروج شيخ الأزهر بيبان فى ساعة متأخرة للتعقيب على الجدل الدائر عقب الدعوة التى أطلقها الرئيس التونسى فى أحد المؤتمرات حينما خاطب الحضور بضرورة البحث عن حل قانونى أو شرعى يمكن من خلاله مساواة المرأة بالرجل فى الميراث- يؤكد أن الأزهر يخشى تكرار ما حدث فى تونس فى مصر.

وأضافت لـ«المصرى اليوم»: «جادلت مؤخرا أحد شيوخ الأزهر ودار الإفتاء فى قضية الميراث، وتناقشت معه حول عدم الاجتهاد فى النص القرآنى، خاصة أن هناك مبادئ معينة فى الشرع لا يتم تطبيقها مثل قطع يد السارق، مطالبة إياه بضرورة الاجتهاد لمواكبة العصر، ولماذا لا نطبق ذلك فى المواريث، فكانت إجابته أن أصل المواريث يعتمد على مبدأين، فى أن نصيب الذكر ضعف الأنثى نظرا لأن الرجل هو العائل لأسرة، والمبدأ الثانى الحفاظ على صلة الأرحام».

وتابعت: «وكان ردى عليه أن أغلب الأسر المصرية بل ثلثها تعولها الآن امرأة، وحتى لو كان الرجل يسهم فى الإنفاق، فالمرأة أيضا تسهم، خاصة إذا كان لها دخل وعمل، وبالنسبة لصلة الأرحام، صحيح زمان الوضع كان أكثر مثالية، وكان العم أو الخال يقف بجوار أقاربه ويدعم المرأة حال حدوث شىء لها (كانوا بيشيلوها فوق دماغهم)، لكن الآن لو حدث شىء فلا نجد من يدعمها، بدليل انتشار جرائم العنف وزنا المحارم التى تؤكد انعدام صلة الأرحام تماما».

وتساءلت: لماذا لا يوجد نص الاجتهاد خاصة أن الاستمرار فى حرمان المرأة من ميراثها لا يتفق مع التغير الذى يحدث فى المجتمع كما حدث بعدم تنفيذ نص قطع يد السارق؟، وعللت حدوث ذلك «بوجود نظرة ذكورية شديدة مسيطرة على المجتمع المصرى تمنع المرأة من أخذ حقوقها الشرعية». وضربت مثالا بأنه عند عمل كوتة للنساء فى البرلمان قام المشرعون وقتها بزيادة عدد المقاعد، حتى لا يأخذن من كراسى الرجال، وقالت: «هذا دليل كبير على أن الرجل غير مستعد للتنازل عن حق من حقوقه للمرأة، وخروج شيخ الأزهر ببيان فى ساعة متأخرة أكبر دليل قطعى على ذلك وكنت متوقعة أن الأزهر (هتقوم قيامته)».

وقالت انتصار السعيد، مدير مؤسسة القاهرة للقانون والتنمية: «كل الاحترام للأزهر، لكن الدنيا والظروف والمجتمع تركيبة الاجتماعية تتغير، ولابد من الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة جدا لدينا وهى حرمان الفتاة من ميراثها الشرعى وعدم إعطائها حقها الشرعى حتى بعد وفاة والدها».

وأضافت: »يجب على الأزهر أن يهتم بقضية حرمان المرأة من ميراثها، مثلما اهتم بالتعليق على دعوة وتطبيق تونس لحق المساواة فى الإرث، وبالنسبة لمسألة الميراث والحديث عن تعديل القسمة وهناك اجتهاد لفقهاء المالكية فى مسألة (الكد والسعاية أو حق الشقا) وهو أن المرأة إذا كانت تساهم فى موازنة البيت مع زوجها فإنه يمكن أن تأخذ نصف التركة أو أكثر من ذلك بحسب المساهمة«.

وتابعت: »فى ذلك أثر عن عمر بن الخطاب (أنه لما مات عمر بن الحارث، وكانت زوجته حبيبة بنت زرق عمة عبد الله بن الأرقم نساجة طرازة وكان زوجها تاجراً يعمل بما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبوا أموالاً، فمات زوجها وترك أموالاً وعقاراً وأخذ أولياؤه مفاتيح الخزائن فنازعتهم فتخاصموا إلى عمر فقضى لها بنصف المال وبالإرث فى الباقى)، فالمشاركة فى الأموال لابد أن تؤخذ بالحسبان عند تقسيم الميراث».

وواصلت: «أهنئ النساء التونسيات لما تحقق لهن من مكاسب وتشريعات، وأرى أن التصديق على القانون الأساسى المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة يمثل إنجازاً آخر مهماً للمرأة وللأسرة التونسية بما تبناه من مقتضيات تمكن من التصدى بأكثر فاعلية لمختلف أشكال العنف المادى والمعنوى والجنسى والاقتصادى والسياسى ضد المرأة».

وقال رضا الدنبوقى، المدير التنفيذى لمؤسسة المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، لـ«المصرى اليوم»: «قبل الحديث عن مناصفة المرأة للرجال فى الميراث، وهذا ما سأطبقه فى حياتى بصفة شخصية، لابد أولا من قانون لتجريم الحرمان من الميراث، وسن تشريع لمناهضة العنف الأسرى، ولاحقا نتطرق للمساواة فى الميراث».

فى المقابل، رفض المجلس القومى للمرأة التعليق على ما يدور من جدل حول المواريث، مؤكدا التزامه ببيان الأزهر باعتبار أن الميراث مسألة شرعية لا يمكن الاجتهاد فيها.

وأعلنت الدكتورة منال العبسى، رئيس الجمعية العمومية لنساء مصر، مساندتها للأزهر ولنظام المواريث الثابت بآيات قطعية لا يمكن الاجتهاد فيها، مضيفة أن المساواة مع الرجل فى الميراث إثارة للجدل وهدم للثابت، وقالت: «نرفض الصدام مع أحكام الشريعة الإسلامية، فنظام المواريث ثابت بآيات قطعية لا يمكن الاجتهاد فيها، وندعم جهود الأزهر فيما يخص الرد على القضايا المثيرة للجدل والمغلوطة التى يرددها البعض عن الدين الإسلامى».

وقالت المحامية رباب عبده، نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث: «إن دعوة السبسى لمساواة المرأة بالرجل فى الميراث تتعارض مع صريح نص القرآن الكريم، وبخاصة فى سورة النساء (للذكر مثل حظ الأنثيين)، إلا أنه فى حقيقة الأمر لا يعدو كونه مغازلة سياسية للكتلة التصويتية النسائية بتونس، والتى يعول عليها الرئيس التونسى فى السباق الانتخابى على المقعد الرئاسى فى ديسمبر المقبل».

وأضافت لـ«المصرى اليوم»: «لا يخفى على أحد أن تونس كانت البلد الذى اشتعلت منه الشرارة الأولى لثورات المنطقة العربية، وإن كنا نتفق أو نختلف مع حقيقة الأهداف السياسية لتلك الثورات التى ما كانت لتقوم إلا لخدمة أغراض سياسية لقوى عظمى وأجهزة استخباراتها».

وتابعت: «على الرغم من أن الشأن الداخلى لكل دولة هو أمر مصون لا يجوز المساس به، إلا أن تلك الخصوصية تتراجع حينما تتعارض مع صحيح النص القرآنى، وهو الأمر الذى أثار حالة من الجدل بين المدافعين عن حقوق المرأة بمصر والذين رأوا فى هذا الطرح التونسى تعزيزًا لحقوق المرأة وانتصارًا لها، وهو ما نتحفظ عليه ونرفضه، فتعزيز حقوق المرأة لن يتحقق بمخالفة صحيح الشرع الذى أكد قيمتها وحقوقها منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، وهنا يجب ألا تتحقق نظرتنا لفكرة النهوض بأوضاع المرأة وتمكينها تمكينًا فعليًا فى جميع المجالات باتباع النموذج التونسى الذى سلك هذا المسلك لغرض سياسى».

وقالت: «حينما تتعارض الحقوق مع ثوابت الشرع تحت مظلة السياسة، تصبح هنا المرأة عنصرًا فى معادلة تستغلها وتتاجر بها، وهو الأمر الذى يؤكد أن (الإجابة ليست تونس)».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية